أفكار وآراء

تسريبات ويكيليكس.. ومخاطر الحرب الالكترونية المفتوحة !!

15 مارس 2017
15 مارس 2017

عبد العزيز محمود -

أثارت تسريبات «ويكيليكس» الأخيرة ردود فعل واسعة حول العالم، إذ كشفت احد البرنامج التي تستخدمها المخابرات المركزية الأمريكية للتنصت على الهواتف وتطبيقات الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي والحاسبات والأجهزة الإلكترونية الأخرى،وهي أمور باتت شائعة للأسف .

والتسريبات عبارة عن تسعة آلاف وثيقة بالغة السرية تغطي الفترة من ٢٠١٤ إلى ٢٠١٦، تم قرصنتها في عملية هي الأكبر من نوعها من داخل شبكة معزولة وبالغة التأمين في مقر للسي آي إيه بواشنطن يحظى بأفضل أنظمة الحماية حسبما تردد .

والجزء الذي تم نشره من الوثائق يكشف قيام المخابرات المركزية بقرصنة الهواتف الذكية مثل: آيفون وجالاكسي، وتطبيقات الاتصال على الهواتف مثل: سيجنال وتليجرام، وواتس أب، وأنظمة الكمبيوتر مثل: أندرويد، ومايكروسوفت وويندوز، ووسائل التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك، وتويتر.

علاوة على ذلك كشفت التسريبات أن منتجات كبرى شركات تكنولوجيا المعلومات مثل أبل، ومايكروسوفت، وسامسونج، وإتش بي، وآي بي إم ليست آمنة، على العكس مما تردده دعاية هذه الشركات.

مما يطرح سؤالا بديهيا: هل تتعاون هذه الشركات مع السي آي إيه بترك ثغرات في منتجاتها، أم أن الوكالة تمارس القرصنة سرا على منتجاتها؟ بالطبع لا يمكن معرفة الحقيقة، لكن الشركات عبرت عن انزعاجها مما حدث، وتعهدت بمعالجة نقاط الضعف، ووعدت ويكيليكس بمساندتها في هذا الصدد.

ويبدو أن العالم يفقد تدريجيا ما تبقى له من خصوصية، في مواجهة أنشطة وكالات الاستخبارات الكبرى، فالهواتف الذكية تراقب أصحابها، وتطبيقات الاتصال تسجل لهم، وأجهزة الكمبيوتر والتلفاز تتحول إلى أجهزة رصد وتسجيل في الغرف المغلقة، وحتى السيارات تصبح أجهزة رصد فور اتصالها بالإنترنت.

وهكذا لم تعد هناك خصوصية، فالكل معرض للاختراق، ولعل هذا ما دفع منظمات حماية الخصوصية للتنديد بما وصفته انتهاكا للخصوصية، وحق الفرد في حماية معلوماته الشخصية وحياته الخاصة من أن تكون متاحة للآخرين، مالم يتقدم للكشف عنها طواعية، وهو تنديد لا يغير من الواقع شيئا، فهو يتعامل مع الجانب الدستوري والتقني وربما الأخلاقي للقضية، لكنه لا يستطيع وقف عمليات القرصنة في عصر أصبحت فيه كل الأجهزة المتصلة بالإنترنت عرضة للاختراق.

كما كشفت التسريبات عن حقائق أخرى أهمها:

١-ان المخابرات المركزية الأمريكية لا تعمل منفردة في مجال الحرب الإلكترونية بل تتعاون مع المخابرات البريطانية (إم آي ٥) ووكالات أخرى صديقة، ورغم هذا التعاون فإنها لا تتورع عن ممارسة القرصنة ضد الدول والوكالات الحليفة، وهو ما كشفته تسريبات ويكيليكس من تجسسها على فرنسا، بهدف اختراق الانتخابات الفرنسية المقبلة كما تردد .

٢-ان المقر الرئيسي للاستخبارات الإلكترونية الأمريكية يقع داخل المركز الرئيسي لوكالة السي آي إيه في لانجلي بولاية فيرجينيا الأمريكية، بينما تقع القاعدة السرية الثانية في القنصلية الأمريكية بفرانكفورت بألمانيا، وتغطي أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، ولا يعرف بالضبط هل تعمل هذه القاعدة بالتعاون مع السلطات الألمانية أم من وراء ظهرها.

٣-ان المخابرات المركزية تشكل الآن منافسا قويا لوكالة الأمن القومي الأمريكي -إن إس إيه- والتي تمارس أنشطة الاستخبارات والحرب الالكترونية منذ إنشائها في عام ١٩٥٢.

وكان غريبا رغم كل هذا النجاح، أن وكالة سي آي إيه التي تمارس القرصنة على العالم، تتعرض هي ذاتها للقرصنة، على يد قراصنة مجهولين اخترقوا الوكالة، وحصلوا على وثائق بالغة السرية، وسلموها إلى ويكيليكس.

ورغم الجدل الدائر حول هوية هؤلاء القراصنة، إلا أنهم مازالوا مجهولين، صحيح أن المخابرات الأمريكية تتهم روسيا بالوقوف وراء هذه العملية، لكن روسيا وويكيليكس تنفيان هذه التهمة، مما يفتح الباب أمام سيل من التكهنات، وتظل الحقيقة الثابتة أن أكبر وكالة استخبارات في العالم تعرضت للاختراق. ويبدو أن الساحة السياسية الأمريكية أصبحت هدفا للقرصنة، فقد نشرت ويكيليكس في نوفمبر الماضي وثائق تم قرصنتها من الحزب الديمقراطي، في عملية قالت الاستخبارات الأمريكية إنها تمت بدعم الاستخبارات العسكرية الروسية، بهدف التأثير على نتيجة الانتخابات، وهو ما نفته روسيا وويكيليكس ايضا .

وكان غريبا ان يتزامن نشر التسريبات مع اتهامات لاحقت ترامب ومسؤولين في حملته، مما أعطى انطباعا وكأن طرفا ما يريد صرف انتباه الرأي العام الأمريكي عن هذه الاتهامات، وفي مارس الجاري تزامنت تسريبات ويكيليكس مع اتهامات لمسؤولين في إدارة ترامب بإجراء اتصالات مع مسؤولين روس خلال الانتخابات.

كما جاءت التسريبات وكأنها محاولة للتدخل في الصراع الدائر بين ترامب ووكالات استخباراته، فليس سرا ان العلاقة بين الطرفين ليست في افضل حالاتها ، فترامب لا يكف عن انتقادها، وهي لا تخفي قلقها حيال الرئيس وطاقمه، وواكب هذا تسريبات في وسائل الإعلام الأمريكية تتهم مسؤولين في الإدارة بعلاقات مع روسيا.

وقد أسفر هذا المناخ حتى الآن عن استقالة مايكل فلين مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي ، على خلفية اتصالات أجراها مع السفير الروسي بواشنطن أثناء الانتخابات، بينما تواصل الإف بي آي تحقيقاتها مع جيف سيشنز النائب العام ووزير العدل في اتهامات مماثلة، فضلا عن اتهامات أمام الكونجرس بالحنث تحت القسم.

ومن المقرر أن يعقد هذا الأخير جلسة علنية يوم ٢٠ من مارس الجاري لمناقشة التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية، والاتصالات المحتملة بين مقربين من ترامب ومسؤولين روس، فضلا عن اتهامات لإدارة أوباما بالتنصت على برج ترامب.

وهكذا يتضح ان تسريبات ويكيليكس الأخيرة - بغض النظر عن هوية من يقف وراءها - ليست بالبراءة التي تبدو عليها، فهي تذاع في توقيتات مثيرة للريبة، وكأنها تستهدف التأثير على الصراع الدائر بين ترامب ووكالات الاستخبارات، بالتشكيك في كفاءة المخابرات المركزية، مما يعطي الرئيس المبررات اللازمة لإجراء عملية تنظيف بداخلها عندما يقرر ذلك.

تجدر الإشارة الي أن ويكيليكس تأسست في أكتوبر 2006 كمنظمة دولية غير ربحية متخصصة في المعلومات والأخبار السرية، واكتسبت في عام 2010 شهرة عالمية بنشرها بيانات سرية عن الحرب في أفغانستان والعراق، ومعتقل جوانتانامو، ومكاتبات وزارة الخارجية الأمريكية،

وجاءت تسريباتها في أواخر 2016 ومطلع 2017 لتثير جدلا حول دوافعها ومن يقف وراءها، وسط اتهامات تحاول الربط بينها وبين روسيا، استنادا إلى أنها لم تنشر منذ تأسيسها أية وثائق لها علاقة بروسيا، وبالتالي يمكن تصنيفها كمنظمة قرصنة دولية تستهدف الولايات المتحدة واستخباراتها بشكل خاص.

تسريبات ويكيليكس أكدت خطورة الحرب الالكترونية المشتعلة حاليا عبر الكوكب، والتي تستخدم فيها الحواسيب والإنترنت، من طرف وكالات استخبارات ومنظمات غير حكومية وجماعات إرهابية وإجرامية، تحقيقا لأهداف سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية، ويبدو أن الكل الآن أصبح عرضة للاختراق، بدليل أن أكبر قرصان في العالم تمت قرصنته.