أفكار وآراء

ورقة النفط في أزمة ليبيا

14 مارس 2017
14 مارس 2017

مختار بوروينة -

[email protected] -

حذر المبعوث الأممي إلى ليبيا ، مارتن كوبلر ، من التهديد الخطير الذي يشكله الاقتتال بمنطقة الهلال النفطي على مصدر معيشة الملايين من الليبيين ، ودعا الى ضبط النفس لمنع المزيد من التصعيد والعمل على حماية المدنيين والمنشآت النفطية في ليبيا. 

ما زالت أحداث الهلال النفطي وسط ليبيا تتصدر الواجهة ضمن الأزمة الليبية التي ولدها الهجوم الذي شنته ما يعرف بـ «سرايا الدفاع عن بنغازي» وسيطرتها على مطار «رأس لانوف» وميناء «السدرة» في المنطقة الغنية بنفط ليبيا (شمال-شرق) ، قبل أن يعلن جهاز حرس المنشآت النفطية التابع لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا أن سرايا الدفاع عن بنغازي أبدت استعدادها لتسليم منطقة الهلال النفطي إلى قوة تمثل الدولة الليبية الشرعية .

و تفيد أنباء أخرى أنه لحد الساعة مازال الغموض والتضارب يكتنف الاوضاع في المنطقة، وحول حقيقة المشهد الميداني بالنظر لتصريحات أطراف متعددة ليبية متنازعة بشأن استمرار الاشتباكات من عدمه ، و تموقع كل طرف في المنطقة حيث شهدت مدينة «راس لانوف» مؤخرا اشتباكات بين سرايا الدفاع عن بنغازي وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ما أدى إلى سقوط قتلى في صفوف السرايا ، كما شنت طائرات موالية لحفتر غارات استهدفت مواقع لسرايا الدفاع في محيط ميناء «راس لانوف وبلدة النوفلية ».

و فيما تم الترويج لتصريحات لطمأنة الليبيين بعودة الهدوء في مناطق الشريان المغذي للحياة ، إلا ان الخوف من انفلات الأوضاع وعدم الاستقرار مازال قائما في بلد ممزق سياسيا وأمنيا في ظل تعثر تنفيذ اتفاق الصخيرات برعاية أممية ، و في غياب سيطرة المؤسسات الناجمة عنه أمام الانقسام المستمر وعدم قدرة الجيش الناشئ على مواجهة ألوية المتمردين السابقين والميليشيات التي كثيرا ما تقتتل على السلطة السياسية والاقتصادية بدءا من آبار وموانئ شحن البترول الى عائداته المالية وما يسري بينهما .

واجمع المتتبعون لهذه الاحداث أن التطورات التي تعيشها منطقة الهلال النفطي ميدانيا ستكون لها انعكاسات سلبية على المشهد الليبي سياسيا في ظل الفوضى وانتشار الميليشيات المسلحة التي تنتمي لكل الاطراف وترتبط بكل الجماعات وامتلاكها لترسانة من الاسلحة الرهيبة ، و اقتصاديا باعتبار «السدرة» و«راس لانوف» من أكبر الموانئ الليبية بطاقة استيعابية إجمالية تبلغ 600 ألف برميل يوميا وبالنظر لاحتواء منطقة الهلال النفطي على موانئ التصدير وحقول الإنتاج الرئيسية في البلاد .

وحسب تقارير محلية فقد أوقفت ليبيا تصدير النفط من بعض موانئها النفطية وراجعت جداول شحنه بعد المعارك التي اندلعت في منطقة الهلال النفطي ليزيد ذلك من ما يعانيه الاقتصاد الليبي أصلا جراء الازمة بهذا البلد وبسبب انخفاض أسعار النفط علاوة على تراجع الإنتاج في ليبيا .

وتقول المؤسسة الليبية للنفط المشرفة على هذا القطاع بالبلاد انه تم وقف التصدير من «السدرة» أكبر الموانئ النفطية الليبية ومن «راس لانوف» إلى أن تتحسن الأوضاع الأمنية ويتمكن العاملون من العودة إلى عملهم في المنشآت ، كما ستقوم المؤسسة بمراجعة جدول شحن النفط وستتخذ إجراءات عاجلة لحماية المنشآت النفطية من الصراع الأمني والتجادبات السياسية .

كما حذر علي التكبالي النائب بالبرلمان الليبي من أن هذا الواقع الميداني وفي حال لم يتحسن سيجعل من الفترة المطلوبة لتعافي الاقتصاد الليبي تزداد طولا ، مضيفا ان الهجمات الأخيرة في حال استمرارها ستزيد من سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لأنها تستهدف الشريان المغذي للحياة في ليبيا وهو النفط.

وأصبحت منطقة الهلال النفطي التي تحوي المخزون الأكبر للنفط في ليبيا محل صراعات منذ عام 2011 ، نتج عنها تضرر معظم الحقول النفطية والموانئ ، مما أدى إلى تراجع الإنتاج إلى حوالي 700 ألف برميل في فبراير الماضي بعد أن كانت تقارب 1.6 مليون برميل يوميا قبل سقوط نظام معمر القذافي .

وحذر المبعوث الاممي إلى ليبيا ، مارتن كوبلر ، من التهديد الخطير الذي يشكله الاقتتال بمنطقة الهلال النفطي على مصدر معيشة الملايين من الليبيين ، ودعا الى ضبط النفس لمنع المزيد من التصعيد والعمل على حماية المدنيين والمنشآت النفطية في ليبيا.

وكان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية اكد في رد فعله على الهجوم بمنطقة الهلال النفطي ان النفط ثروة الليبيين جميعا وهو مصدر رزقهم الوحيد ولا بد ان يخرج من دائرة الصراع بمختلف مسمياته وإشكاله وان لا تكون مناطقه ساحة له ، مؤكدا أنه لاعلاقة للمجلس الرئاسي بالتصعيد العسكري في المنطقة و لم يصدر عنه أي تعليمات أو أوامر لأي قوة بالتحرك نحو المنطقة.

و نفى قادة عمليات «البنيان المرصوص» في ليبيا من جهتهم مشاركتهم في المعارك الدائرة بين سرايا الدفاع عن بنغازي وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بمنطقة الهلال النفطي وسط ليبيا ، وقالوا في بيان صحفي بثه موقع (ليبيا الخبر)، إنهم يتلقون الأوامر من آمر غرفة العمليات الخاصة «مصراتة سرت» لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» ، ولم تصدر لهم أي أوامر بشأن التدخل في صراع الهلال النفطي.

ولوح القادة باتخاذ كافة الاجراءات القانونية حيال من يريد الزج باسم عملية «البنيان المرصوص» في ذلك الصراع وحذروا الأطراف المتصارعة في منطقة الهلال النفطي من مغبة المساس بممتلكات ومقدارت الشعب الليبي.وكان الناطق باسم قوات المشير حفتر ،أحمد المسماري ، قد اتهم قوات عملية البنيان المرصوص بتقديم الدعم لسرايا الدفاع عن بنغازي.

في بيان مشترك و كرد فعل عما يجري بمنطقة الهلال النفطي ، أبدت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أدانتها القوية لعديد أعمال العنف هناك ودعت الى وقف فوري لإطلاق النار واستمرارها في دعم المصالحة السياسية وجهود حكومة الوفاق الوطني لتحقيق السلم والاستقرار والأمن وكذلك دعمها لجهود البعثة الأممية للدعم في ليبيا وجهود الدول المجاورة.

وشدد البيان على الحاجة الملحة لقوة عسكرية وطنية موحدة تحت إمرة مدنية من أجل حفظ الامن وتأمين الرخاء لكل الليبيين ، مع التأكيد أيضا على الحاجة للاحتفاظ بالبنية التحتية للنفط وعمليات إنتاجه وتصديره تحت سيطرة حصرية لمؤسسة النفط التي تعمل تحت سلطة وإشراف حكومة الوفاق الوطني الليبية.

وفي اطار التطورات والمعطيات الجديدة التي تشهدها الازمة الليبية على خلفية احداث «الهلال النفطي» يظهر الحوار الوطني وأهميته لفك الازمة الليبية ، وهو الامر الذي دعا اليه النائب الأول لرئيس مجلس النواب الليبي امحمد شعيب ردا على مطالبة بعض اعضاء المجلس بـ «إيقاف الحوار الوطني» تعبيرا عن موقفهم تجاه الهجوم الذي تعرضت له منطقة الهلال النفطي ، وطالب شعيب هؤلاء بان يعيدوا النظر في موقفهم .

وشدد المسؤول الليبي في ندائه على أن من شأن هذا الموقف أن يزيد من تفاقم الأزمة الوطنية ، وأن الحوار في هذه الظروف يصبح أكثر إلحاحا من أي وقت مضى ، داعيا الى إنقاذ ليبيا وتجاوز محنتها وان يكون شعار ذلك الحوار أولا والحوار ثانيا مع الالتزام بالثوابت الوطنية وليبيا الدولة المدنية الديمقراطية الواحدة والموحدة .