985712
985712
آخر الأخبار

"الدولة" يقر مشروع قانون التراث الثقافي بعد جلسة من النقاشات المستفيضة

14 مارس 2017
14 مارس 2017

كتبت- عهود الجيلانية

تصوير - هدى البحرية

مسقط 14 مارس/ أقر مجلس الدولة اليوم مشروع قانون التراث الثقافي بعد جلسة من النقاشات المستفيضة وتشكيل لجنة صياغة فنية لتضمين مرئيات المكرمين الأعضاء حوله.

وقد عقد مجلس الدولة اليوم جلسته الاعتياديه الخامسة لدور الانعقاد السنوي الثاني من الفترة السادسة للمجلس برئاسة معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة وبحضور المكرمين أعضاء المجلس وسعادة الدكتور الأمين العام للمجلس لمناقشة مشروع قانون التراث الثقافي المحال من مجلس الوزراء، وتقرير لجنة الثقافة والإعلام والسياحة وتقرير مجلس الشورى حوله، والجلسة العادية الخامسة، وذلك في قاعة الاجتماعات بمبنى المجلس بالبستان.

وفي مستهل الجلسة ألقى معالي الدكتور رئيس المجلس كلمة رحب فيها بالمكرمين الأعضاء، مستعرضاً جدول أعمال الجلسة، وقال إن الجلسة ستخصص لمناقشة مشروع قانون التراث الثقافي، المحال من مجلس الوزراء وتقرير لجنة الثقافة والإعلام وتقرير مجلس الشورى حوله، بالإضافة إلى الاطلاع على عدد من التقارير المتعلقة بأعمال المجلس، سائلا في ختام كلمته الله تعالى التوفيق لتحقيق أهداف المجلس والمساهمة في دعم مسيرة التنمية في البلاد تحت ظل القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه-.

عقب ذلك استعرض المكرم الدكتور أحمد بن علي المشيخي رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بالمجلس أهمية وأهداف القانون المتمثلة في الحفاظ على التراث الثقافي المادي والمعنوي وتطوير سبل تنظيمه وإدارته والترويج له، واتساق ذلك مع الاتفاقيات العالمية ومنها اتفاقية اليونسكو لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي (1972)، واتفاقية عام 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي.

كما استعرض المكرم الدكتور أحمد المشيخي الجهود التي بذلتها اللجنة في دراستها لمشروع القانون، موضحا في هذا الصدد أنه قد تم تشكيل فريق لدراسته واعداد تقرير حوله، مبينا أن اللجنة تدارست مشروع القانون مع اللجنة القانونية بالمجلس.

وأعرب عن شكره لمكتب المجلس ورؤساء اللجان على ملاحظاتهم القيمة منوها بجهود أعضاء اللجنة وجهازها الفني، وأفاد أن مشروع قانون حماية التراث الثقافي تم إحالته من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى ومن ثم إلى مجلس الدولة استناداً إلى المادة (37) من المرسوم السلطاني رقم (99/2011)، معربا عن تثمين اللجنة للتعديلات والملاحظات التي ابداها مجلس الشورى على مواد مشروع القانون، مشيرا إلى أن اللجنة اتفقت مع رأي مجلس الشورى في جلّ المواد مع وجود تباين محدود في 9 مواد، كما أجرت تعديلات شكلية في 15 مادة، ودمجت مادتين في مادة واحدة.

وبين أنه تم الأخذ بجل مقترحات المكرمين أعضاء المجلس التي وردت للجنة، إضافة إلى مجمل الملاحظات التي أبداها أعضاء المكتب، وتم تضمينها في مقترح مشروع القانون.

وبعد مناقشة التقرير المعد من قبل اللجنة حول مشروع قانون التراث الثقافي وإدخال التعديلات عليه، شهدت الجلسة مداخلات مطولة حول مواد القانون وأبدى الأعضاء المكرمون آرائهم، فقال المكرم الدكتور الشيخ الخطاب بن غالب بن علي الهنائي: إن الإشكالية واقعة في تعريف التراث الثقافي وأهمية ذكر تعريف التراث الطبيعي فالتعريف الوارد في مشروع القانون غير واضح.

أما المكرم السيد الدكتور سعيد بن سلطان البوسعيدي فيرى ضرورة إدراج تعريف مختص بالتراث الطبيعي في مشروع القانون حتى لا يلتبس لاحقا مع اختصاصات القوانين البيئية الموجودة.

وأشار المكرم الدكتور عبدالله بن مبارك الشنفري إلى ما تطرق إليه المشروع في الاهتمام بصون التراث الديني واحتمالية وقوع الالتباس في المستقبل وإلزام وزارة التراث في مراعاة الكنائس أو المعابد الموجودة في السلطنة.

كما أثنى المكرم عبدالله بن سعيد السيفي على ورود كلمة "الديني" في مشروع القانون، حيث أن الدين المعروف في السلطنة هو دين الإسلام ولا يخفى على أحد أن حذفها سيكون لها أبعاد في المستقبل والتوجه أن تبقى الكلمة كما هي.

في حين يرى المكرم السيد الدكتور سعيد البوسعيدي أن يتم استبدال الكلمة ب"التراث الفني" لتكون العبارة أدق ولا يقحم الدين في التراث.

وأوضح المكرم الدكتور إسماعيل بن صالح الأغبري مقرر اللجنة الثقافة والإعلام والسياحة أن موضوع إضافة كلمة "الديني" قد أخذت حيزا من المناقشات المطولة سواء في اللجنة أو مع اللجان الأخرى بالمجلس، وعموما تم إضافتها بإعتبار أن معظم النتاج التراثي الثقافي في السلطنة هو نتاج ديني سواء كان ماديا أو غير ماديا فكل ما يتعلق من مخطوطات ومطبوعات وموروثات فهي ذات طابع ديني، أما عن الكنائس والمعابد فهي لا تدخل ضمن نطاق التشريع لأن التراث يجب أن يكون موجود من العصور القديمة منذ مئات السنين.

كما استعرض الأعضاء المكرمون آرائهم حول المادة 12 المذكورة في المشروع التي اهتمت بإيضاح "تأثر بعض المشاريع التنموية بتواجد مواقع مكتشفة من التراث العماني والرجوع لوزارة التراث والثقافة للتنسيق"، حيث اتفق بعض الأعضاء المكرمون على أنه لا يجوز إقرار المشاريع التنموية التي تؤثر على المواقع التراثية إلا بالتنسيق مع وزارة التراث والثقافة، وأشار بعضهم على أنه لا يجب الرجوع للوزارة بحكم وجود لجان متعددة الجهات في المجلس الأعلى للتخطيط تهتم بهذا الجانب.

واستفسر المكــرم زاهر بن عبدالله العبري حول إمكانية قيام وزارة التراث بإجراء مسح شامل ومعرفة كافة المواقع الأثرية في ولايات السلطنة حتى يتفادى مستقبلا تعطيل المشاريع وحتى تحافظ على التراث العماني وتصونه من أي ضرر، منوها على أهمية فرض المادة 12 حتى تحظى بالتطبيق مستقبلا على أنه لا يجوز إقرار أي مشروع تنموي إلا بالتنسيق المسبق مع وزارة التراث.

وقال المكرم الدكتور أحمد المشيخي أن المادة عالجت إشكالية تأثر الآثار المكتشفة في المشاريع التنموية، لذا لابد من التنسيق المسبق حتى تسلك المشاريع مسارها الطبيعي ولكن ليس كل المواقع الأثرية معروفة، ويتم معرفتها بعد البدء في أعمال الحفر للمشاريع، ونقترح تعديل المادة إلى أنه لا يجوز إقرار المشاريع التي تؤثر على المواقع التراثية إلا بالتنسيق مع وزارة التراث.

واختلفت آراء الأعضاء في المادة (56) التي تعنى بتكفل المواطنين بأنفسهم على ترميم وصيانة المباني القديمة، في حين تحفظ بعض الأعضاء على إمكانية ملاك البيوت الأثرية وقدرتهم المالية المتوفرة على ترميم البيوت ناهيك عن غياب العمالة المتخصصة في الترميم، في حين ذكرت المادة 61 تحمل وزارة التراث ترميم البيوت كليا أو جزئيا بناء على طلب من ملاكها، فأضاف المكرم الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي قائلا: في حالة عدم قدرة المواطن على الترميم من ماله الخاص فمن الصعب أيضا أن تتحمل الوزارة ترميم كافة البيوت الأثرية لذا يجب أن تحذف إحدى المادتين وتعديلهما.

ويرى المكرم عبدالله السيفي صعوبة تطبيق المادة وإلزام المواطنين بترميم بيوتهم القديمة لعدم توفر القدرة المالية لدى البعض، متطرقا إلى ذكر أمثلة عن وجود بيوت عمانية قديمة في ولاية نزوى تحمل طابعا تاريخيا قد اندثرت وأخرى قد أوشكت على الاندثار.

وذكر المكرم الدكتور أحمد المشيخي إلى أنه تم إضافة مادة جديدة رقم (58) اختصت بوضع وزارة التراث والثقافة لضوابط تنظيم استثمار المباني القديمة والحارات والاسواق، ويتعين على الوزارة اتخاذ كافة الوسائل والإجراءات القانونية في هذا الجانب.

ومن ناحية أخرى أشار المكرم الدكتور الشيخ الخطاب الهنائي أن مشروع القانون لم يوضح عقوبة كل من يقوم بسرقة أو تهريب التراث العماني، كما لم ترد عقوبة في قانون الجزاء العماني لذا لابد من التعامل قانونيا ووضع عقوبة واضحة للمخالف، واتفق معه المكرم السيد الدكتور سعيد البوسعيدي على ضرورة وجود نص قانوني في بند العقوبات لتهريب المواد التراثية، كما استفسر المكرم السيد هلال بن مسلم بن علي البوسعيدي حول آلية تعامل القانون للارث العماني المتواجد خارج السلطنة.

يذكر أن لجنة الثقافة والإعلام والسياحة تدارست مشروع القانون من عدة جوانب تأكيدا على أهمية التراث الثقافي باعتباره ركناً أساسياً من الهوية الوطنية العمانية وقاعدة للانطلاق في بناء الدولة العصرية، ومن منطلق اهتمام السلطنة بالحفاظ على التراث الثقافي، فقد أصدر جلالة السلطان المعظم المرسوم رقم (12/76) والذي قضى بإنشاء وزارة التراث القومي ثم عدل مسماها في عام 2002م لتصبح وزارة التراث والثقافة، وأسند إليها العناية بالآثار والمتاحف والمباني التاريخية، وصيانتها وتوظيفها والاهتمام بجمع المحفوظات والوثائق، وحمايتها من التلف والضياع، باعتبارها جزءا من مفردات التراث العماني، بالإضافة إلى العناية بالفنون الشعبية، والنهوض بالمسرح والموسيقى والسينما، والفنون التشكيلية والأغنية العمانية، وتعزيز دور المشاركة الوطنية في التنمية الثقافية.

وقد تدارست لجنة الثقافة والإعلام والسياحة مشروع القانون من الجوانب القانونية والاجتماعية والاقتصادية، ففي الجانب القانوني تكمن الأهمية القانونية لمشروع قانون التراث في اعتباره جزءاً من منظومة القواعد القانونية المنظمة لسلوك الافراد في المجتمع وفقاً لحاجات ومتطلبات المحافظة على التراث الثقافي التي تستدعي بيان السلوك المجرّم وما يترتب عليه من عقوبة مقررة تتناسب مع الآثار المتوقعة من ذلك السلوك المجرّم.

وفي الجانب الاجتماعي، يمثل مشروع قانون التراث الثقافي الجديد ركيزة استراتيجية كبرى ضمن جهود السلطنة المتواصلة وذلك من عدة نواحي أهمها: استدامة الهوية الوطنية، والحفاظ على التراث الثقافي المادي والمعنوي وتطوير سبل تنظيمه وإدارته والترويج له، وتشجيع المجتمع على صونه وممارسته بمختلف أشكاله، وخاصة عبر حماية المباني والمواقع التاريخية والحث على الاستمرار في ممارسة التراث الثقافي المعنوي المتمثل في العادات والتقليد والمهارات الشعبية، وتضمين وتدريس أهمية التراث وحمايته في المناهج التعليمية.

أما في الجانب الاقتصادي فإن التراث الإنساني يشكل أحد الموارد الاقتصادية للمجتمعات، التي يمكن أن توظف في الحصول على عائدات اقتصادية تدر دخلاً يضاف إلى الاقتصاد الوطني، لذلك اتجهت غالبية الدول إلى التخطيط العلمي لاستثمار التراث الثقافي، حيث يرتبط التراث بالقطاع السياحي بشكل مباشر، مما يستلزم توسيع قاعدة السياحة لتشمل السياحة التراثية والثقافية والعمل على تطويرها إلى جانب السياحة الكلاسيكية.

ويناقش المجلس في جلسته السادسة غدا مقترح لجنة التعليم والبحوث حول دراسة "مراجعة ازدواجية البرامج والتخصصات في مؤسسات التعليم العالي"، كما يناقش مقترح برغبة اللجنة الاقتصادية بشأن تعديل قانون التنمية الاقتصادية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (9/75)، ويطلع المجلس خلال الجلسة كذلك على تقرير حول مشاركة المجلس في المؤتمر الثاني للبرلمان العربي ورؤساء البرلمانات والمجالس العربية، إضافة إلى الاطلاع على برنامج التعاون بين المجلس وجامعة السلطان قابوس، وتقرير الأمانة العامة حول أنشطة المجلس للفترة الواقعة ما بين الجلسة العادية الرابعة والجلسة الخامسة والسادسة لدور الانعقاد السنوي الثاني من الفترة السادسة علاوة على الاطلاع على محضر اجتماع مكتب المجلس مع المكرمين رؤساء اللجان الذي عقد خلال شهر يناير الماضي.