الملف السياسي

انهيار الاتفاق السياسي وشبح التقسيم بدأ بالصراع على النفط

13 مارس 2017
13 مارس 2017

أحمد إبراهيم عامر -

,, شهدت الموانئ النفطية الليبية هجوما مسلحا من الميليشيات المختلفة أيديولوجيا ومناطقيا، ولكنها اتفقت على حتمية كسر قوة الجيش الليبي ,,  

رغم بيان رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، بعدم مشاركته أو علمه بهذا الهجوم، إلا أن جميع المؤشرات والتحليلات تؤكد أن هجوم الميليشيات على قوات الجيش بمنطقة الهلال النفطي تمت بمباركته وبعلم باولو سيرا المستشار الأمني للمبعوث الأممي لدى ليبيا مارتن كوبلر. وفى عرض لتلك الميليشيات التي هاجمت الموانئ النفطية، نجد تكونها الأساسي من ميليشيا «سرايا الدفاع عن بنغازي» وقوات الجضران التي كانت تسيطر على الموانئ طوال الثلاث سنوات الماضية قبل أن يستطيع الجيش الليبي في نوفمبر من العام الماضي استرجاعها وتسلمها لإدارة المؤسسة الليبية للنفط. أيضا كتيبة الفاروق وهي جزء من قوات البنيان المرصوص لمدينة مصراتة وتتبع المجلس الرئاسي، بجانب ميليشيا تابعة لمصطفى الشركسي عضو المجلس العسكري لمصراته وهو الذي أعلن البيان بعد اقتحام الموانئ النفطية بتسلمها للمجلس الرئاسي.

المفاجأة الصادمة أن هذه القوات التي تدعي أنها ضد وجود الجماعات الإرهابية وأنها جزء من القوات الشرعية للدولة الليبية قد تحالفت بشكل واضح خلال عملية الهجوم على الموانئ النفطية مع ميليشيا تابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي بقيادة أحمد الحسناوي أحد قيادات القاعدة في الجنوب الليبي والمطلوب دوليا بجانب عناصر من المعارضة التشادية ميليشيا «القرعان».

ومما لا يدع مجالا للشك في ترتيب هذه الميليشيات خطة الهجوم مع رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ووزير دفاع حكومة الوفاق العقيد المهدي البرعثي هو أنها انطلقت جميعها من قاعدة الجفرة العسكرية بالجنوب الليبي التابعة للمجلس الرئاسي والذي زارها فايز السراج ووزير دفاعه منذ ثلاثة أشهر .

ويرى كثير من المحللين للمشهد السياسي الليبي أن هذا الهجوم جاء ردا على عدم موافقة المشير حفتر القائد العام للجيش الليبي مقابلة رئيس المجلس الرئاسي في القاهرة رغم الضغوطات الدولية والمصرية التي بذلت لإنجاح الاجتماع بينهما. ورغم أن المعارك العسكرية بمنطقة الهلال النفطي لازالت مستمرة والجيش الليبي استطاع تنظيم صفوفه واستعادة بعض البلدات الصغيرة وجزء من مدينة رأس لانوف إلا أنه على الصعيد السياسي بدأت التحركات الدولية تتجه لعملية وقف فوري لإطلاق النار والإعلان على تسليم الموانئ النفطية تسليم شكلي للمجلس الرئاسي الذي ليس لديه قوات حقيقية ولكنها ميليشيات متنوعة تجمعها به تحالف الضرورة والمصلحة فقط. وهو سيناريو لتمكين رئيس المجلس الرئاسي الذي انخفضت أسهمه خلال الفترة الماضية، وبدأ طرح أسماء جديدة يمكن أن تكون بديلا عن السراج أبرزها عارف النايض السفير الليبي السابق لدى دولة الإمارات العربية المتحدة .

وعلى الجانب السياسي الآخر اجتمع البرلمان الليبي يوم الثلاثاء الماضي بحضور 56 عضوا اغلبهم من إقليم برقة «المنطقة الشرقية» وصوت بأغلبية 38 عضوا على تجميد الاتفاق السياسي بالكامل وإلغاء المادة 1 وهي تسمية رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي مما دعا بعض النواب الداعمين للاتفاق السياسي بالتلويح بتجميد عضويتهم والانسحاب من مجلس النواب أو إنشاء مجلس مواز في طرابلس، اعتمادا على عدم قانونية هذا التصويت لأن مجلس النواب قد أقر في يناير من العام الماضي الاتفاق السياسي مع تحفظه فقط على المادة 8 الخاصة بالمناصب العليا ومنها منصب القائد الأعلى للجيش الليبي، وليس له حق إلغاء الاتفاق إلا بالآليات التي توجد ببنود الاتفاق السياسي وهي التصويت بالثلثين بجانب تصويت مجلس الدولة بنفس النسبة من عدد الأعضاء.

ارتباك المشهد السياسي والعسكري الليبي قد يؤدي لدعاوى بالانفصال، بدأ الترويج لها داخل إقليم برقة شرق ليبيا، مما يعقد المشهد أكثر. النزاع المسلح الحالي على السيطرة على النفط يؤكد أنه لا حل سياسي قريب يبدو واضح في الأفق ولا الاتفاق السياسي الذي وقع بمدينة الصخيرات المغربية برعاية الأمم المتحدة والذي يتمسك به الأطراف الدولية والإقليمية هو الحل التوافقي، بل هي محاولة لفرضه بالقوة ليخرج عن مضمون أنه اتفاق بالتوافق. وتظل رؤية المجتمع الدولي والدول الفاعلة في الملف الليبي محل خلاف خارجي أكبر وأعمق من خلاف الليبيين أنفسهم، ففي الوقت الذي تتمسك الدول الأوروبية والولايات المتحدة بالمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق المنبثقة منه كجسم شرعي تنفيذي وحيد في ليبيا، نجد روسيا ومصر والإمارات والأردن تدعم البرلمان وقيادة الجيش التابعة له ممثلة في القائد العام للجيش الليبي المشير حفتر الذي تعتبره القادر على توحيد صفوف العسكريين، وإنهاء حالة امتلاك الميليشيات للسلاح، ودحر الجماعات الإرهابية التي تهدد كيان الدولة الليبية ودول الجوار، ونجد تركيا وأطرافا اخرى تدعم تيار الإسلام المتشدد بقوة.

وعلى الرغم أن المشير حفتر استطاع خلال الثلاثة أعوام الماضية منذ إعلانه عن عملية الكرامة العسكرية لمواجهة الإرهاب في مدينة بنغازي أن يحقق انتصارات كبيرة ليس ببنغازي فقط، بل في كل الشرق الليبي وقام ببناء نواة لجيش ليبي موحد وافرغ الشرق من الميليشيات المسلحة في ظل قرار مجلس الأمن بعدم السماح باستيراد السلاح للجيش، بدأ القائد العسكري المحنك في مرحلة جديدة وهي التقدم للسيطرة على الحقول النفطية في الجنوب والوسط الليبي، ثم قامت قواته بعملية تكتيكية خاطفة بالسيطرة على الموانئ النفطية والتي كانت غير متوقعة، مما جعل خمس دول أوروبية ومعهم الولايات المتحدة لإصدار بيان شديد اللهجة بحتمية انسحابه من الموانئ النفطية في نوفمبر من العام الماضي إلا أن الدعم السياسي الروسي واعتراضها ومعها الصين ومصر، حال دون تحرك بفرض عقوبات دولية على المشير حفتر من قبل مجلس الأمن.

ليبدأ الجميع يتعامل مع القائد العسكري الأقوى حفتر على إشراكه في العملية السياسية بالتفاوض المباشر معه، لكنه كان عنيدا وواضحا بأن هدفه هو الاستمرار لتحرير كامل التراب الليبي من الجماعات المسلحة بمختلف خلفياتها الأيديولوجية، وأنه قادم على دخول العاصمة طرابلس بالقوة. وخلال الأشهر الماضية باءت كل المحاولات السياسية لإدخال حفتر داخل الاتفاق السياسي بوجود الميليشيات ضمن القوى العسكرية الليبية المزمع تشكيلها ووجود قوات الجيش الليبي كجزء تحت قيادة القوى السياسية متمثلة في رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج بالفشل. واستمر الضغط على تمرير هذا السيناريو الذي لن يوافق عليه حفتر، فالمشير خليفة بالقاسم حفتر الذي يبلغ من العمر 73 عاما، لا يبحث عن صفقات سياسية تمكنه من الاستمرار في قيادة الجيش بل هو باحث عن تاريخ يكتب عنه في نضاله لتحرير بلاده من الإرهاب واسترجاع شكل الدولة بمؤسساتها، وهذا هو سر تعند حفتر المستمر لرفض أي تنازلات خاصة بالتشكيلات العسكرية والأمنية. مما يجعله في صدام دائم مع مشروع تمكين الاتفاق السياسي متضمنا أي دور للميليشيات المسلحة بجانب أنه يواجه ضغوطات أخرى بالمنطقة الشرقية خاصة بالفيدرالية أو الإعلان عن مجلس عسكري أو الانفصال، وقد اعلنها بوضوح في أكثر من حوار صحفي أنه لن يقبل بالتقسيم ولن ينشئ مجلسا عسكريا وسيستمر يحارب حتى الوصول للحدود الغربية الليبية.

ويراهن الغرب أنه بعد الهجوم الأخير على الموانئ النفطية وحتى لو تمكن حفتر من استرجاعها أنه وصلته الرسالة بأنه ليس القوة الوحيدة بل أنه ليس صاحب القرار العسكري الأوحد، وعليه ألا يفكر في التقدم باتجاه الغرب أو دخول العاصمة الليبية طرابلس عسكريا. هذا السيناريو افتقد لعنصر هام وهو الأهم، أن تحالف ميليشيات مصراتة مع الكيانات المسلحة الإرهابية، خلق حالة من الإجماع الشعبي على الوقوف بجانب قائد الجيش الليبي ليس فقط في المنطقة الشرقية، ولكنه عبر ليجد صدى لدى أعداد كبيرة من قبائل المنطقة الغربية وقواتها العسكرية التي كانت تختلف مع المشير حفتر في التفاصيل ومنها المناطق التي لديها قوات كبيرة ولكنها مازالت موالية لنظام القذافي رغم سقوطه في 2011 وتصف الثورة الليبية بالمؤامرة، كقبيلة ورفله ببنى وليد وهي أكبر القبائل الليبية وقبائل ورشفانه .

وخلال الأيام والأسابيع القادمة سيستثمر المشير حفتر هذا الزخم الشعبي والعسكري المناصر له ضد قوة مصراتة العسكرية والميليشيات الإرهابية والإسلامية في توحيد صفوف القوات العسكرية بالمنطقة الغربية للهجوم بالالتفاف من الغرب، ومن المرجح أنه فور تحريره للموانئ النفطية من قبضة الميليشيات سيبدأ على الفور لنقل المعركة للغرب الليبي، للسيطرة على العاصمة، ويرى محللون أنه في هذه الحالة ستكون حرب أهلية ضخمة وغير محددة المدة الزمنية وأنه لن يستطيع أن يتخذ هذا القرار في ظل عدم مناصرة المجتمع الدولي لتحركاته.

وفي اتجاه مواز طلب رئيس مجلس النواب الليبي من المفوضية العليا للانتخابات العمل على انتخابات رئاسية وبرلمانية في فبراير من العام القادم بدون تمرير الدستور أو طرحه للاستفتاء، وهو تصعيد قد يؤدي لحل البرلمان بعد انسحاب عداد من نوابه، وجعل المجتمع الدولي يعتبره برلمانا غير شرعي والعمل دوليا مع مجلس الدولة فقط، مما قد يصل للأمور لإعلان انفصال إقليم برقة وهو شبح التقسيم الذي يلوح في الأفق منذ وقت بازدواجية كيانات الدولة من حكومتين ومصرف مركزي وطبع عملتين مما يمهد الأرض للوصول بشكل لا إرادي لسيناريو التقسيم الذي يقف المشير حفتر وقوات الجيش الليبي حائلا ضد تنفيذه حتى الآن.