الملف السياسي

غياب السلطة المركزية يعقد الموقف السياسي

13 مارس 2017
13 مارس 2017

طارق الحريري -

,, كل المليشيات ليس لها وضع قانوني واضح في ظل عدم وجود دولة متماسكة بسبب غياب دور فعّال للجيش الليبي والشرطة وقوات الأمن نتيجة غياب حكومة مركزية واحدة ,, 

تدل الأحداث الأخيرة في منطقة الهلال النفطي بعد أن قامت ميليشيات بطرد قوات الحماية التابعة للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر على أنه كلما اقترب الوضع المتأزم في ليبيا من الحل يرتد ثانية إلى مزيد من التعقيد بسبب تعدد المليشيات المسلحة التي تؤجج الصراع على السلطة، وكما هو الحال دائما في مثل هذا الصراع المسلح الذي تجري أحداثه داخل الدول المنقسمة فإن نسبة كبيرة من المليشيات المتناحرة تحمل أجندات لا تصب في الصالح الوطني لأسباب عقائدية أو لارتباطها بأطراف خارجية تغذي الصراع لتحقيق أهداف تخصها لا تصب في مصلحة الدولة التي تسقط في محنة النزاع المسلح.

نتج جزء كبير من المشكل الأمني حاليا أنه طوال سنوات حكمه ناور القذافي بإقامة توازنات داخلية مستخدما أسلوب تقريب القبائل ذات الثقل وإعلاء بعضها وإعادة استبدال أطراف منها بأخرى من حين لآخر وإعلاء قوى مهمشة في خريطة مراكز السيطرة على مفاصل الدولة في لعبة أشبه بالكراسي الموسيقية لتأمين أركان حكمه واتخاذ حاشيته من بينهم وإغداق الأموال على القيادات القبلية باختلاف مناطقها في دولة عاشت طوال فترته من دون دستور وهكذا خضعت ليبيا طوال أربعة عقود لفراغ سياسي إذ صارت دولة خالية من الأحزاب والنقابات وكل أشكال منظمات المجتمع المدني وبالطبع واجهت الدولة مرحلة ارتباك والتباس بعد سقوط معمر القذافي الذي أدار البلد في عكس ما يلزمها من أبنية الدولة الحديثة من مؤسسات وأدوات سياسية وقد بلغ من جبروته أنه بدد وجود قوات مسلحة متماسكة وجعل منها هيكلا خاويا.

صارت ليبيا بعد سقوط القذافي نهبا لعدد كبير من التنظيمات المسلحة غير الشرعية التي انتشرت في ربوع الدولة وبلغت أعددا كبيرة وصلت للعشرات وهناك تقديرات تصل بها إلى قرابة 200 ميليشيا متنوعة في التسليح بعضها تمتلك أسلحة قتال ثقيلة ومختلفة بطبيعة الحال في إعداد العناصر المنضوية داخل كل ميليشيا ويمكن توصيفها بأن بعضها يتبع أشخاصا والبعض الآخر يتبع تيارات سياسية مثل جماعة الإخوان المسلمين أو تنظيمات عابرة للدولة القومية مثل تنظيم القاعدة وأخرى جهوية تتبع مدنا ومناطق وآخر ما تم في النزاع الداخلي هو إقحام تنظيم داعش على المشهد الليبي وكل المليشيات ليس لها وضع قانوني واضح في ظل عدم وجود دولة متماسكة بسبب غياب دور فعّال للجيش الليبي والشرطة وقوات الأمن نتيجة غياب حكومة مركزية واحدة على كامل مساحة الدولة وطبقا لتقارير منظمات دولية تمتلك بعض هذه الميليشيات وتدير سجونا ومراكز احتجاز خاصة بها سجلت بها انتهاكات لحقوق الإنسان واستخدام التعذيب وافتقاد سلامة الإجراءات.

ومن هذه المليشيات المتعددة على سبيل المثال لا الحصر فجر ليبيا ، كتيبة 17 فبراير ،‏ سرايا راف الله السحاتي ،‏ كتيبة شهداء الزنتان في بنغازي،‏ درع ليبيا،‏ غرفة عمليات ثوار ليبيا ،‏ كتيبة أنصار الشريعة ،‏ كتيبة ثوار طرابلس،‏ كتيبة اللجنة الأمنية (غنيوة الككلي) في طرابلس،‏ كتيبة أولياء الدم في بنغازي،‏ ميليشيا الإسناد الثانية (هيثم التاجوري) في طرابلس،‏ قوة الردع الخاصة في طرابلس،‏ قوة المهام الخاصة (فرج قعيم) في بنغازي،‏ كتيبة الشيخ حمزة في بنغازي، كتيبة شهداء بوسليم في درنة،‏ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بليبيا . . وفيما يلي تفاصيل لأهم هذه المليشيات:

- كتيبة ثوار طرابلس: أسسها الأيرلندي من أصل ليبي المهدي الحاراتي الذي تم تسريبه من أوروبا إلى بنغازي في فبراير 2011 حيث أرسل من أيرلندا وقام في التو بتشكيل مجموعة ذات تنظيم جيد للانتقال بها من أجل أن تقاتل في المناطق الغربية من ليبيا علما أن العمل على تشكيل هذه المليشيا قد تم خلسة قبل تشكيل المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي وتمت الموافقة على اقتراح تسميتها كتيبة ثوار ليبيا وفي خلال أيام كانت هذه الكتيبة قد جندت 150 عنصرا من الموالين لأيديولوجية مؤسسيها وبحلول شهر أغسطس كانت الكتيبة تضم 600 رجل من مختلف أنحاء ليبيا في صفوفها (تزايد العدد فيما بعد) وحصلت على معدات اتصال وتدريب لمدة ثلاثة أسابيع على حرب المدن من القوات الخاصة لإحدى الدول الخليجية ، في جبال نفوسة وأغلب قادة هذا التنظيم أمضوا نفيا في بلدان أوروبية والولايات المتحدة. مما كان له الأثر الواضح في التنسيق مع حلف الناتو والتفاعل مع وسائل الإعلام الغربية وادعت الكتيبة فيما بعد في حسابها على تويتر اتخاذ تدابير (لم تتم) لتفكيك نفسها والاندماج تدريجيا في الجيش الوطني لما كان يعرف بالمجلس الوطني الانتقالي.

- درع ليبيا: وهي تنظيم عسكري من أكبر المليشيات في ليبيا يتبع الإخوان المسلمين قام بأعمال انتقامية وحشية أثناء معارك سقوط القذافي وبعدها في كافة أنحاء البلاد ضد الرافضين لتوجهاتهم وقد ارتكبت هذه المليشيا مجازر في مناطق مختلفة بدأتها بجريمة حرب في بني وليد حيث لقي عشرات المدنيين مصرعهم أثناء هذا الهجوم على المدينة إضافة إلى تدمير المنازل ونهب الممتلكات الخاصة والعامة وفي مرحلة تالية قامت قوات من درع ليبيا يقودها «وسام بن حميد» بإطلاق الرصاص على حشد من المتظاهرين المدنيين وقتلت 31 منهم أمام معسكرها في منطقة الكويفية شمال بنغازي عندما طالب المتظاهرون العزل الميليشيا بتسليم أسلحتها للجيش وإخلاء المقر والابتعاد عن المظاهر المسلحة بالمدينة وفي يوليو 2014 أثناء شهر رمضان قامت درع ليبيا بالتعاون مع تنظيم «أنصار الشريعة» في إطار ما يسمى (مجلس شورى ثوار بنغازي) بالهجوم المسلح على معسكرات القوات الخاصة للجيش الليبي في مدينة بنغازي مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف الطرفين والمدنيين ، كما قامت قوات درع ليبيا في طرابلس ضمن مجموعة ميليشيات تابعة لمصراتة بفتح النار على متظاهرين عزل يحتجون على سيطرة الميليشيات وذلك أمام مقر تحتله الميليشيا في حي غرغور مما أدى إلى مقتل ما يزيد عن 45 مدنيا وجرح قرابة 500 آخرين وتنبثق من داخل درع ليبيا غرفة عمليات ثوار ليبيا ، وهي ميليشيا مسلحة تصنف من المجموعات الإسلامية تشكلت في أواسط 2013 بدمج مجموعة ميليشيات صغيرة.

- ميليشيا 17 فبراير: تشكلت في بنغازي وتعد من الميليشيات الإسلامية العسكرية الكبيرة كانت لها معسكرات عديدة كاملة التجهيز في شرق ليبيا تتألف على أقل تقدير من قرابة 14 سرية وتضم مجموعة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة بالإضافة إلى معسكرات التدريب يتراوح عدد أفردها ما بين 1500 إلى 2500 شخص . ولها وجود في منطقة الكفرة في الجنوب الليبي ، وقد تسببت في خسائر ودمار كبيرين نتيجة معارك مع قوات الجيش الوطني في بنغازي بقيادة خليفة حفتر التي بسطت سيطرة كبيرة في شرق ليبيا بعد معارك ضارية.

- كتيبة راف الله السحاتي: تأسست من عناصر مرتبطة بتوجهات الإسلام السياسي تأسست خلال الحرب التي دارت بعد 17 فبراير 2011 وقتلت 17 متظاهرا من الرافضين لتفشي المليشيات وتمتد عناصرها في الكفرة جنوب ليبيا ويقودها إسماعيل الصلابي الذي قاتل مع أسامة بن لادن في أفغانستان ، وله علاقات وثيقة بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين وهو شقيق على الصلابي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي.

- كتيبة أنصار الشريعة : وهي تنظيم مسلح منشق عن كتائب «راف الله السحاتي» وترفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية ، وهي مثل ميلشيات أخرى ترفض العلم الوطني الليبي، ومركزها الرئيسي في بنغازي ولها فرعان في سرت وإجدابيا .

وقد استثنتها الولايات المتحدة الأمريكية من بين الميليشيات والتنظيمات الإسلامية في ليبيا وأعلنتها منظمة إرهابية ، نتيجة تورط عناصرها في الهجوم على البعثة الدبلوماسية في بنغازي والذي ادى الى مقتل السفير الأمريكي وثلاثة موظفين.

أخيرا كانت نتيجة التشرذم الأمني إقحام عناصر من تنظيم - داعش - من الخارج الليبي من جنسيات أجنبية متعددة وانضم لها ليبيون مع توفير كل الدعم اللوجيستي والمعلوماتي والتسليحي لها ، إلى أن قامت قوات البنيان المرصوص التابعة لطرابلس بطردها من سرت ، لكنها مازالت تحظى بتواجد في مجموعات منها في أماكن مختلفة داخل ليبيا.