شرفات

سالم الحميدي يسرد قصص اليتامى و ورودهم

13 مارس 2017
13 مارس 2017

«العمانية» مجموعة ورد اليتامى هي المجموعة القصصية الثانية لسالم الحميدي بعد مجموعة روائح الفقراء التي صدرت عام 1997م وتتكون هذه المجموعة التي صدرت في عام 2013 من 19 نصا قصصيًا اختلفت فيها أطوال كل نص وطرق معالجته والأساليب الفنية المستخدمة.

وسالم الحميدي من الجيل الذي شهدت القصة العمانية على يديه تحولات سواء على صعيد الوعي الفني أم البناء والتنوع في الموضوعات والمعالجات فالمتابع لتجربة الحميدي القصصية يدرك الاستمرارية الضمنية في العنونة بين روائح الفقراء وورد اليتامى وفضاءات الاشتغال القصصي والانتصار للإنسان والانحياز لكافة قضاياه دون جلد للإنسان أو فرض وصاية عليه مهما كان نوع تلك الوصاية.

فقصة (ورد اليتامى) هي أول قصة وهو الاسم الذي حملته المجموعة عنوانا لها. (وردة) هي الأم الفرحة بزواج ابنتها شموس (اسم تحبب لشمسة) وردة هي بطلة القصة التي عانت أكثر من معنى لليتم (الانتقال من الحارة التي تربت فيها والتي دفنت فيها أمها وأبوها واثنان أو ثلاثة من أطفالها) (زوج سكير يسرق كل ما يجد كي يسكر) (السكنى في بيت شعبي وضيق ذات اليد بالعيش على راتب 40 ريالا).هذه المعاني التي تنطلق من اليتم الأصلي بموت الأم والأب واليتم المكاني بالنزوح من القرية القديمة بسبب المشروع الضخم للحي التجاري الساحلي ثم السكنى في بيت شعبي (لم تعانقه الفرحة يوما).هذه الوردة التي عوضت يتمها المادي والمعنوي بفرحة زواج ابنتها (شموس) هذ الاسم الذي أحسن الحميدي في اختياره جيدًا بهذه الصيغة، حيث إن شموس الفرحة التي كانت تتلامع في مخيلة وردة التي فكرت في الخروج في اليوم الأخير من الشهر لصرف المعونة الاجتماعية، لكن التماعة الشموس تلك لم تدم حيث إن وردة بعد أن استلمت مبلغ الضمان فما إن ركبت في العربة حتى تعرضت لحادث سير، وإن «

كانت شمس الظهيرة تصهر رأسها» وهي ممددة قبل حملها إلى المستشفى، هذه الشمس التي طردت بقية الشموس التي انبثقت من اسم (شموس) ليصير مبلغ الاربعين ريالا إلى يد زوجها السكير في حين أن مهر (شموس) وهو مبلغ 2000 ريال هو في يد الجارة الطيبة ذات الصدر الحنون وهي التي وعدت وردة حينما سلمتها المبلغ «أختي لا تخافي!.....، لا تخافي!.....

لن يعرف بمكانه أحد!».فبرغم أن هذه العبارة تحمل من الطمأنينة بمقدار ما تحمل من عدم وضوح بالنسبة للقارئ وهو يقرأ في نهاية القصة وصفا للمرأة التي كانت ترقب زوج وردة وهو يصرخ «

الذهب!....لقد سرقوا الذهب!....، أين الذهب؟...، وكان ثمة امرأة في الحلقة المجتمعة تبكي بحرقة وتنظر المشهد من طرف خفي....».ورغم تبرع سائق سيارة أجرة لحملها إلى المستشفى إلا أن الموت قد عاجلها في حادث آخر هذا الحادث الذي وقع على سيارة الأجرة المنقذة لوردة كان سائق سيارة الاجرة يحسب أن سرعته ستسهم في إنقاذ وردة ولكنه اصطدم بشاحنة خضار، فوردة هكذا قد ماتت ميتتين فكلا الحادثين قد فتت اسم وردة إلى ورد ونثر اليتم الذي كان في صدر وردة ليصبح يتامى ينتظرون عودة الأم التي لن تأتي أبدًا.

فهل يراد لنا أن نصدق أن عمر الورد قصير جدا! مع بقاء عمر اليتم وطوله.

أما عن أبرز سمات استخدام المكان في هذه المجموعة، فنجد سالم الحميدي يتناول المكان المسقطي عبر لغة سردية آسرة وبنكهة مختلفة عبر مستوى متقدم في القص، مما ساعد في إظهار المكان المسقطي الذي يحضر لا كحلية تزيينة ولكن كمكون أساسي في التجربة القصصية للحميدي الذي يوثق عبور الكائنات في المكان بل إنه يتجاوز الكائنات البشرية إلى الجمادات كما سنرى في قصة لم يكن قانونيا.

ففي قصة ورد اليتامى هنا إلماحات إلى المكان «وانطلقت سيارته تصهل باتجاه المستشفى الجامعي القريب» في حين أن في قصة/‏ ما كتبه قاص مغمور /‏حضور أوضح في بداية مسار القصة «.. والذي وصل (المعلم شنون ) إلى مسقط في وسط الستينات، حيث كانت الحرائق في تلك السنة تندلع في أكثر من مكان... فما تكاد تنطفيء في جبروه حتى تشتعل من جديد في سداب... وما يكاد يسيطر عليها هنا حتى تستعر من جديد في كلبوه...، دونما تفسير واضح لها من الأهالي....».

في قصة اللحم يستطيع المكان أن يمنح السارد القصة لفهم ما وقع له من جراء مكائد صديقه الممتلئ باللحم سمير والذي يركب معه في السيارة « انزلقت السيارة بنا على الطريق المرتفع عن نادي اليخوت، وباتجاه بندر الجصة وقبل أن نصل محطة بترول سداب تذكرت فقط: جلسات سمير الطويلة مع المدير وتقدير الكفاءة الذي سلمني إياه المدير العام بتقدير متواضع هذه السنة لأول مرة منذ سنوات كان تقديري فيه امتياز مع عبارات تشجيع وترشيح للترقية ومناصب قيادية».في المجموعة ثمة ميل إلى أنسنة السارد ففي قصة لم يكن قانونيا نجد ان الكرسي المتحرك للطفل المعاق هو من يتكفل بسرد القصة كاملة لنا والكرسي وإن كانت أجزاؤه الحديدية قد وهنت بسبب عدم إجراء صيانة له إلا أنه يمتلك من القدرة على سرد حكاية الطفل وأبيه اللذين لا يكادان يتبادلان أي حديث في رحلتهما الأسبوعية على كورنيش مطرح والممتد من كلبوه وحتى دوار السمكة عند مدخل السوق.

الكرسي في سرده هنا يعود بدولاب الحكاية إلى البداية التي تأتي في نهاية القصة ثم أن نهاية القصة تلك ليست في الحقيقة إلا البداية الحقيقية لمأساة الطفل المعاق.

وحكاية الخاتم في قصة ظهيرة حيث يتولى الخاتم سرد قصة الرجل الذي طوحه مالكه الأصلي باتجاه ملعب المعلمين، الخاتم وهو يسرد القصة يكون هو الشاهد الوحيد على ما حدث للرجل ومخطط بؤسه، فالخاتم يوازن في سرده بين تعامل مالكه الجديد معه (الشاب الذي التقطه) وبين مالكه السابق الذي تخلص كأول شيء يتخلص منه في سبيل التخلص من حياته برمتها.

فكما أن الخاتم قد بقي لمدة أسبوعين على مقربة من الملعب فإن مالك الخاتم الأول لم يستطع الاقدام على الانتحار فركب في ميكروباص إلى جهة مجهولة وبهذا تنتهي القصة.

يشار الى أن هذه المجموعة تقع في 100 صفحة وصدرت عن مؤسسة بيت الغشام في العام 2013م.