أفكار وآراء

الالتزام بالقواعد المرورية بين الأخلاق والسلوك الحضاري

11 مارس 2017
11 مارس 2017

عبد الله بن محمد المسن -

مع بدء أسبوع المرور الخليجي ، الذي يبدأ اليوم ، ويمتد حتى 18 من الشهر الجاري ، فإنه من المناسب الإشارة إلى أهمية القيادة المتحضرة للمركبات بأنواعها المختلفة ، إذ إنه من المؤكد أنه لا خلاف حول أن القيادة المتحضرة هي في حقيقة الأمر التزام باللوائح والأنظمة المرورية ، لأن هذه اللوائح والأنظمة تضع ضوابط معينة على قيادة السيارة ، وغيرها من المركبات .

منها أن هناك سناً معيناً ينبغي على الإنسان أن يصل إليه قبل أن يفكر في الحصول على رخصة القيادة ، وهو 18عاماً ميلادية للرخصة الخفيفة والدراجات النارية و21 عاماً للرخصة الثقيلة والمعدات ، حتى يكون الإنسان في المستوى العقلي والإدراكي الذي يمكنه من فهم الاشتراطات المطلوبة ، وقادراً على الالتزام بها.

فالقيادة ليست ضرباً من اللهو أو اللعب بل هي مسؤولية الفرد تجاه شخصه وتجاه الآخرين ثم هناك شرط السلامة من العاهات والأمراض التي تمنع من قيادة السيارة وإجمالاً يمكننا القول بأن على المتقدم الحصول على الترخيص بقيادة السيارة أن يكون كامل الأهلية العقلية والبدنية للحصول عليها، ثم أن يجتاز سلسله من اختيارات القيادة للتعرف على مدى استيعابه لآليات السيارة وكيفية إدارتها والتحكم فيها والسير بها في الطريق العام.

وهذه السلسلة من الإجراءات هي بمثابة مرحلة تعليمية يتلقى فيها الفرد مجموعة مبادئ أخلاقية وسلوكية عليه أن لا يحيد عنها ، وهذه تنظمها جملة اللوائح والأنظمة المرورية وفقا للقانون.

والتشدد في هذه الإجراءات ضرورة ينبغي احترامها وتقديرها في الواقع ، لأنها تعني أن طالب الترخيص بالسياقة أصبح مؤهلاً لتحمل هذه المسؤولية. ولعل هذا الانضباط في تنفيذ اشتراطات الحصول على رخصة القيادة هو ما يميز بلداً عن آخر ففي بلد كالمملكة المتحدة يؤدي طالب رخصة القيادة اختباراً في قانون المرور ، كما يؤديه شرطي المرور، ثم لا عذر له إن خالف أحد قواعده أو بنوده ، وإذا ما خالف يتعرض لعقوبات قاسية تصل إلى حد حرمانه من قيادة السيارة لفترات تطول أو تقصر حسب حجم الخطأ الذي يقع فيه والمخالفة التي يرتكبها.

وشرطة المرور بشرطة عمان السلطانية من الجهات المرورية المشهود لها بالدقة والحرص على تنفيذ اللوائح والأنظمة المرورية ، فهناك أولاً مرحلة أولى لمنح رخصة السياقة هي مرحلة التعليم، وبعدها يدخل طالب الترخيص في سلسلة اختبارات تبدأ بالتأكد من معرفته بالإشارات التحذيرية والمانعة والملزمة والإشارات الإرشادية والتوجيهية، ثم التعرف على مدى تمكنه من قيادة السيارة داخل ميدان الاختبار قبل أن يتم اختبار الطالب على مستوى الطريق العام وهذه المراحل التي يمر بها طالب الترخيص بقيادة السيارة هي التأكد من أن قائد المركبة أصبح مؤهلاً لقيادتها مدركاً لكثير من قواعد المرور التي تضمن سلامته وسلامة الآخرين.

والتشدد في الالتزام باللوائح والأنظمة المرورية مطلب لا مفر منه حيث تعتبر حوادث الطرق سبباً رئيسياً في قتل وإصابة أعداد كبيرة من الشباب خاصة، وهو ما يجعل منها عبئاً ثقيلاً على خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والأرقام العالمية توضح أن حوادث الطرق تفوق ما يسببه مرض السرطان من خسائر في فئة صغار السن ، وأنها تقتل ما يعادل ضعفي ما تسببه أمراض القلب بالنسبة للمسنين.

وهناك العديد من الأمثلة منها إنه في عام واحد قتل على الطرق البريطانية، على سبيل المثال، 4280 شخصاً كانت أعمارهم دون الخامسة والثلاثين وأصيب 54 ألف شخص بإصابات جسيمة وخطيرة بالإضافة إلى 158 ألف شخص اعتبرت إصابتهم أقل خطورة.

وفي الهند أعلن أن حوادث الطرق تشكل 44.7% من أسباب الوفاة بصفة عامة بينما في عام واحد قتلت حوادث الطرق 12 ألف شخص بالصين، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فتعتبر حوادث الطرق هي السبب الرئيسي في قتل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين الخمسة أعوام والثلاثين عاماً فهي تقتل سنوياً ما يزيد عن 50 ألف مواطن بل أثبتت الدراسات لديهم أن كل ألف سيارة حديثة يمكن أن تتورط فيما يقرب من ألفي حادث خلال عمرها الافتراضي لكي يقتل أكثر من ثلاثة أشخاص وتصيب أكثر من ثلاثمائة !؟.

وقد لوحظ أن المشكلة تتفاقم في دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية بوجه عام، والكل يعمل جاهداً للتقليل من عدد الحوادث والحد منها وتكثيف عمليات المراقبة والتوعية بكل الوسائل المتاحة.

وبحمد الله ونتيجة لجهود متواصلة بدأ عدد الحوادث يشهد انخفاضاً ملحوظاً والإدارة العامة للمرور بشرطة عمان السلطانية تعمل جاهدة للحد بشكل أكبر ومتواصل من هذه الحوادث.

ولاشك أن من أسباب ارتفاع معدل الحوادث هو زيادة عدد السكان وعدد السيارات والمركبات الخفيفة والثقيلة وزيادة الرقعة العمرانية من منشآت ومصانع وأحياء الجديدة، إلا إنه بحمد لله نتيجة للدور الكبير الذي تقوم به الإدارة العامة للمرور بالتعاون مع كافة القطاعات انخفضت نسبة الحوادث بما يبشر بالخير إن شاء الله.

وإذا كان الإنسان يعتبر السبب الرئيسي في الحوادث المرورية بنسبة 95% فإنه من المؤكد أيضا أنه يعتبر العنصر الأساسي في الحد من الحوادث المرورية وبنسبة كبيرة ، ذلك لأنه الإنسان هو السائق ، سواء كان ملتزما بقواعد المرور ومتهورا وغير ملتزم بها ، وهو أيضا عابر الطريق ومستخدمه ، سواء كان حذراً في عبوره أو غير حذر، وهو كذلك الأب سواء كان محافظاً على أبنائه حريصا على تربيتهم وتلقينهم منذ الصغر قواعد المرور السليمة أو غير مهتم بذلك، وهو كذلك الشاب الذي يقود سيارته بمهارة وحكمة أو يقودها بتهور واستهتار لينهى حياته أو يقضي بقيتها في مستشفى لا يعلم إن كان سيخرج منها معافى أم لا ؟!.

أسباب متعددة للحوادث

إن تشخيص أسباب الحوادث المرورية واعتبار العنصر البشري (قائد المركبة) عاملا أساسيا من عوامل زيادة هذه الحوادث أو تقليلها لم يأت من فراغ والدليل على ذلك أن للعامل البشري دورا واضحا وملموسا حيث كانت هذه الأسباب في معظم الحوادث على النحو التالي:

عدم الالتزام بالسرعة المقررة، وسوء التصرف عند مواجهة أي خطأ أثناء القيادة، والإهمال أثناء القيادة سواء باستخدام الهاتف أو التحدث والانشغال بأمور جانبية أثناء القيادة، وعدم ترك مسافة الأمان اللازمة، والقيادة أثناء سوء الأحوال الجوية، وبالطبع القيادة تحت تأثير المسكرات والإرهاق، والتجاوز الخاطئ.

من هنا يمكن الجزم بأن السائق ومدى كفاءته الفنية ولياقته الذهنية والبدنية ووعيه بقواعد السلامة على الطريق هو المسؤول الأول عن هذه الحوادث وهو القادر على تلاقيها والحد منها ولا اعتراض هنا على إرادة الله وقضائه بالتأكيد، وإنما نحن نذكر بأن الحياة هي أعلى نعم الخالق، جلت قدرته ، وهذه النعمة تستحق الشكر والامتنان في كل لحظة من لحظات العمر ولا تحتمل الإهمال أو التهور والسيارة أو المركبة هي كما قلنا من قبل وسيلة نقل وأيضا قد تسبب خطراً على الحياة وكل ما نريد قوله إننا علينا أن نسعى ونجتهد لصون هذه الحياة ونعمل ما يرضي المولى الذي وهبنا إياها ومسؤولية الفرد تجاه ذاته وتجاه الآخرين هي مسؤولية اجتماعية وأخلاقية أوصانا بها المولى عز وجل، وكلنا راعٍ وكلنا مسؤول عن رعيته ولكل مسؤولية وتبعات وواجبات . وقائد المركبة مسؤول عن ذاته ومن معه ، وسائر عباد الله العابرين بالطرق التي يسلكها.

والحوادث المرورية على اختلاف أنواعها من تصادم وصدم وحوادث تدهور أو دهس للبشر والحيوانات هي معظمها نتيجة الخطأ البشرى يدفع السائقين وغيرهم في أحيان كثيرة حياتهم ثمنا لها والأغلبية من الشباب للأسف الشديد - الذين تستهويهم السرعة واللهو واللامبالاة أثناء القيادة، وبسبب هذا الطيش والتهور ، يدفعون بأنفسهم إلى حماقات هم أولى ضحاياها.

ولكن ما السبيل إلى الحد من هذا المسلسل البشع لحوادث الطرق ؟ التي بذلت الدولة وما تزال الجهد والمال من أجل أن تظل صورة حضارية نفخر بها ويحكي عنها كل زائر لا يزعجه ضجيج «الهورنات» أو تكدس السيارات وصعوبة الحركة بل إن كثيرين من هؤلاء الزائرين للسلطنة يعجبون بالتزامنا ويشيدون بالقواعد المرورية ومراعاتها والالتزام بها من الجميع تقريبا ، كوسيلة لتوفير السلامة على الطريق.