أفكار وآراء

الحرب التجارية بين الصين وأمريكا

11 مارس 2017
11 مارس 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

يبدو أن الفترة المقبلة سوف تشهد مزيدا من التوترات في العالم نتيجة للسياسات التي يود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذها في المجالات التجارية مع العالم. فقبل عدة أيام مضت انتقدت إدارة ترامب وبشدة منظمة التجارة العالمية واتهمتها بأنها «عاجزة» عن فرض عقوبات على الممارسات التجارية غير النزيهة، مؤكدة أنها لا تستطيع فرض قراراتها على الولايات المتحدة، بالرغم من أن المنظمة تعتبر مؤسسة مستقلة ولها سياساتها وقوانينها في مجالات التحكيم التجاري وفق الأسس التي أنشأت عليها. وحيث أن هذا الكلام كان موجها إلى الصين باعتبار أن هناك انتقادات شبه يومية لها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في العهد الجديد للإدارة الأمريكية، فإنها إزاء ذلك قامت أيضا بتوجيه تحذير إلى الإدارة الأمريكية مفاده أنه في حالة عدم احترام قواعد منظمة التجارة العالمية فان ذلك سيشعل «حربا تجارية»، نتيجة للموقف الأمريكي وانتقاداتها المتكررة من قبل الرئيس الأمريكي بحق المنظمة الدولية.

فالصين أكدت من جانبها في بيان لمسؤول بوزارة التجارة الصينية سون جوين بقوله إنه «في حال تجاهل أعضاء منظمة التجارة العالمية قواعدها لأجل مصالحهم، ورفضوا تطبيق قراراتها بشأن النزاعات، فقد تتكرر الحرب التجارية التي جرت في ثلاثينيات القرن الماضي»، موجها كلامه إلى أعضاء منظمة التجارة العالمية الأساسيين للقيام بما يملونه (على غيرهم) والالتزام بقواعدها والقيام بواجباتهم تجاه انتقادات الإدارة الأمريكية. أما البيت الأبيض فهو مستمر وفق توجيهات ترامب بشن هجمات على المنظمة التي تضم 164 عضوا رغم دعوات عدد من الدول الأخرى ومن بينها الصين والاتحاد الأوروبي له إلى التهدئة.

ما تواجهها الصين ودول العالم اليوم كان متوقعا، حيث سبق للرئيس الأمريكي ترامب خلال جولاته الانتخابية بالحديث عن هذه القضايا ومنها قضية التجارة مع الصين على وجه الخصوص. فقد سبق للرئيس الأمريكي أن اتهم الصين في الفترة الماضية في تصريحات صحفية لقناة فوكس الأمريكية، بعدم تعاونها في مجال أسعار العملات بقوله «نحن نتأثر بخفض العملة الصينية التي من شأنها تحفيز الصادرات الصينية إلى الخارج“. ويرى بعض الخبراء أن ترامب يرى أن من مهامه إصلاح العقد الاجتماعي مع الشعب الأمريكي عبر زيادة الضرائب المفروضة على الواردات من دول أخرى، خاصة الصين، واستعادة الوظائف التصنيعية للولايات المتحدة، خصوصا بعد توجه الكثير من الشركات وأصحاب العلامات التجارية الأمريكية المشهورة للتصنيع في بلدان جنوب شرق آسيا والصين تحديدا بهدف الاستفادة من الأيدي العاملة الزهيدة الأجر.

وفي هذا الشأن فإن كثيرا من المسؤولين التنفيذيين ومنتجين في بلدان الشرق الأوسط وغيرهم يشعرون بالقلق من أن تؤدي التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى ضبابية آفاق نمو الطلب العالمي على الطاقة وتعافي أسعار النفط العالمية. ففي دول المنطقة وخاصة السعودية تشعر ببعض القلق بشأن التوترات من جراء نشوب حرب تجارية بين أمريكا والصين فيما يتعلق بقضايا التجارة والتصنيع والعملة. وقد دافع الرئيس الصيني شي جين بينغ بقوة عن التجارة الحرة خلال كلمة ألقاها في منتدى دافوس مؤخرا حول هذه القضايا مؤكدا رغبة بكين في الاضطلاع بدور عالمي أكبر في الوقت الذي تحوّل فيه الولايات المتحدة تركيزها إلى الداخل، فيما أكد خبراء في مجال النفط في نفس المؤتمر بأن أكبر المخاطر التي تهدد أسواق الطاقة تأتي من الصراع التجاري الأمريكي الصيني، الذي يمتد من القضايا الجيوسياسية في آسيا إلى حروب تجارية محتملة“. وقد حذر الرئيس الصيني الدول الأخرى من تغليب مصالحها الوطنية دون تفكير، في إشارة على ما يبدو إلى سياسات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب التي اعتمدت شعار ”أمريكا أوّلا“. وتعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بمواجهة الصين بقوة أكبر في مجال التجارة من خلال إجراءات من بينها فرض رسوم جديدة على السلع الواردة من الخارج. وإزاء ذلك يتمنى الكثير من منتجي ومسؤولي النفط في الشركات الغربية بضرورة أن يغلب صوت العقل في هذه القضايا، باعتبار أن الصين التي تعتبر أكبر مصدر للسلع في العالم، تعتمد اعتمادا كبيرا على التجارة الحرة، وستتضرر بشدة من أي موجة جديدة من إجراءات الحماية التجارية واتساع نطاق الاتجاه المناوئ للعولمة. كما أن الصين تتشارك تقريبا مع الولايات المتحدة في موقع الصدارة كأكبر مستورد للنفط في العالم، وأن أي تباطؤ في الاقتصاد الصيني من شأنه أن يلحق ضررا بالغا بالطلب العالمي نظرا لأن بكين ظلت قاطرة نمو الاستهلاك العالمي للنفط على مدى السنوات العشر الماضية. وقد أثيرت هذه القضية في المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير والذي يعد أكبر تجمع عالمي للمسؤولين والعاملين في قطاع النفط، حيث أشار وزير الخارجية السعودي إلى أن ”صعود الصين يجب أن يكون مصدرا للاستقرار، وليس للصراع، بينما أكد ترامب مرارا عن توعده بسياسات أكثر صرامة تجاه الصين، مشيرا إلى أن ”واشنطن يجب أن تعزز استقلال قطاع الطاقة الأمريكي بعيدا عن المنظمات النفطية مثل أوبك“. أما وزير النفط السعودي فقد أكد أن أي محاولة لفرض رسوم على واردات النفط الخارجية لدعم منتجي الخام الأمريكي، ستلحق ضررا كبيرا في المقام الأول بقطاع تكرير النفط والكيماويات الأمريكي.

ويرى الكثير من المهتمين بهذه القضايا و التوترات المتزايدة بشأن الحرب التجارية بين أمريكا والصين إن العالم يحتاج إلى الاستقرار من أجل استعادة النمو الاقتصادي القوي وضمان تحقيق هذه المهمة من خلال التعاون على جميع المستويات. وقد سبق لمنتجي النفط وشركات الطاقة العالمية أن حذروا من التداعيات الخطيرة لفرض قيود على التجارة الصينية من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة، مؤكدين أن ذلك سيلحق ضررا بالغا بالطلب على النفط باعتبار أن الصين قاطرة نمو الاستهلاك العالمي للنفط منذ عدة عقود.

إن الصين تعتبر اليوم واحدة من القوى الصاعدة في مختلف المجالات، وأنها الدولة المرشحة بقوة في الفترة القادمة لأن تكون المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية مهددة مكانتها كقطب أوحد في العالم، بجانب تمكنها في مجالات التصنيع والابتكار والإنتاج وبالتالي المنافسة في المجالات التجارية والصناعية. وهناك اليوم إدراك عالمي بأن المستقبل للصين على حساب الهيمنة الأمريكية، وسيكون لذلك في الغالب انعكاسات هامة على النظام الدولي، وهذا ما تحاول أمريكا أن تتداركه وتوجد أمام الصين العقبات والعراقيل، بحيث يكون المدخل من خلال منظمة التجارة العالمية وفرض الضرائب على الصادرات الصينية وبشكل كبير، والتوجه بانتقادات لهذه المنظمة. فالصين تعد أكبر دول العالم سكانا وأصبحت ذات أهمية على المستوى الدولي، خاصة في ظل المنافسة الاقتصادية مع الولايات المتحدة، والى جانب ذلك هي إحدى الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن، وزادت قوتها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي لتصبح اليوم منافسا قويا للولايات المتحدة الأمريكية خاصة من الناحية الاقتصادية، الأمر الذي يوجد قلقا من صعودها نتيجة لعلاقاتها بمختلف دول العالم. وبالتالي ترى أمريكا أن ذلك صار خطرا قويا يهدد مصالح الدول الغربية وأمريكا، ويهدد مصالحها الحيوية وأمنها القومي، بينما نجد أن الصين تلعب دور المستقل النشط من خلال علاقاتها وسياساتها الخارجية ومصالحها الوطنية، وسلوكها الدبلوماسي والتوافقي التعاوني مع دول العالم بما فيها أمريكا بشكل خاص.