أفكار وآراء

نتانياهو لا يرى مشكلــة ترامـــب مع اليهــود

10 مارس 2017
10 مارس 2017

جيرشوم جورنبرج

واشنطن بوست ـ

ترجمة: أحمد شافعي -

لم يشك أحد قط في أن يكون نتانياهو قد نسي الهولوكوست. ففي خطابه لا تمثل الإبادة النازية ذكرى من الماضي بل هي سبيل إلى فهم التهديدات الراهنة. ولقد اشتهر عنه قوله «إنه العام 1938، وإيران هي ألمانيا». ومن السمات المتواترة في خطاب نتانياهو أنه يرى نفسه متحدثا باسم اليهود أينما هم وليس مجرد رئيس وزراء لإسرائيل.

واسمحوا لي أن أعدل كلامي فأقول إن أحدا لم يرتب قط في أن يكون نتانياهو قد هوَّن يوما من شأن الهولوكوست، أو معاداة السامية، حتى خلال وجوده مؤخرا في زيارة واشنطن، في معرض دفاعه عن صديقه الأعز الجديد الرئيس ترامب. فما الذي كان يفكر فيه؟

لنبدأ أولا بهذا الموجز: في مؤتمر ترامب- نتانياهو الصحفي المشترك يوم الأربعاء قبل الماضي، طرح الصحفي الإسرائيلي معاف فاردي سؤالا على ترامب حول «تزايد حوادث معاداة السامية» في أمريكا أثناء الحملة الانتخابية وبعد الانتخابات، وأضاف فاردي «إنني أتساءل عما قد تقوله لأبناء المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة، وفي إسرائيل، وربما في العالم كله ممن يعتقدون ... أن إدارتك تلعب برهاب الأجانب وربما بالعنصرية».

فجاء رد ترامب على ذلك السؤال أشد سريالية من المعتاد إذ تكلم عن فوزه في المجمع الانتخابي. ومضى بعد ذلك ليذكِّر الجميع بأن ابنته وصهره يهوديان.

فأضاف نتانياهو على ذلك قوله إنه «ما من مناصر للشعب اليهودي والدولة اليهودية أعظم من الرئيس دونالد ترامب».

بعد ذلك عقد نتانياهو اجتماعا آخر مع الصحفيين في بلير هاوس، حيث سئل عن كلام ترامب في اليوم العالمي لذكرى الهولوكوست الذي لم يشر مطلقا إلى حقيقة أن الهولوكوست كانت ترمي إلى إزالة اليهود عن وجه الأرض. ولقد شخصت المؤرخة الشهيرة ديبورا ليبشتاد هذا التصريح تشخيصا دقيقا إذ اعتبرته «إنكارا لينا للهولوكوست». كما أدانته المنظمات اليهودية الأمريكية.

وجاء رد نتانياهو على السؤال بقوله إن «هذا الرجل صديق عظيم للشعب اليهودي ولدولة إسرائيل». وقال إن تخوفات اليهود الأمريكيين «لا محل لها».

والتفسير البسيط لذلك هو أن هذه انتهازية سياسية محضة، كانتهازية أعضاء الكونجرس المنتمين إلى الحزب الديمقراطي الذين يرفضون علاقات ترامب الروسية لأنه مستعد لتمزيق مشروع أوباماكير وتعيين قضاة مناهضين للإجهاض. أما المقابل بالنسبة لنتانياهو فهو أن ترامب تخلى عن إصرار الولايات المتحدة على اتفاق الدولتين.

كما سمعت أيضا ما يفيد بأن نتانياهو يستغل الهولوكوست استغلالا انتهازيا طول الوقت فسهل عليه تجاهل تصريح ترامب. ولا أصدق هذا. لأن ذكرى الإبادة أساس للهوية اليهودية لدى كل يهودي اليوم على وجه التقريب. فضلا عن أن رئيس الوزراء هو ابن المؤرخ بنزايون نتانياهو الذي كان يعتبر الماضي اليهودي برمته «تاريخا من الهولوكوستات». غير أن القضية تكمن في فهم رئيس الوزراء ـ أو عدم فهمه ـ للهولوكوست.

الهولوكوست بالنسبة لنتانياهو هي المقدمة لدولة إسرائيل والنتيجة المترتبة عليها في آن واحد. فبوصفها مقدمة، تثبت الهولوكوست أكثر من أي شيء عداها الحاجة إلى دولة يهودية. وشأن كثيرين في اليمين الصهيوني ـ لا سيما من جيل أبيه ـ يرى بنيامين نتانياهو الهولوكوست دليلا على غدر بريطانيا التي لم تسمح بإقامة دولة يهودية على كلتا ضفتي الأردن تكون ملاذا ليهود أوروبا. كما تشهد بسذاجة المثقفين اليهود الذين لم يقبلوا الرؤية الصهيونية اليمينية في ثلاثينيات القرن العشرين وسذاجة اليهود الذين لا يقبلون بها اليوم.

في الوقت نفسه ينظر نتانياهو إلى التهديدات التي تتعرض لها إسرائيل حاليا بوصفها هولوكوستات جديدة. ومن هنا يأتي موقفه حيال إيران. ولعل المثال الأدل على عجزه عن التمييز بين خصوم إسرائيل والنازيين هو تأكيده الزائف في 2015 على أن الزعيم الفلسطيني الحاج أمين الحسين هو الذي أوحى لهتلر بفكرة الحل الأخير.

يبدو أن نتانياهو يؤمن بهذا المنطق: لو أنك تؤيد إسرائيل، لا سيما رؤية اليمين لإسرائيل، فلا يمكن أن تكون معاديا لإسرائيل أو منكرا للهولوكوست.

وتقديري ـ مع المخاطرة بالتعميم ـ هو أن أغلب اليهود الأمريكيين يرون الإبادة رؤية مختلفة. فالدرس الذي يخلص به الكثيرون منها هو أن قبول العالم لليهود هش. ولعل ذلك كان يبدو قليل الأهمية في أمريكا، إلى أن أطلق صعود ترامب موجة من حوادث معاداة السامية ومن بينها تهديدات بقنابل ضد مراكز المجتمع اليهودي. بالنسبة لأغلب يهود الولايات المتحدة، هناك درس إنساني يمكن استخلاصه من استهداف النازي لليهود: وهو أن عليهم أن يدعموا إيواء المضطهدين ويعارضوا الحكام المستبدين، ويمعنوا في معارضتهم لو أنهم يخصون بكراهيتهم جماعة دينية أو عرقية. ومن هنا كانت المعارضة اليهودية الحادة واسعة النطاق لمحاولة ترامب حظر هجرة المسلمين واللاجئين السوريين.

نتانياهو غافل عن هذا. والحق أن رئيس وزراء إسرائيل ذا التعليم الأمريكي واللكنة الأمريكية ليس على اتصال مطلقا بأغلبية اليهود الأمريكيين. وفيما يتعلق بدعم الولايات المتحدة السياسي يعتمد دائما على أقلية يمينية من اليهود الأمريكيين والمسيحيين الإنجيليين المحافظين والحزب الجمهوري.

وهذا عيب (وليس العيب الوحيد) في زعم نتانياهو أنه يتحدث باسم جميع اليهود.

غير أنه قد يسهل على الأمريكيين أن يصدقوا أنه يتكلم باسم جميع الإسرائيليين. وهذا بدوره خطأ، وهو خطأ يعظِّم الضرر الذي أحدثه نتانياهو بالعلاقات الإسرائيلية الأمريكية.

وإنني أرجوكم أن تتذكروا هذا: إن النظام الانتخابي الأمريكي الغريب هو الذي جعل من ترامب رئيسا، وهذا لا يعني أنه يتكلم باسم جميع الأمريكيين. والنظام في إسرائيل جعل من نتانياهو رئيس وزراء، فآخر ما يمكن أن يعنيه هذا هو أن يكون نتانياهو متحدثا باسم جميع الإسرائيليين.

كاتب المقال مؤرخ وصحفي إسرائيلي ومؤلف كتاب «إمبراطورية بالصدفة: إسرائيل وميلاد المستوطنات الإسرائيلية، 1967-1977» وصدر له أحدث كتبه بعنوان «هدم إسرائيل». وهو كبير مراسلي ذي أمريكان بوست وكتب لأطلنطيك منثلي ومجلة نيويورك تايمز ونيويورك رفيو أوف بوكس.