صحافة

فــلسطــين: حكاية باسل؛ خاتمة تلخص مسيرة

10 مارس 2017
10 مارس 2017

في زاوية آراء كتبت لمى خاطر مقالا بعنوان: حكاية باسل؛ خاتمة تلخص مسيرة، جاء فيه:

في وصيته المتداولة بعد استشهاده سيكون بإمكانك أن تتعرف على الشهيد باسل الأعرج بما يمثله من وضوح وبساطة وعمق في وقت واحد، في تلك الوصية كان يبدو أن إحساس الرحيل قد سكن قلب باسل، فنظر من نافذته إلى الدنيا وأهلها المشغولين بالبحث عن إجابات لأسئلتهم وهواجسهم، فرأى أن الإجابة ليست من اختصاص من سيغدو من أهل القبور (ويقصد نفسه)، وأن رجاءه الأسمى سيكون انتظار رحمة الله.

لكن الأسئلة التي خلفها رحيل باسل الأعرج تتكاثر وتحتشد فتصبح مدا من المعاني بلا نهاية، بعضها يبدو تقليديا لأنه يطرح كلما ارتقى شهيد، وإجابته معروفة، وبعضها استنكاري غاضب، وبعضها تغلفه الحسرة وشعور مثل سكب الملح على جرح أخضر، وبعضها ينهض ليفتش في عبر الحالة ودروسها، ذلك أن كل شهيد يمثل حالة خاصة، بما تجسده شخصيته وسيرة حياته واهتماماته وطموحاته وأهدافه، ثم بما تشي به نهايته.

وفي حالة باسل ستحتشد أسئلة لا آخر لها حول معنى اقتحام الاحتلال عاصمة (السيادة) للسلطة الفلسطينية، وحول خرس آلاف البنادق وإيثار أصحابها انتظار انسحاب وحدات الجيش الصهيوني للتعرف على هوية الشهيد الذي ترك وحيدا يواجه عشرات الجنود برصاصات يتيمة، هي ما تبقت في جعبته بعد اعتقاله وتعذيبه لأشهر في سجون مخابرات السلطة! وستكون هناك أسئلة من النوع نفسه عن تلك الدرجة غير المبررة من التناقض النذل القاضي بخروج مئات المسلحين لقمع مسيرة سلمية تناهض الاعتقال السياسي، واختفائهم أمام اقتحام صهيوني مسلح لبيت لا يبعد سوى أمتار عن إحدى مقراتهم، دون أن ينطق ضمير أحدهم فيقرر أن يؤدي واجبه الطبيعي في هكذا حالة! وثمة أسئلة مقترنة بـ(لو) العاجزة المتحسرة على تهشم الواقع، من مثل: ماذا لو لم تكن هناك سلطة تنسق مع المحتل وتكشف المقاومين وهم في طور الإعداد لعملياتهم؟ وماذا لو أتيح لباسل ورفاقه أن يعملوا في ظروف أقل قتامة وأرحب أفقا؟ وماذا كان سيحصل لو حلق حلم باسل ورفاقه في زمن فلسطيني آخر؟ وغير ذلك الكثير. غير أن ما سيبقى أثرا لا يزول هو فيض المعاني التي شخصت أمام الأنظار في لحظة الرحيل وما تلاها، وأعلاها الصدق؛ صدق الإنسان مع نفسه وفيما يدعو إليه، وصدقه وهو يجسد حلمه فعلا ويواجه أعتى التحديات، والتزامه بمبادئه حتى وهو بلا نصير، ثم تلك الفكرة السامية التي أنضجتها دماء صاحبها، فصارت تتردد على كل لسان، وتطرق القلوب والعقول لتنعش أرجاءها بشمس الحقيقة، الحقيقة المباشرة والمختصرة والواضحة، بلا تنميق أو تزييف، حقيقة نداء الواجب وأولوياته، ومسارات الجدوى الموصلة مباشرة إلى الأهداف. في رحيل باسل الأعرج لخصت لحظة شهادته سيرة حياته، وأعلنت وفاءه العالي لما كان يؤمن به، قضى باسل مقبلا غير مدبر، وفضل المواجهة ثم الشهادة على الأسر، تماما كما كان في حياته عنيدا صلبا لا يجامل على حساب مبادئه، ولا يجنح للتهاون فيها حتى وإن وسعه ذلك.

هذا الدم الذي انبثق من قلبه وظلل فجر رام الله كان يعلن التمرد في أرفع أشكاله؛ التمرد على البؤس والمذلة، وعلى حراب الجناة وخناجر الخائنين، وعلى انكسار العزائم وانخفاض الهامات.