yousef
yousef
أعمدة

أزمة مهرجانات السينما العربية

10 مارس 2017
10 مارس 2017

يوسف القعيد -

كنا نحضر ندوة أقامتها جريدة الأهرام عن مهرجانات السينما المصرية. والأزمات التي تعاني منها. وقبل أن تبدأ الندوة قدم لي جمال زايدة، الصحفي بالأهرام، أحد الرواد الأوائل. والذي توثقت علاقتي به عندما كان مديراً للأهرام في كندا. البلد الذي اختاره للإقامة فيه ابني أحمد. ورغم أن جمال زايدة، قرأ الورقة أمامنا قبل أن تبدأ الندوة. إلا إنني بعد العودة إلى البيت. وعندما أعدت قراءة ورقة جمال زايدة، اكتشفت أنها كتابة مركزة ومهمة عن تجربة مصر مع المهرجانات السينمائية.

ربما تصلح أن تكون دليل عمل لأشقائنا من العرب الذين قد يفكرون في إقامة مهرجانات سينمائية في بلادهم. فالسينما لغة العصر. وإن اعتبرنا أن التطرف والإرهاب هما مشكلة مصر – وربما الوطن العربي كله – الأولى فإن السينما يمكن أن تكون سلاحا أساسيا وجوهريا في مواجهة التطرف والإرهاب.

كل الأمور تبدأ في العقل الإنساني. والتطرف والإرهاب يبدآن في العقل الإنساني كفكرة. ولذلك فإن مواجهتهما في العقل الإنساني قد تكون لا تقل أهمية عن مواجهة السلاح والمعارك اليومية. والسينما أفضل سلاح يمكن أن نواجه به التطرف وأن نقهر الإرهاب قبل أن يقهرنا. ومهرجانات السينما خارج العواصم شديدة الأهمية. لأنها توصل الفكر إلى البشر العاديين.

والآن إلى الورقة المهمة التي قدمها الصحفي المصري المخضرم جمال زايدة، حول المهرجانات السينمائية في مصر الآن، علاوة على كونه صحفياً رائداً، فهو واحد من رؤساء المهرجانات السينمائية التي تقام خارج العواصم الآن. إنه رئيس مهرجان شرم الشيخ للسينما. ماذا جاء في ورقته المهمة؟.

جاء فيها:

- لعبت السينما المصرية أدوارا بالغة الأهمية في إثراء الخيال والتكوين النفسى والعاطفي لأجيال من المصريين والعرب عبر القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين. وبالتالي ساهمت بشكل كبير في زيادة القوة الناعمة للدولة المصرية. بل يجوز اعتبار السينما الأساس الحقيقي للقوة الناعمة. من خلالها دخلت مصر قلوب العرب من المشرق إلى المحيط. ومن خلالها تعرَّف العرب على الثقافة والعلم والمجتمع والموضة والعلاقات العاطفية والاجتماعية للمصريين.

عاش الأشقاء العرب سنوات طويلة مع عمر الشريف وفاتن حمامة ويحيى شاهين وصلاح أبو سيف ويوسف شاهين وحسن الإمام وإسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي وعبد الفتاح القصري. كما عاشوا مع الأجيال الجديدة من منتجي الفن السينمائي ومبدعيه.

ثم جاءت مهرجانات السينما في مرحلة متأخرة نسبيا لتشكل انعكاسا لهذه الصناعة الجميلة. فأطلق كمال الملاخ في 16 أغسطس 1976 الذي كان يرأس الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. ثم تلاه مهرجان الإسكندرية ومهرجان الإسماعيلية السينمائي ومهرجانات أخرى عديدة.

جاءت مهرجانات السينما لتحقق العديد من الأغراض على رأسها:

أولاً: إتاحة الفرصة أمام نقاد وصناع السينما في العالم للتعرف على حجم الإنجاز الذي تحقق في السينما المصرية والتي واكبت نشأة السينما الأمريكية في هوليود.

ثانياً: إتاحة الفرصة أمام السينمائيين المصريين الذين لا تتاح أمامهم فرص السفر إلى مهرجانات كان و فينيسيا وغيرها للاطلاع على ما تنتجه السينما العالمية.

ثالثاً: إتاحة الفرصة أمام نجوم ومخرجي السينما العالمية للتعرف عن قرب على مصر مجتمعا وحضارة.

رابعاً: وضع مصر على خريطة السياحة العالمية من خلال ما يكتب عن مهرجانات السينما المصرية في الصحف العالمية والمشاهد التي تنقلها محطات التلفزيون العالمية. وهنا ألفت النظر إلى ما أذيع مؤخراً على قناة CNN عن صناعة السينما في مصر واستضافة بعض صناع السينما المصرية. والذي يترك انطباعاً بالغ الأهمية تفوق بمراحل ما ينشر في إطار حملات الدعاية والإعلان عن مصر في وسائل الإعلام العالمية.

والآن نود أن نطرح العديد من النقاط المركزية التي تعوق صناعة المهرجانات إذا جاز لي التعبير:

أولاً: ما هو المفهوم وراء قرار إطلاق مهرجان سينمائي؟ وما هي الضوابط الموضوعية لإنشاء مهرجان جديد؟. هل لدى الدولة المصرية أي تصور فيما يتعلق بصناعة المهرجانات؟. هل هناك رؤية واضحة للنتائج المرجوة من المهرجانات؟.

ثانياً: المهرجان السينمائي الوحيد الذي يخرج من عباءة وزارة الثقافة هو مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وهو لا يتكلف بالأسعار العالمية 200 ألف دولار. فهل يكفي هذا المبلغ لصناعة أهم مهرجان في مصر في الوقت الذي ترتفع تكلفة جلب نجوم الصف الأول في السينما العالمية لحضور مهرجانات مصر أضعاف هذا المبلغ؟.

ثالثاً: والحديث حول التمويل المتاح. هل تكفي الموارد المتاحة لصنع نهضة سينمائية مصرية سواء من جانب الدولة أو من جانب المجتمع المدني؟.

رابعاً: ما هو دور مؤسسات المجتمع المدني في صناعة المهرجانات؟ ما هي مشكلاتها؟ وما هي الصعوبات التي تواجهها؟. خامساً: ما هو موقع مهرجانات السينما في مصر في إطار الإقليم في ضوء صعود مهرجانات ذات إمكانيات كبيرة في دبي وأبوظبى؟ ناهيك عن مهرجانات المغرب وتونس؟ كيف يمكن لمصر أن تنافس في إطار الإقليم من خلال السينما التي مثلت أحد الركائز الأساسية في صنع مكانة مصر الإقليمية خلال سنوات طويلة؟.

سادساً: ما هو دور وزارة الثقافة التي ينبثق عن مجلسها الأعلى. وتوجد فيه ضمن لجانه اللجنة العليا للمهرجانات؟ ما هو دور اللجنة في دعم صناعة المهرجانات ووضع كود أخلاقي لهذه الصناعة؟.

سابعاً: ما هو دور كبرى الشركات المنتجة للسينما في المهرجانات السينمائية؟.

ثامناً: ما هو المطلوب لتطوير صناعة المهرجانات؟ هل تعمل بشكل عشوائي؟ أم يتم إطلاق شركة قابضة كبرى تماثل ما فعله طلعت حرب عندما أقام صناعة السينما المصرية في ثلاثينيات القرن الماضي – يشارك فيها بعض الشركات الكبرى في مصر بحيث تضمن المهرجانات تمويلا مستمرا يخرج عن إطار الموازنة العامة؟.

تاسعاً: من المنوط به تأهيل كوادر صناعة السينما في الخارج. ومن ثم تأهيل كوادر لإدارة مهرجانات السينما باعتبارها صناعة ثقافية ثقيلة؟.

انتهت ورقة جمال زايدة البحثية العميقة والمهمة.

ولم تنته القضية. والقضية مهمة ليست بالنسبة لنا في مصر. ولكن بالنسبة لكل الأشقاء العرب بعد أن أصبحت صناعة السينما متاحة وموجودة في كثير من الأقطار العربية الشقيقة. ما لم يقله جمال زايدة: لماذا لا نفكر في مهرجانات ذات طابع عربي، ترعاها جامعة الدول العربية أو أي كيان آخر. توحد ولا تفرق. تجمع ولا تشتت. تمكننا من العثور على كل ما يمكن أن يربط بين وجدان الإنسان العربي مهما كان القطر الذي يعيش فيه.