950116
950116
المنوعات

قاعة شوبان في متحف كارتوخا فايدي موسا.. مقصد سياحي رومانسي

10 مارس 2017
10 مارس 2017

فايدي موسا (إسبانيا) «د.ب.أ»: - زهرة حمراء ملقاة بلا اكتراث لتضفي جمالا عفويا على أصابع بيانو قديم من طراز بلايل، موضوع في القاعة العريقة، بينما خارج جدرانها العتيقة، تهب رياح باردة تصفع صفحة البحر المتوسط بعنف. تعتبر الزهرة الرقيقة تذكارا لقصة الحب الخالدة، التي احتضنت جدران القاعة أحداثها خلال مائة يوم، والمعروفة بالزنزانة الرابعة في كارتوخا دي فايدي موسا، والتي تعد اليوم من أهم المعالم السياحية المثيرة في البلدة الصغيرة الواقعة بجزيرة مايوركا الإسبانية.

الزمن، عام 1838، تحديدا في شهر نوفمبر. الحدث: يعاني الموسيقار الفرنسي البولندي الشهير فردريك شوبان من مرض صدري، فترافقه الكاتبة المعروفة جورج صاند، وكانت تكبره بست سنوات إلى الجزيرة الإسبانية، بحثا عن الدفء والاستشفاء، ولكن بدلا من المناخ المتوسطي المعتاد، تفاجئهما نوبة صقيع مصحوبة بأمطار شديدة طوال فترة إقامتهما.

ولكن كان أسوأ من الجو العاصف، برودة معاملة أهل البلدة بطباعهم التي لا تخلو من مزاج شرقي، متزمت في تلك الأوقات، حيث رأوا في المغامرة العاطفية بين الموسيقي الشاب والكاتبة المتحررة، نوعا من الفضيحة. فقد هالهم وجود مثل هذه العلاقة بين شخصين غير متزوجين، علاوة على أنهما لا يترددان مطلقا على الكنيسة، فيما يرافقهما الطفلان سولاني وموريس، أبناء صاند، المصابة بالروماتيزم من علاقة سابقة.

بينما كان شوبان مستغرقا، بالرغم من نوبات الالتهاب الرئوي التي كان يتعرض لها، في تأليف مقدماته الشهيرة، كانت صاند، التي عرف عنها تشبهها بالرجال في ثيابها، تمارس عاداتها المبتذلة في التدخين، أثناء كتابة مسودة رواية تتناول تجربة مغامراتها في مايوركا، والتي ستتحول إلى أشهر عمل كتبته والأكثر ترجمة للعديد من لغات العالم تحت عنوان «شتاء في مايوركا».

«حدثت معجزة أخرى، وعثرنا على ملاذ من الشتاء»، كتبت متأثرة من العاطفة المشبوبة بارونة ديوديفا، الاسم الحقيقي لجورج صاند. «شاعرية هذه الزنزانة أفقدتني صوابي». وهذا ليس أمرا مستغربا بعد المشهد البانورامي المتبدي أمام الزائر من نافذتها المطلة على الحديقة ضمن هذه الأجواء الفردوسية حيث تمتزج الخضرة بمياه البحر. «إنه مشهد آسر يخلب الألباب»، كما وصفته صاند.

«ترك زوجان إسبانيان العقار لنا، مقابل مبلغ معقول كإيجار، الف فرنك، مع أثاثه بالكامل»، انتقلوا للمعيشة في ثلاث حجرات كبيرة متصلة فيما بينها بممر مشترك. الزنزانة مثلها مثل غيرها من المعابد الدينية كانت قد صودرت قبل ذلك بوقت طويل، حيث قامت السلطات بتطبيق العلمانية على الكثير من دور العبادة وأصبحت صوامعها وزنازينها وقلاياتها عرضة للإيجار.

على العكس من ذلك، بالنسبة لشوبان كانت الرطوبة والبرودة، بمثابة سم يسري في جسده المريض. «تدهورت حالته الصحية بصورة مؤسفة. على أثر نزلة برد قوية، حالت دون استمراره على النظام الغذائي الصحي ليتعافى جسده، سقط شوبان صريع حالة من الوهن لم يبرأ منها مطلقا»، بحسب وصف صاند. كما تستعرض صاند بحنق واضح انتقادات أهل مايوركا الغاضبة وسبابهم بوازع ديني، حيث كانوا يؤكدون أن هذا «المسلول» مصيره إلى الجحيم وبئس القرار، ليس فقط بسبب علته، ولكن لأنه لا يعترف للكاهن مطلقا.

مع التدهور المستمر في حالته الصحية، بدأ شوبان يشعر أن ملاذه وخلوته في الجزيرة الإسبانية بمثابة سجن حقيقي، فكتب رسالة وصف فيها صومعته بأنها «مكان غريب. اشبه بتابوت كبير بقبة سقف يعلوها الغبار».

بعد ثلاثة شهور من وصوله، في فبراير 1839، رحل الموسيقي الفذ ومحبوبته الكاتبة عن فايدي موسا، ولكن الثمانية وتسعين يوما التي قضياها هناك كانت كافية لتخليد هذه المغامرة الرومانسية الشتوية بشكل أسطوري، لدرجة أنها لا تزال حية إلى الآن للجماهير وليس عشاق الموسيقى أو الأدب الفرنسي فقط.

ولهذا السبب تباع كل عام ربع مليون تذكرة لزيارة صومعة شوبان، لدرجة أن أعداد زوار قرية فايدي موسا في الشتاء، أصبحت تفوق المصطافين الذين يترددون على مايوركا في فصل الصيف.

الكثير من السائحين الذين يزورون جزيرة بالما، 17 كيلومترا جنوبا، يتوقفون إجلالا واحتراما، ليتفقدوا الصومعة التي خلدها الموسيقي العالمي ويتعرفوا بالتفصيل على مقتنياتها العديدة، والتي تضم فيما بينها خطابات، قطع أثاث، نوت مؤلفات موسيقية، مخطوطات، صور، وجزء من شعر مستعار كان شوبان يستعمله، وبصمة يده محفوظة في قالب من الجبس.

لكن الشيء الفريد الذي لا يتكرر هو الشعور بأن هذه الحجرة جمعت في يوم من الأيام بين شخصيتين متميزتين للغاية. بطبيعة الحال هناك أيضا البيانو الذي تحمل أصابعه زهرة حمراء لاهية تخليدا لقصة حب ستظل تولد كل يوم بنفس النضارة. ولد شوبان عام 1810 في وارسو وتوفى عام 1849 بسبب إصابته بالسل. تنتمي أعماله للقالب الموسيقي الكلاسيكي الرومانسي. في سن الواحدة والعشرين، استقر شوبان في باريس وحصل على الجنسية الفرنسية عام 1835، وخلال الثمانية عشرة عاماً الأخيرة من حياته قدم فقط ثلاثين عملاً شهيراً. بعد انفصاله عن خِطيبَته ماريا وودزينسكا عام دخل في علاقة أخرى مُضّطربة مع الكاتبة الفرنسية المعروفة باسمها المستعار جورج صاند، حيث تُعتَبر الفترة الزمنية القصيرة ما بين عامي 1838 - 1839 من أكثر الفترات الإنتاجية في حياته الموسيقية.