907543
907543
إشراقات

الخليلي: على الأمة تجسيد القرآن في السلوك والأخلاق وجزئيات الحياة

09 مارس 2017
09 مارس 2017

حاجة البشرية إليه ملحّة فهو يحل لها ألغازها ويكشف أسرارها -

جميع الرسالات قرنت بمعجزات خارجة عن جوهرها.. ومعجزة هذه الرسالة في كتابها -

متابعـــة: ســــالم بن حمدان الحسيني -

أوضح سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن حاجة البشرية إلى القرآن الكريم حاجة ملحّة.. فهو يحل لها ألغازها ويكشف أسرارها.. حيث اشتمل على التصور الصحيح فهو يعرّف الإنسان بمبدئه وبمعاده ويصل ما بين المخلوق والخالق وما بين الشهادة والغيب، وما بين الدنيا والآخرة، وما بين الفرد والأسرة والمجتمع والجنس البشري بأسره، ويصل بين الإنسان وبين جميع هذا الكون الواسع الأرجاء المترامي الأطراف.

وأشار سماحته في محاضرة له بجامع السلطان قابوس بمنح إلى أن جميع الرسالات كانت تقرن بمعجزات خارجة عن جوهرها بينما هذه الرسالة معجزتها في هذا الكتاب فهي تتجدد مع تجدد أحداث هذا الوجود، فكل اكتشاف يكتشفه الإنسان إنما يأتي تفسيرا للقرآن الكريم وتصديقا له، فان لم يكن تعامله مع هذا الكون مبنيا على أسس سليمة سوف يؤدي به إلى ان يصطدم مع نواميس هذا الكون وسننه.

وأكد سماحته أن هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تأخذ بتلابيب هذا العالم الآن لا حلّ لها إلا بالرجوع إلى القرآن، وعلى الأمة أن تحرص على تقديمه إلى العالم بعدما تطبقه واقعا معاشا في حياتها عقيدة وشريعة، وعبادة وأخلاقا، بحيث يتجسّد في كل جزئية من جزئيات حياتها وفي سلوكها، وأخلاقها، وجميع تصرفاتها وأعمالها، وفي علاقاتها فيما بينها، وفي علاقاتها مع الآخرين، مشيرا إلى أن الله سبحانه وتعالى أمر عند أي خلاف وأي شقاق أن يكون الاحتكام إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.. جاء ذلك في محاضرته تحت عنوان: «حاجة البشرية للقرآن الكريم».. فإلى نص المحاضرة:

استهل سماحته هذه المحاضرة القيّمة بقوله: القرآن الكريم هو الكتاب الذي صانه الله سبحانه وتعالى من التحريف والتبديل، وحفظه من تطاول المتطاولين عليه، فلم يزل منارة شاهقة لا ترجها أعاصير الأحداث ولا تزعزعها طوافانات الأحداث بل كل ما يأتي به الزمن إنما يجليها القرآن ليبين حقه من باطله، وليبين صلاحه من فساده، وهداه من ضلاله، إن القرآن الكريم هو الكتاب الذي يصل ما بين المخلوق والخالق وما بين الشهادة والغيب وما بين الملك والملكوت، وما بين الدنيا والآخرة، وما بين الفرد والأسرة والمجتمع والأمة والجنس البشري بأسره، بل يصل بين الإنسان وبين جميع هذا الكون الواسع الأرجاء المترامي الأطراف، فلذلك كانت حاجة البشرية إليه حاجة ملحة لأن القرآن الكريم هو الذي يحل لها الألغاز ويكشف لها السر المعمّى من هذه الحياة، فالله سبحانه وتعالى جعله كتابا متميزا من بين الكتب وتميزت به هذه الرسالة التي بعث بها النبي- صلى الله عليه وسلم- إذ جميع الرسالات كانت تقرن بمعجزات خارجة عن جوهرها بينما هذه الرسالة كانت معجزتها في هذا الكتاب الذي احتواه فقد تحدى الله سبحانه وتعالى به العرب ان يأتوا بسورة من مثله، بل تحدى الثقلين بأن يأتوا بشيء من مثله، ومع ذلك وقف الجميع حائرا ولا تزال معجزة القرآن الكريم تتجدد مع تجدد أحداث هذا الوجود ومع تجدد الاكتشافات التي يكتشفها الإنسان من أسرار هذا الكون، فكل اكتشاف يكتشفه الإنسان إنما يأتي تفسيرا للقرآن الكريم وتصديقا له، وقد آذن الله سبحانه وتعالى البشر جميعا بهذا الأمر عندما قال: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ،) سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ).

بحاجة إلى منهج

وأضاف سماحته قائلا: ان الإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالى هذا الخلق العجيب وميزه بما أودع فيه من هذه الخصائص وشرفها إذ فضله على غيره من المخلوقات، هذا الإنسان يحس بفطرته انه بحاجة الى ان يكون موصولا بقوة غيبية تهمين على هذا الكون، وتسيطر على كل جانب من جوانبه، ثم هو بحاجة إلى منهج يسير عليه، هذا المنهج لا يمكن ان يكون نتاج عقل الإنسان لأن عقله يتأثر بمؤثرات كثيرة، مؤثرات نفسية ومؤثرات خارجية فهو يتأثر بالمؤثرات النفسية لأن طبيعة الإنسان تجعله يتقلب من وضع الى آخر ومن تصور إلى تصور ومن إحساس إلى إحساس، وهو أيضا يتأثر بمؤثرات خارجية لأنه يتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه والبيئة التي يتقلب في أعطافها، لذلك كان العقل البشري غير كاف لتحديد المنهج الذي يجب على الإنسان ان يسير عليه، ان هذا المنهج يجب ان يكون نظاما ربانيا يتلقى من عند الله سبحانه وتعالى ليسير عليه الإنسان، وهو يقوم على التصور الصحيح، والفهم العميق وهذا ما لا يمكن ان يتوصل إليه الإنسان بعقله القاصر المحدود، فان العقل هو كسائر طاقات الإنسان، إذ كل طاقة من الطاقات التي في الإنسان هي محدودة، فبصره محدود وسمعه محدود وكذلك عقله محدود، وإذا كانت هذه الطاقات تحجب بحجب عن التوصل الى كثير من الحقائق فان الطاقة العقلية أيضا تحجب بحجب شتى فلذلك كان من الضرورة بمكان ان يتلقى الإنسان عن الله سبحانه الذي خلق هذا الإنسان وعلم مساربه ومداخله وما تنطوي عليه فطرته وما يمكن ان ينسجم معه نظام هذا الوجود بأسره.. (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فجاء هذا المنهج من عند الله سبحانه وتعالى في هذا الكتاب الكريم كما جاء من قبل في الكتب السابقة وفي الرسالات السابقة مبنيا على التصور الصحيح وهو أن هذا الكون بأسره إنما هو مملكة الله سبحانه والله خالق كل شيء ومالك كل شيء وله الحمد كله، وله على عباده حق العبادة والانقياد.. (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ).

وأوضح سماحته أن القرآن الكريم اشتمل على التصور الصحيح إذ عرّف الإنسان بمبدئه وعرّفه أيضا بمعاده الذي ينقلب إليه، عرفه بمبدئه ومن خلال ذلك عرف المبدأ وعرف المعاد لأنه بصّره بان هذه الحياة التي يعيشها إنما هي مرحلة في طريقه وان هذه الحياة تعقبها حياة أخرى هي حياة الأمر يلقى فيه كل احد جزاء ما قدم في هذه الدنيا فيخلد أما في نعيم باق، وأما في سعير لا ينتهي أمد عذابها والعياذ بالله تعالى، فلذلك كان من خلال هذا تصور العمل الذي يجب عليه ان يعمله، وهو الطاعة المطلقة لله سبحانه وتعالى.

فكر محدود

وأشار إلى ان هذا القرآن قد جاء بالعجب العجاب من حيث ربط هذا الإنسان بمصلحته التي يجهلها هو بنفسه لا يمكنه ان يتصورها بفكره المحدود وعقله القاصر، هذه المصلحة ليست مصلحة فرد وإنما هي مصلحة الجنس البشري مع إيتاء كل هؤلاء الأفراد، أفراد هذا الجنس حقه حتى لا يغيب حق الفرد في خضم حقوق الجنس ولا يغيب حق الجنس من أجل التوفير للفرد، فقد اعطي كل أحد حقه، فنحن نرى القرآن الكريم كيف جاء ليعطي كل أحد حقه، أقام العلاقات الحسنة بين الناس، فنظم العلاقات ما بين الآباء والأمهات من جهة وما بين الأبناء والبنات من جهة أخرى، ونظم أيضا العلاقات الزوجية ما بين الزوجين ونظم العلاقة التي تكون بين الأقربين ونظم العلاقة التي تكون بين الجيران ونظم العلاقة التي تكون بين أهل ملة الإسلام ونظم العلاقة التي تكون ما بين المسلم وغيره من الجنس البشري، ونظم العلاقة ما بين الإنسان وبين هذا الكون الواسع لأن الإنسان هو قطب رحاه، فان لم يكن تعامله مع هذا الكون مبنيا على أسس سليمة فلا ريب ان هذا التعامل يؤدي بالإنسان إلى ان يصطدم مع نواميس هذا الكون وسننه، وقد جاء القرآن الكريم يبصر الإنسان بهذا التعامل حتى يكون تعامله تعاملا سليما، والقرآن الكريم يكشف هذا الأثر الذي يؤثره في حياة الناس، فقد قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، وقد سبحانه وتعالى في وصفه: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، وقال: (هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، وقال: (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ)، وقال: (وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)، وقال سبحانه: (شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وقال سبحانه وتعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، فالقرآن فيه هذه الهدايات جميعا، فقد بصر الإنسان بما يجب عليه لربه سبحانه وتعالى أولا، فشرع من العبادات ما شرع، وكل عبادة من هذه العبادات هي نور يشرق على النفس البشرية فيطوي منها سجاف الظلام، كل عبادة من هذه العبادات تقوي صلة الإنسان بربه سبحانه وتعالى، بل كل عبادة من هذه العبادات تذكي جذوة العقيدة لتشع في هذه الحياة حتى يتبين الإنسان فيها السبيل الأمثل، وكل عبادة من هذه العبادات تقيم العلاقات الحسنة بين الإنسان وغيره، بين العابد وغيره من الناس.

أثر العبادات

وبيّن سماحته ان الصلاة والصيام والزكاة والحج كل من ذلك مما ينظم علاقات البشر، مع أن هذه صلات بين الإنسان وبين ربه سبحانه وتعالى الذي خلقه إلا ان لها أثرا كبيرا في إقامة العلاقة الحسنة من الناس، ناهيكم ان الصلاة كما قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، والله سبحانه وتعالى يبين ان ما يصدر من الناس من إساءة وما يصدر منهم من انحراف كل من ذلك يرجع الى السهو عن الصلاة أو التقصير فيها، والله تعالى يقول: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) فكان السياق يقتضي ان يقول: (فويل لهم) ولكن بدلا من ذلك جيء بالمُظهر مكان المُضمر وكان هذا المُظهر المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون لأجل التنبيه على ان منشأ ذلك السهو عن الصلاة. وبين الله سبحانه وتعالى كيف ان هذه الصلاة يكون لها اثر كبير حتى تأتي على الجبلة المذمومة التي في الطبيعة البشرية، والله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) وكذلك إذا جئنا الى الزكاة، فالله سبحانه وتعالى يقول: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وإذا جئنا إلى الصيام يصل الله تعالى بالتقوى في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ونجد أن الحج يرتبط بالتقوى عندما يذكر في العديد من المواضع، كما في قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) إلى يختتم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، ثم يقول: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)، ويقوله سبحانه: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)، ويقول سبحانه: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، ويقول في البدن: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)، فكل هذه العبادات ترتبط بالتقوى، والتقوى هو ملاك الحياة، لأن الإنسان المتقي يضبط حياته بموازين دقيقة، ويعطي كل شيء حقه، وينزل كل أمر منزله، ويرتبط هذه الحياة ترتيبا منظما دقيقا، وإذا جئنا الى العلاقات الزوجية وغيرها كيف نجد في القرآن الكريم هذا التشريع العجيب الذي لم ترتق إليه عقول البشر قط، ومهما كانت التجارب البشرية فإنها فلا يمكنها ان تأتي بمثل هذا التشريع، وإذا جئنا إلى النظام الاقتصادي في الإسلام وجدناه نظاما متميزا على كل نظام لا يمكن للعقل البشري ان يأتي بمثله، فكم تصور الناس بأن حل مشكلاتهم في نظام من هذه الأنظمة البشرية وإذا بهم يكتشفون اواره، فمرت فترة زمنية على الناس وهم يظنون ان حل مشكلاتهم في النظام الشيوعي أو في النظام الاشتراكي وإذا بهم يتساقطون في هذا النظام كما يتساقط الفراش على لهيب النار، وتكشفت هذه الشيوعية عن فشل ذريع، ولم يمض على ميلادها سبعة عقود من السنين حتى ماتت في عقر دارها، وفي مهدها الذي نشأت فيه وانتهت، وظنوا أن الرأسمالية هي الح في هذه المشكلة، وأين الحل فيها مع ان الشيوعية نفسها كانت ردة فعل للظلم الرأسمال.

الرأسمالية

وأوضح قائلا: إن الشيوعية كانت بسبب الجشع عند الرأسماليين فلذلك تولد هذا النظام العجيب وتكشفت الآن الرأسمالية عن هذا الفشل بعدما ظنوا انهم وصلوا إلى نهاية التاريخ وانه لن يأتي الزمن بأحسن مما وصلوا إليه، وإذا بهذه الأنظمة الاقتصادية تتهاوى، وهذه الأزمة الاقتصادية الخانقة الآن تأخذ بتلابيب هذا العالم، وتتطوح به في الأرض ولا حلّ إلا بالرجوع إلى القرآن، بالرجوع إلى كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه من عند الله سبحانه وتعالى، فلذلك كان لزاما على هذه الأمة ان تحرص على تقديم هذا القرآن الى العالم.. ولكن كيف تقدم القرآن، إنما تُـقــدم القرآن إذا أخذت به الأمة أولا، عقيدة وشريعة، وعبادة وأخلاقا، حتى يكون هذا القرآن يتجسّد في كل جزئية من جزئيات حياة هذه الأمة، ليتبين القرآن في سلوكها، وفي أخلاقها، وفي عقيدتها وفي عباداتها، وفي تصرفاتها وأعمالها، وفي علاقاتها فيما بينها، وفي علاقاتها مع الآخرين، عندئذ تقتنع هذه الإنسانية بأن القرآن هو الحل الوحيد لهذه المشكلة، ولكن هذا مما يقتضي ان تصاغ هذه الأمة صياغة جديدة، صياغة قرآنية تقوم على هذه المبادئ القيمة، مبادئ القرآن الكريم فالأمة بحاجة الى ان يكون تصورها تصورا قرآنيا، وان يكون تحركها تحركا قرآنيا كما كان السلف الصالح، كما كان على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله تعالى عنهم وان تستلهم معاني القرآن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي امتداد للقرآن وهي بيان له، فان الله تعالى يقول له: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فالنبي- صلى الله عليه وسلم- سنته ترجمان للقرآن الكريم.

وأشار قائلا إلى أن الله سبحانه وتعالى أمر عند أي خلاف وأي شقاق ان يكون الاحتكام إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يمكن الاحتكام إلى الله إلا بالاحتكام إلى القرآن، ولا يمكن ان يكون الاحتكام الى النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالاحتكام إلى السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، والله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).