الملف السياسي

الأطراف السورية تحتاج إلى الثقة فيما بينها

06 مارس 2017
06 مارس 2017

عبد الله العليان -

في اللقاءات التي تمت في الأسبوعين  الماضيين في جنيف بين وفود المعارضة السورية ووفد الحكومة السورية، بحضور المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، تم تحديد جدول لأعمال الجولة الجديدة من المفاوضات، التي كما أعلن تبدأ في 20 مارس الجاري، بعد انتهاء الجولة الحالية بين الفرقاء، واتفاقهم على جدول الأعمال الذي سيكون عليه اللقاء القادم. 

وأفادت بعض الأنباء، أن دي ميستورا، قدّم مقترحات جديدة للأطراف السورية المشاركة في «جنيف-4» تتضمن 12 مادّة بينها مقترح «إدارة ذاتية على المستوى المحلي». وتمت إضافة وثيقة المقترحات أن «الشعب السوري فقط هو الجهة المخولة بتقرير مستقبل سوريا، واختيار نظامها السياسي والاقتصادي، والاجتماعي، بطريقة بعيدة من الضغوط الخارجية، ومن خلال الوسائل الديمقراطية وصناديق الاقتراع»، والواقع أن هناك تقاربا وتنازلا حول القضايا العالقة التي كانت صعبة في اللقاءات السابقة في جنيف، وأن التفاؤل يسود بعض الأطراف المهتمة بالأزمة السورية، وقال دي ميستورا في المؤتمر الصحفي الجمعة الماضية:« إن القطار جاهز، إنه يقف في المحطة. كل شيء جاهز وهو بحاجة فقط لمن يشغله».

وأضاف:«أعتقد أن أمامنا الآن جدول أعمال واضحا» مشيرا إلى أنه يتضمن «أربعة عناوين» سيتم بحثها «في شكل متواز» هي الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة «الإرهاب». ولا شك أن لقاء الآستانا بكازاخستان، أعطى مؤشرا إيجابيا للحل السلمي للازمة السورية، وأصبحت كل الأطراف راغبة في الحل، لكن أزمة الثقة، تشكل قضية أساسية، فالمعارضة تعتقد أن النظام يريد التسويف والمماطلة لكسب الوقت وإضعافها عسكريا وسياسيا، والنظام يرى أن المعارضة تراهن على الوقت لصالحهم لإضعاف النظام، وتمرير بعض الأسلحة الثقيلة من بعض الجهات التي تؤيد المعارضة، والحقيقة أن الأزمة السورية، تصعّبت كثيرا بسبب التدخلات الدولية والإقليمية في الأعوام الماضية، وتراجع الإصلاحات الحقيقية التي كانت السبب في تعقد الأزمة واستمرار الصراع، والتدمير والتهجير للشعب السوري، مما جعل الجميع يرى أن الحلول السلمية، هي الأقرب إلى الواقع بعد السنوات الطويلة من الصراع، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا البلد، خاصة أن الخوف من ان تؤدي الأزمة إلى تقسيم سوريا إلى كانتونات طائفية، ولربما تتحول إلى حروب داخلية بين الطوائف والمذاهب في هذا البلد المتعدد الأعراق. ولاشك أن الدول الإقليمية، تريد الحل السلمي وتدفعه بقوة، بعد المشاهد المروعة للقتل والتدمير في أغلب المدن السورية، إلى جانب مشكلات اللاجئين التي ازدادت بالملايين، وأصبحوا موزعين بالملايين في العديد من دول الجوار، وبعض الدول الأوروبية.

لكن المشكلة أن الرغبة في الحلول، لا يقابلها تجاوب من كل الأطراف في الاجتماعات الماضية، من النظام والمعارضة، من خلال حلول وسطية، فالنظام يتهم المعارضة بالإرهاب، والمعارضة، تتهم النظام بقتل الشعب السوري من أجل البقاء في الحكم وهذه كما أشرنا هي من ضمن أزمة الثقة بينهما، وهي مشكلة ليست سهلة لإيجاد حلول وسط بينهما، لكن مع الوقت وعدم وجود أفق واضح للجميع للحسم العسكري، أصبح مطلب الحل هو الذي يدفع الجميع للحل السلمي الذي يقبله الجميع، وهذا ما جعل بعض أطراف المعارضة ترى في بعض التنازل طريقا للحل، وهذا ما كان يرفضه الجيش الحر، وبعض التيارات العسكرية ضمن المعارضة المعتدلة، ويرى الباحث السوري «د/‏‏ رضوان زيادة » انه «يجب أن تظهر المعارضة السياسية والعسكرية سواء ممثلة في الجيش الحر أو الائتلاف حسا بالمسؤولية تجاه الشعب السوري المهجر والمشرد، إذ لا يعقل أننا لا نستطيع أن نقدم أجوبة لملايين السوريين حول انتهاء الأزمة وأمل عودتهم إلى بيوتهم، وحول مصير أبنائهم وبناتهم المعتقلين في سجون الحكم ، والخوف يزداد يوما بعد يوم حول حياتهم .

وبالتالي يجب أن تظهر المعارضة نوعا من الإحساس بالمسؤولية تجاه كل ذلك، خاصة وأن النصر العسكري عبر «الجيش الحر» لا يمكن تحقيقه من دون تدخل عسكري خارجي يدعمه وهو أمر صعب الى حد كبير . فالأزمة السورية تعتبر من أعقد الأزمات العربية الراهنة، لأسباب كثيرة، لعل أهمها أزمة الثقة بين الحكم السوري والمعارضة، ذلك أن هذه المعارضة التي تضم كثيرا من أطياف الشعب السوري، عدا جماعات التطرف والإرهاب التي ترفض بالأساس الحلول السلمية، فلم تعد هذه المعارضة المعتدلة ترفض بقاء الرئيس السوري خلال الفترة الانتقالية، وهو ما كانت تؤكد عليه في الأعوام الماضية قبلالتدخل الروسي بقوة في الصراع، وهذه الثقة المعدومة بين الحكومة والمعارضة ، جعلت تقارب وجهات النظر في بداية الثورة السورية، شبه معدوم بين الطرفين ، وهذا ما جعل دي ميستورا يؤكد في جولة جنيف 3 إن على الفرقاء « القيام ببعض الإجراءات قبل أن يبدأوا مفاوضات حول المسائل»، وهذا ما تحقق في اللقاءات التي جرت في الأسبوعين الماضيين، مما مهد للقاء في جنيف 4 في أواخر الشهر الماضي . والواقع أن هذا التفاؤل له ما يبرره من خلال قبول الوفدين، الكثير من البنود التي طرحها المبعوث الدولي للازمة السورية، وهذا نتيجة الرغبة في حلحلة المشكلة، وعدم الاستمرار في تحميل الشعب السوري مزيدا من الصراع والقتل والتدمير، في المناطق التي اشتدت فيها المواجهات المسلحة، وما يصاحب القصف الروسي من سقوط ضحايا من السوريين الأبرياء، بدعوى ضرب الجماعات المتطرفة .

الآن فان هذه المحطة الرابعة من المفاوضات في جنيف4، شهدت جهود الجميع بما يدعم فرص الحل، وهو ما تلتقي عليه الدول القريبة والمجاورة لسوريا، وروسيا، وكذلك الدول الغربية التي ترى في الحل، مخرجا لمواجهة زيادة عدد المهاجرين السوريين للدول الأوروبية، وهذا ما يأمله الجميع من خلال الحل السلمي وانتهاء الصراع.