الملف السياسي

الخريطة الميدانية .. لا تساعد على حسم الصراع

06 مارس 2017
06 مارس 2017

طارق الحريري -

,, الموقف العسكري المعقد نتيجة تداخل القوات الموجودة على الأرض وكثرتها وتعدد أهدافها ومرجعياتها العقائدية والجهات الداعمة تسبب في صعوبة جولة «جنيف4» بين أطراف النزاع ,,  

في الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف التي جرت برعاية أممية سعيا لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، من الثابت أن أيا من أطراف النزاع لم يحقق سيطرة تسمح بأن تكون له الكلمة العليا على طاولة المفاوضات وإن كان النظام قد حقق تقدما ملحوظا قوى كثيرا من وضعه العسكري، وبالتالي مركزه التفاوضي بعد نجاح قواته بمساعدة الطيران الروسي وبعض الحلفاء في استعادة كامل مدينة حلب وتوسيع نطاق السيطرة حول دمشق مما شكل تفوقا نسبيا للجيش النظامي.

يفاقم النزاع في سوريا وتراجع محاولات الحل السياسي أن حربا بالوكالة تتم داخل سوريا تغذيها أطراف إقليمية ودولية وأن عناصر أجنبية أقحمت على المعارك الدائرة دون أدنى اهتمام بالطبع بمصالح الشعب السوري ودون أدنى اهتمام أيضا بالفرص التي يمكن أن تساعد على استقرار الأوضاع لكن التوافق الروسي التركي نجح في تحقيق وقف لإطلاق النار صمد بدرجة ملحوظة منذ توقيع اتفاق أنقرة في التاسع والعشرين من ديسمبر 2016 الذي دخل حيز التنفيذ في اليوم التالي. ويمكن توزيع خريطة القوى الميدانية على النحو التالي:

أولا: القوى المناوئة للنظام: وهى القوى غير المدرجة على اللائحة الأممية للتنظيمات الإرهابية والتي بدأت تتخذ إطارا موحدا حتى ولو شكليا في مؤتمر «أستانا» الذي عقد برعاية روسية تركية إيرانية، ويؤكد هذا ما نوه عنه أسامة أبوزيد المتحدث باسم الجيش السوري الحر من أن الوفد الذي يشارك في اجتماع أستانا ليس وفد فصائل بل وفدا يمثل جميع الثوار تدعمه كل الفصائل. والفصائل المشاركة في أستانا هي الجيش السوري الحر» والفصائل المنضوية تحت جناحه، و«فيلق الشام»، «فرقة السلطان مراد»، «الجبهة الشامية»، «جيش العز»، «جيش النصر»، «الفرقة الأولى الساحلية»، «لواء شهداء الإسلام»، «تجمع فاستقم»، «جيش الإسلام»، وكوّنوا وفدا برئاسة محمد علوش رئيس الجناح السياسي لفصيل «جيش الإسلام» في حين امتنع تنظيم «أحرار الشام» عن المشاركة في المفاوضات إلا أنه أعرب عن دعمه لها وقد قاطع المحادثات كل من «أحرار الشام»، و«صقور الشام»، و«فيلق الرحمن»، و«ثوار الشام»، و«جيش إدلب»، و«جيش المجاهدين»، و«حركة نور الدين الزنكي» والفصائل الرافضة بعضها يتبنى مواقف راديكالية والبعض لم يحسم أمره بعد.

ثانيا: الجيش النظامي: تعرض الجيش النظامي السوري لعدة انتكاسات لاحت مع الانشقاقات التي بدأت صغيرة نتيجة استخدام النظام للقوة في مواجهة الاضطرابات ، ثم اتسعت هذه الانشقاقات بمرور الوقت مع استفحال الأزمة وتدخل قوى خارجية ووجد الجيش نفسه متورطا في اشتباكات متعددة على كامل مساحة الدولة ضد عناصر من الداخل تم تسليحها من المتمردين في القوات المسلحة، وعناصر من الخارج أقحمت على المشهد بأعداد ضخمة . وبعد فترة أصبح هذا الجيش منهكا بدرجة كبيرة وبدأت القوات المناوئة للنظام السوري تحقق انتصارات هامة في جبهات القتال لدرجة أن سلطة النظام أصبحت مهددة بالسقوط .

وفي مواجهة جحافل متزايدة باستمرار من عناصر مدربة تدريبا متقدما على حروب العصابات، تدخلت على مسار الأزمة قوى خارجية لمساندة الجيش السوري الذي بدأ يسترد عافيته من حلفاء انخرطوا معه في الميدان.

ثالثا: قوى دول خارجية: وهي تتمثل في تشكيلات عسكرية من جيوش دول تواجدت داخل سوريا بقوات صريحة بدأت من روسيا الفيدرالية التي أنشأت قاعدة حميميم وأقامت فيها قاعدة جوية من أجل مساندة الجيش السوري كما استخدمت الصواريخ المجنحة في قصف مؤثر على أهداف للعناصر الإرهابية كما تقول.

القوة الأخرى التي تواجدت داخل سوريا هي من قوات تركية عسكرية متعددة التسليح وإذا كانت القوات الروسية قد أقدمت على دخول الحلبة بناء على طلب من الحكومة السورية المعترف بها حتى الآن من الشرعية الدولية ، فإن القوات التركية دخلت سوريا دون إذن من أحد وانتشرت على مساحة كبيرة من الأرض في الشمال السوري لتحجيم قدرة الأكراد على إقامة كيان مستقل على حدود تركيا الجنوبية.كما تمتلك الولايات المتحدة قاعدة عسكرية جديدة وكبيرة في قرية «تل بدر» الواقعة على بعد 35 كم من مدينة الحسكة السورية ومن قبل أنشأت قاعدة ومركزا لوجستيا قرب «الرميلان» شمالي شرقي سوريا وتستقبل هذه القاعدة الطائرات الأمريكية وتخضع لجنود وخبراء أمريكيين.

رابعا: منظمات إرهابية: وهي تحديدا المنظمات المدرجة على لائحة مجلس الأمن الدولي وتشمل كل من تنظيم (داعش) وجبهة فتح الشام (النصرة) وتمثل عناصرها المسلحة العدد الأضخم مقارنة بالمليشيات الأخرى وتتصف قواتهما بالمستويات الأعلى في التدريب على القتال ويمتلك كل من التنظيمين كميات ضخمة من الأسلحة تتصف بالتنوع ويصل بعض منها إلى مستوى أسلحة القتال الرئيسية مثل المدفعيات والعربات المدرعة وأسلحة متوسطة قادرة على مواجهة الأسلحة الثقيلة والطائرات مثل صواريخ «الكورنيت» المضادة للدبابات والصواريخ «استريلا» المحمولة على الكتف المضادة للطائرات كما أن مقاتلي التنظيمين يتصفون بالشراسة وتنفيذ العمليات الانتحارية العنيفة وطوال السنوات الماضية منذ اندلاع النزاع المسلح تلقى التنظيمان والمليشيات الأخرى على تعددها دعما ماليا ولوجستيا وتسليحيا من أطراف إقليمية ودولية ومن المعروف أن بعض دول الإقليم والنظام تطالب بإضافة منظمات ومليشيات إلى لائحة الإرهاب فتركيا مثلا تعتبر قوات حماية الشعب الكردية منظمة إرهابية.

خامسا:الأكراد: يشكلون تحالفا تحت مسمى «قوات سوريا الديمقراطية» يضم ميليشيات كردية وعربية وأرمنية وسريانية وتركمانية تم تكوينه بعد اندلاع النزاع وتمثل وحدات حماية الشعب الكردية الذراع المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطى القوة المركزية للتحالف وهي قوات شعبية كردية تختص بحماية الأكراد بشكل أساسي في سوريا وتحظى بظهير شعبي في مناطق انتشارها بسبب المعارك ضد تنظيم داعش وتبني قواتها اعتمادا على قانون الخدمة الإلزامية الذي سنته الإدارةالذاتية ويسعى إلى طرد تنظيم داعش وجبهة النصرة من منطقة الجزيرة السورية والشريط الحدودي التركي السوري وتهدف هذه القوة إلى إنشاء سوريا ديمقراطية علمانية يتمتع فيها المواطنون السوريون بمواطنة حقيقية دون اقصاء لأحد وتحظى هذه القوات بدعم الولايات المتحدة.

وفي ضوء ذلك يمكن القول إن الموقف العسكري المعقد نتيجة تداخل القوات الموجودة على الأرض وكثرتها وتعدد أهدافها ومرجعياتها العقائدية والجهات الداعمة تسبب في تعقيد جولة «جنيف4» بين أطراف النزاع وتعدد المنصات داخلها لكن الوضع في هذه الجولة يعتبر أفضل من المرات السابقة لعدة اعتبارات:

أولا: أن التفاوض يتم في ظل النجاح في تثبيت وقف إطلاق النار وهو ما لم يكن يتم طوال سنوات الصراع.

ثانيا: استطاعت قوات النظام السوري أن تحقق انتصارات هامة بعد أن بدأت تحظى بالدعم الخارجي في مواجهة داعمي مناوئيها ولم يعد النظام مهددا بالزوال أو السقوط مما يعطيه تماسكا سياسيا حيث تسيطر قواته على مساحة بنسبة تقدر من 35 إلى 40 % من مساحة الدولة تتميز بأنها مساحة للحضر بينما جزء كبير من مناطق سيطرة المناوئين عبارة عن صحراء خالية أو شحيحة السكان ومناطق ريفية وتتحكم قوات النظام في الشريط الساحلي والجانب الشرقي للبلاد وهذا يضعف مقومات أي كيان يسعى للاستقلال في الداخل السوري لأنه سيصبح كيانا حبيسا.

ثالثا: بدأت المليشيات غير الخاضعة للتنظيمات المدرجة على اللائحة الأممية للإرهاب تقترب بدرجة معقولة من تكوين كتلة موحدة مما يجعل إطار التفاوض أكثر واقعية بعد مرحلة التشرذم التي سيطرت على الفصائل.

رابعا: تراجع ومحدودية الدعم العسكري الخارجي وانتهاء تدفق العناصر الأجنبية بعد الاتفاق الروسي التركي الإيراني وهذا بدوره يجعل الفصائل المختلفة تتخلى عن التطرف في مواقفها ، ولو تدريجيا ، وتبني صيغا أكثر واقعية.