شرفات

كاتب الظل متى يأخذ دوره؟

06 مارس 2017
06 مارس 2017

عائشة سليمان -

في استطلاع الكاتب عاصم الشيدي المنشور في ملحق شرفات بتاريخ 28فبراير2017 ، يُسلّط عاصم الضوء على وظيفة ومكانة المحرر الأدبي الذي غاب طويلا عن العالم العربي، ومازال غائبا، ومتخفيا عند البعض.

يشبه المحرر الأدبي الظل، المفردة الخفيّة التي تجاهلها الأدب العربي، حيث يقع دور المحرر في رأس صناعة النشر العالمية، في حين دور المحرر هامشيّ في حياة النشر الأدبي العربي بل يكاد ينعدم دوره.

من هو المحرر الأدبي؟ ما وظيفته؟ ولماذا يخشاه الكتّاب خاصة؟

حين ذكر عاصم الشيدي في استطلاعه الجملة التي افتتح بها موضوعه وقال : لم أتفاجأ كثيرا وأنا أحاول استطلاع آراء أصحاب دور النشر المشاركين في معرض مسقط الدولي للكتاب أنهم لايعرفون «المحرر الأدبي» ولا وجود لهم في دور نشرهم أبدا...

كانت افتتاحية مؤسفة وحزينة، توضح مدى تهميش الدور الأساسي والمهم للمحرر الأدبي. المحرر الأدبي هو الكاتب الخفيّ المتواري خلف اسم الكاتب الحقيقي، يملك نكهة مميزة قد تسقط مرات كثيرة من رأس الكاتب، يملك بصيرة لا تخالف الكاتب وإنما تقوّم لغة الكاتب، وتقلّم نصوصه.

المشكلة الحقيقية هي أن الكاتب نفسه يخشى فكرة المحرر الأدبي لأنه يعامل نصوصه وإنتاجه على أنها مادة قدسية محرّم أن يتدخل كائن آخر غيره في إنتاجه، فيشذّبه ويقلّمه، رغم أن الأدب الغربي كان قد سبقنا وفاز بهذا الأمر.

ماركيز اعترف وقال بأن محرره الأدبي قام بحذف مائة صفحة من روايته الشهيرة والعظيمة «مائة عام من العزلة».

في العالم العربي الكاتب يتحمل مسؤولية كتابه من الألف إلى الياء، في حين سيكون من التخفيف والجمال و الإبداع لو خلق، أو اختلق و وجد الكاتب محرره الأدبي، الذي سيعالج المادة قبل نشرها.

المحرر الأدبي لا يعني المدقق اللغوي أو ذاك المراجع للمادة الذي يتواجد في أكثر دور النشر؛ إنما هو كائن ينسجم مع الكاتب ، يتعمق في صداقته ، يكون روح كتابه الأخرى، ويملك نكهة فريدة ، و له نبوءة الكتّاب ـ كما أراه أنا.

وجب الاعتراف بأن المحرر الأدبي هو كاتب متخفٍ في اسم الكاتب الحقيقي.

البعض يرى أن فكرة المحرر تلغي قيمة الكاتب ؛ من ناحية أن لا أحد ينكر بأن المحرر الادبي كاتب هو الآخر.

حين يصل الكاتب لقناعة تامة بأن وجود المحرر الأدبي أمر ضروري، و بأن نتاج الكاتب ما هو إلا حقل كبير، و لابد لهذا الحقل مِن يد تجيد الاعتناء به، و تزيينه، ورعايته.

الأمر الآخر هو أن موضوع النشر بالنسبة للعالم الغربي موضوع مشروع حقيقي ، يتسم بالإخلاص و النقاء ، في حين في عالمنا العربي يفوز النشر بأنه التجارة الأولى .

يبقى السؤال: ماذا لو كانت هناك وظيفة تحمل اسم «وظيفة المحرر الأدبي» وهي وظيفة علنية، و لها شروطها التي تتناسب معها، هل سنجد حقا مجموعة من المحررين الأدبيين؟ وهل سيكونون من الكتّاب أم من النقّاد أم سيكتفون بالمتذوفين للأدب؟ وكيف ستتعامل دور النشر مع المحرر الأدبي.

إن علمنا بأن دار النشر تخشى وتخاف التكلفة التي ستجرها فكرة وجود محرر أدبي؟ وهل يتوجب من باب الأمانة والملكية الفكرية وموضوع الحقوق والمصداقية أن يدرج اسم المحرر بجانب اسم الكاتب الحقيقي على غلاف الكتاب؟

* على الهامش :

بالمناسبة لقد تذكرت أمرا أظنه يشبه فكرة المحرر الأدبي وهو حين كنا على مقاعد الدراسة وكانت تطلب منا المعلمة خلق قصة، بعد أن تقوم بتقسيمنا إلى مجموعات وتحدد رئيس المجموعة، ثم تطلب من الرئيس أن يتكفل بمساعدة بقية الأعضاء في الكتابة. الرئيس لا يكتب عن البقية، ولا يعطيهم الكلمات مصفوفة؛ هو فقط كان يقوم بقراءة القصة بعد أن يكتبها كل فرد من المجموعة ويبدأ بتغيير بعض الأمور المذكورة في القصة ويناقش الأعضاء الآخرين، ويعيد صياغة الجمل بأسلوبه الذي لا يخرج عن إطار أسلوب الفرد الذي كتب القصة.