صحافة

الحياة الجديدة: استمتاع.. داخل «الجيب» العسكري الإسرائيلي

03 مارس 2017
03 مارس 2017

في زاوية مقالات وآراء كتب عيسى قراقع، مقالاً بعنوان: استمتاع.. داخل الجيب العسكري الإسرائيلي، جاء فيه:

لا تستغربوا، هي ليست رحلة خارج الخيال، ولا بعيدا في الجمال الطبيعي حيث الجبال والبحار والمحيطات والأشجار والغيوم والسماء المشرقة، هذا كله خارج المألوف في فلسطين المحتلة من الوريد إلى الوريد. هي رحلة الأطفال القاصرين المعتقلين الذين يقادون إلى مراكز الاعتقال والتحقيق داخل الجيبات أو الشاحنات العسكرية الإسرائيلية، وهناك تجري عملية الاستمتاع والتلذذ والنشوة لدى جنود الاحتلال، وهم يمارسون التعذيب والضرب والتنكيل ويتفننون في إيقاع الآلام في أجساد الأطفال، الجنود يستمتعون بالألم، ويسعدون بألم الصغار، ويستمرون بذلك حتى يبلغوا أقصى مراحل النشوة المجرمة. داخل الجيبات العسكرية الإسرائيلية حيث يعتقل الأطفال مقيدين معصوبين مضروبين مهانين في العتمة وبعد منتصف الليل بعد أن يجتاحوا عليهم النوم والنعاس والأحلام الصغيرة، يستمر التعذيب، ليس بغرض جمع المعلومات، وإنما بغرض تهديم أرواح الأطفال وإذلالهم، الجنود يمارسون التسلية بالتعذيب، يقومون بالتقاط الصور مع الأطفال المعذبين، يتفاخرون بذلك، ويحتفظون بالصور، وأصبح لديهم أحقاد واستعدادات وحشية من خلال الالغاء الذهني للآخرين إلى حد اعتبارهم من غير البشر. يقول القاصر عمر أبو فول 16 سنة: داخل الجيب العسكري ضربه الجنود بأيديهم وبالبواريد التي معهم على كافة أنحاء جسمه وبشكل عشوائي، ضربوه ضرب مبرح وبشكل تعسفي مسببين له الكثير من الرضوض في رأسه وصدره، وحدث انتفاخ تحت عينيه من شدة الضرب، واستمر الجنود بالضرب طوال الطريق. داخل الجيب العسكري يتم الدعس على أجساد الأسرى القاصرين، على رؤوسهم ووجوههم بالبساطير ذات النعال الحديدية، ويتم ضربهم بالدبسات والأسلاك المعدنية، يدوسونهم بكل قسوة كلما تحركوا أو صرخوا، تسيل دماؤهم، يفقدون الوعي، الجنود يرون كل ذلك ولكنهم يستمتعون اكثر كلما شاهدوا الدم، ورأوا الضحية تتعذب، انهم جنود مرضى يبحثون عن الإثارة والدراما ويجدونها من خلال هذه العدوانية، دراما تدمير الآخرين، انهم ساديون يعذبون غيرهم كي يبتهجوا فرحا ويرقص الشيطان الذي بداخلهم معهم خلال ذلك. يقول الأسير معتصم عصعوص: هجم عليه الجنود وضربوه بقوة على رأسه بالخوذ الحديدية، ثم امسكوه وجروه إلى الجيب العسكري، وهناك قام الجنود بضربه بشكل تعسفي بزجاجة الغاز المسيل للدموع المصنوعة من الحديد، ضربوه على رأسه فأصيب بجرح عميق تحت حاجبيه، وفوق عينيه، فاضت منه الدماء، ومع ذلك استمروا بضربه وسال الكثير من الدم من انفه وفمه. أفاد الأسير يوسف الشيخ انه داخل الجيب قام الجنود بسبه وشتمه كل الطريق وامسكه احدهم من رقبته وشد عليه محاولا ان يخنقه بهدف إخافته، وكل الطريق كان الجنود يضربون بقوة على جوانب الجيب لكي يهتز الجيب وفي نفس الوقت يهتز جسم ورجل يوسف المصابة وتضرب يمينا وشمالا في أطراف الجيب مسببا له ذلك الكثير من الأوجاع. داخل الجيب العسكري يستخدم كل شيء في التنكيل والضرب والإهانة، اعقاب البنادق، الأيدي، الصفعات والشتائم البذيئة، الأحذية، الكفوف الحديدية، لا ماء ولا طعام ولا علاج، وكلما طالت رحلة النقل داخل الجيب كلما ازداد التعذيب، رأس الأسير بالأرض، قدم الجندي فوق رأسه، القيود مشدودة بطريقة مؤلمة، والمطلوب هو الإذلال حتى الدرجة القصوى، وإيصال السجين إلى حالة مزرية خالية من الكبرياء والقيمة والكرامة، هذا التعذيب ليس لانتزاع الاعتراف، بل لكسر الروح من الداخل، ومن ثم لمتعة الجلادين.

وحسب الخبير في علم النفس فيكتور فرانكل لم يكن الألم الجسمي هو الذي يسبب ايذاء في الغالب وإنما هو الألم النفسي، مما ينتج عن الشعور بالظلم ويتسبب عن اللامعقولية، وان الصفعة التي لا تترك على الوجه علاماتها تستطيع تحت ظروف معينة أن تسبب ايلاما وإيذاء اكثر من تلك الصفعة التي تترك اثرا على الوجه. أفاد الاسير مصطفى أبو الحمص 14 سنة، هجم عليه الجنود عند اعتقاله، انهالوا عليه بالضرب المبرح (شلاليط)، كفوف، دعسوا عليه بأقدامهم، ثم قيدوا يديه إلى الخلف وعصبوا عينيه وادخلوه للجيب العسكري، بطحوه على أرضية الجيب، وضعوا أقدامهم على جسمه وعلى رأسه ووجهه، دعسوا عليه طوال الطريق بأحذيتهم وهم يضربوه على ظهره بشكل مستمر، ويوجهون له اللكمات بأيديهم، ولأن المساحة الموجودة تحت المقاعد الخلفية في الجيب العسكري ضيقة، كان الأسير ملقى في وضعية صعبة، يداه تحت رأسه، وقدماه ملتويتان تحت المقعد ما سبب له أوجاعا رهيبة. ما يجري داخل الجيب العسكري مع القاصرين الأسرى هو تعبير اكبر عن حالة المجتمع الإسرائيلي، التطرف، الكراهية، الفساد الخلقي، العنصرية، الهستيريا والهوس وشيطنة الآخرين، فالجلاد لم يعد شخصا بل صار مجموعة، وبدل ان يكون وظيفة يصبح واجبا وممارسة اجتماعية ويومية، وبدل ان يكون التعذيب والاهانة في السجن يصبح في الحياة العامة حيث الاعدامات الميدانية، الحواجز، ومصادرة الأراضي وحرق الحقول وبناء المستوطنات والاعتقالات التعسفية، والنظر إلى كل فلسطيني بأنه يستحق الموت، فالجلادون المتنمرون تحولوا إلى ظاهرة في إسرائيل، وهنا لا يعود السجن جدرانا وأبوابا مغلقة، بل يصبح مجتمعا بأكمله.

تعذيب القاصرين يبدأ منذ لحظة الاعتقال، اقتحام البيت، تعذيب الأسير ميدانيا وقبل أن يعرف الأسير لماذا هو معتقل، وداخل الجيب العسكري حيث لا كاميرات ولا رقابة تجري حفلة التنكيل والضرب والاستمتاع على يد الجنود أو المستعربين، يولد الوحش من داخل الجلادين، فهذا العنف ضد الأطفال الأسرى هو عنف الاستمتاع بالعنف، هو عنف مرضي أصاب جيش الاحتلال ومؤسساته الأمنية، فلا طهارة في سلاحهم، ولا طهارة في أخلاقهم، يختبئون وراء أقنعة معبئين فكريا وثقافيا بالكراهية، ولإخفاء توحشهم اصبحوا مقتنعين ان الطرف الآخر (الضحية) ليس إنسانا.

الاسير مجد سعيدة 16 سنة، هجم عليه المستعربون والقوات الخاصة عند اعتقاله، انهالوا عليه ضربا بأحذيتهم وأيديهم على رأسه ووجهه وبطنه وظهره، كسروه تكسير، انتفخت عيناه، نزل الدم من انفه وفمه، لم يعد قادرا على المشي، حملوه بالقوة والقوه داخل الجيب العسكري، وهناك استمروا بضربه رغم آلامه ونزيفه، أجلسوه بين اثنين منهم ورأسه بالأرض كل الوقت، وإذا تحرك ضربوه على رقبته ورأسه.

الأديب العربي يوسف إدريس قال: انت لا تشعر بالضرب حين تكون حرا أن ترده، انت تشعر به هناك حين يكون عليك فقط أن تتلقاه، هناك تجرب الإحساس الحقيقي بالضرب، بألم الضرب، لا مجرد الألم الموضعي للضربة، إنما بألم الإهانة، حين تحس أن كل ضربة توجه إلى جزء من جسدك توجه معها ضربة أخرى إلى كيانك كله، إلى إحساسك وكرامتك، ضربة المها مبرح لأنها تصيب نفسك من الداخل.