941719
941719
إشراقات

الأساليب التربويـة.. فــي الشريعة الإسلامية

02 مارس 2017
02 مارس 2017

الأبوان.. ودورهما التربوي -

د. صالح بن سعيد الحوسني -

يزاد الأمر سواء عندما يتخلى الأبوان عن دورهما بترك الطفل فريسة بيد العاملة في المنزل والتي ربما وفدت من بيئة مليئة بشتى صور الإجرام والانحراف وتفتقد للحد الأدنى من مهارات العلم والمعرفة الصحيحة، فتغرس في قلب ذلك الطفل البريء من عاداتها وأخلاقها وفكرها ما يجعل ذلك النشء شخصية غير سوية، وقد تمارس ضده القسوة والشدة والغلظة.

فالأولاد ثروة عظيمة، تحتاج منا إلى كل رعاية واهتمام ومتابعة حتى تصل إلى مرحلة الإنتاج والعطاء لتستفيد منها الأسرة والمجتمع والعالم بأسره.

تعتبر الأسرة التي ينتمي إليها الطفل من أهم العوامل على الإطلاق لصقل شخصيته، وتدريبه على الحياة ليتحمل التبعات الملقاة على عاتقه بنفسه، وليواجه ما في هذه الحياة من ظروف مختلفة؛ بما يكتسبه من مهارات وخبرات ومعلومات يتلقاها من أبويه وأسرته في المقام الأول، ذلك لأن أغلب تلك المهارات إنما يكتسبها الطفل في سنيه الأولى، ومن هنا فإن إحكام الأبوين لمهارات وأساليب التربية لها أكبر الأثر في إنجاح عملية التربية وصنع جيل قادر على تحمل المسؤولية، ومواصلة عملية البناء المطلوبة في هذه الأرض للقيام بالمهام التي كُلف الإنسان من أجلها.

ولا تقتصر عملية التربية على جانب واحد فقط بل إن الأمر أعقد من ذلك فهناك جوانب متعددة في الطفل تستدعي أن تُشبع بما يناسبها من طرق وأساليب ومهارات، وتربية مختلفة حتى تستقيم حياة الإنسان على الطريقة الصحيحة فإغفال شيء من هذه الجوانب أو أحدها له سلبياته وآثاره على سلوك هذا الطفل بعد ذلك، ومن هذه الجوانب التربية الإيمانية، والفكرية، والاجتماعية، والأخلاقية، والجسدية، والشعورية... وغيرها من الجوانب المهمة. ولذا فإن القيام بواجب التربية بمختلف جوانبها مسؤولية كبيرة ومشروع ضخم حري بالوالدين أن يحشدا له كل الإمكانيات المختلفة، وان يتسلحا بكل المعرفة والفهم لما يتطلبه واقع الحال من فهم واسع للتعامل مع الأطفال وفق مراحل عمرهم المختلفة، ووفق احتياجاتهم المتنوعة، لأن المسؤولية تتوجه للوالدين أولا وأخيرا، وبعد ذلك تكون لبقية المؤسسات والفئات أدوار مكملة لدور الوالدين إلا في حالة تخلي الوالدين عن ذلك فإن تدخلا قد يحسم توجيه الطفل وينشأ نشأة غير مناسبة، ولذا قال الشاعر العربي:

وينشأ ناشىء الفتيان منا على ما كان عوده أبوه.

وهناك جملة من السياسات التربوية الخاطئة التي ينبغي على الوالدين أن يبتعدا عنها أثناء التعامل مع أطفالهم، ومنها:

- ممارسة التسلط على الأبناء: ومعنى ذلك أن يتحكم الوالدان أو أحدهما أمام رغبات الطفل التي في الأصل أن يقوم بها بنفسه، والتدخل في القليل والكثير من شؤونه الخاصة، وقد يتخذ شكلا آخر وهو إرغام الطفل على القيام بأمور لا يرغب في القيام بها كإرغامه على أكل طعام معين، أو شرب شراب معين، أو لبس لباس معين، وقد يستمر تدخل الوالدين حتى في اختيار التخصص الدراسي، أو حتى الزوجة ظنا منهم أن في ذلك مصلحة لهم وحرصا على اختيار الأنسب لهم، ونحو ذلك مما قد لا يستسيغه الطفل ولا يتقبله إلا مكرها مرغما؛ وبالتالي فإن آثار ذلك كبيرة وخطيرة من نحو نشأة الطفل إمعة خاضعا ذليلا لا رأي له ولا فكر، يمكن أن ينقاد بسهولة ويتأثر بأدنى مؤثر، وهذا اللون من التسلط يكّون شخصية قلقة تتسم بالخجل وبالتالي يفقد ثقته بنفسه ولا يقدر على اتخاذ قراراته بنفسه، والتصرف الصحيح أن نجعل لهذا الطفل مساحة للاختيار حسبما يريد ويختار مع تحمل نتائج اختياره، ويكون للوالدين دور التوجيه والإرشاد وتعميق القيم والمهارات المختلفة حتى يكون اختياره موفقا مسددا.

- الإهمال وترك الحوار مع الأولاد: ومعنى ذلك أن يتقاصر الأبوان عن التربية والتوجيه والإرشاد، فلا يُشجع على سلوك حسن، ولا يُنبه على سلوك خاطئ، ويقع إهمال لحاجات الطفل النفسية فلا حوار ولا تخاطب بين الآباء والأبناء وكأن احدهما لا يعرف الآخر، ولعل ذلك إنما يعود إلى انشغال الأب أو الأم عن دورهما بسبب كثرة العمل أو السفر، أو نحو ذلك، ويعتري الأولاد شعور بعدم الحب أو الكره من قبل الأب، ويتعاظم الأمر ويتأكد إن صاحب ذلك السخرية والاحتقار من قبل الأب تجاه أبنائه، أو ترك مكافأته وعدم تشجيعه، أو توبيخه ومقارنته بغيره، وهي وسائل تقتل الإبداع في قلب الطفل، ويتخيل حينها أنه منبوذ محتقر لا قيمة له، فيلجأ حينها إلى رفقة السوء عله يجد فيها من ينتشله مما هو فيه من الإهمال والتضييق، وقد يؤول الأمر إلى ترك البيت والخروج منه لأوقات طويلة، وعليه فإنه لا بد من وجود حوار دائم بين الوالدين وأولادهما قائم على المودة والمحبة والاحترام المتبادل والتعهد والعناية المستمرة والسؤال عن الأحوال وتلبية المطالب المختلفة وسد الفراغ العاطفي الذي يحتاجه الأبناء، ونحو ذلك من الوسائل.

ويزاد الأمر سواء عندما يتخلى الأبوان عن دورهما بترك الطفل فريسة بيد العاملة في المنزل والتي ربما وفدت من بيئة مليئة بشتى صور الإجرام والانحراف وتفتقد للحد الأدنى من مهارات العلم والمعرفة الصحيحة، فتغرس في قلب ذلك الطفل البريء من عاداتها وأخلاقها وفكرها ما يجعل ذلك النشء شخصية غير سوية، وكم تطالعنا وسائل الإعلام عن جرائم شنيعة تُرتكب في حق أولئك الأطفال منها ما يتعلق بالجانب النفسي، أو الخلقي، أو الديني، وقد تُرتكب بعض الجرائم الجنسية في حق أولئك الأطفال، لكثرة مكث الطفل أو الصبي بيد العاملة الوافدة، وقد تمارس ضده القسوة والشدة والغلظة، وقد يؤول الأمر إلى قتل الطفل وقد حدث هذا في أحوال معينة، وكل ذلك أمر بالغ الخطورة وقد تكون له آثار سيئة عميقة في نفسيات أولئك الأطفال، وهنا فإن كان لا بد من إحضار هذه العاملات للمنازل ضرورة تحري المناسبة قدر الإمكان، مع المتابعة المستمرة لعملها، وعدم إغفال الطفل بيد العاملة من دون متابعة ونظر من قبل الوالدين، وأن يقتصر عمل العاملة على أعمال البيت وإعداد الطعام ونحوه، وأما مهمة التربية العظيمة فلا يمكن بحال أن تتنازل عنها الأم أو الأب وتنقل للعاملة الوافدة لما في ذلك من آثار كما أسلفت.

- الحماية المبالغ فيها: وهذا لون خاطئ من طرق التربية الفاشلة، فيخيل لبعض الأبناء أنه من منطلق الخوف عليهم وحمايتهم وتلبية احتياجات الأطفال والقيام بمسؤولياتهم تجاه أطفالهم أنهم يقومون بكل شيء بدلا من أبنائهم، حتى صار بعض الآباء يقوم بحل واجبات أبنائه بدلا عنهم، ولا يتركون أدنى مشاركة لأبنائهم إلا ويقومون بها عنهم؛ وذلك في كل صغيرة أو كبيرة، وهو أسلوب خطير يتجلى بوضوح أثره السيئ على نفسية الطفل بظهوره بشخصية ضعيفة غير مستقلة، يعتمد على غيره في أدنى شيء، وعدم قدرته على تحمل المسؤولية، ويظل تابعا لغيره طيلة حياته، والصحيح أنه ينبغي أن يُعود الطفل شيئا فشيئا على الاعتماد على نفسه، وأن يقوم بأعماله بنفسه، ويتابع في ذلك، فإن أجاد شُجع على ذلك، وإن اخفق نُبه وكرر له التوجيه حتى يستقيم حاله وأمره.

- عدم المساواة في التعامل: أي بين الطفل وإخوانه في البيت الواحد فترى بعض الآباء أو الأمهات يقدمون أحد الأبناء على إخوانه ويميزونه بشيء من الهدايا والأعطيات، أو الاحترام والتقدير أو التشجيع أو المعاملة، أو يفضلون الأولاد في التعامل على البنات، ونحو ذلك من الصور المختلفة... وهذا أمر في غابة الخطورة فهو يهيج الأحقاد والأضغان في نفوس الأبناء، ويولد الحسد والبغض بين الأبناء، ويمتد أثره للطفل الذي يفضله أبوه فيشعر بالفخر والخيلاء، ويسري فيه داء الأنانية الخبيث، ونحو ذلك من أفات النفس، ومن هنا فإن الواجب على الوالدين الحرص التام على مراعاة نفسية الأبناء بعدم تفضيل أي منهم على حساب الآخر، فالمعاملة، والعطايا والمنح تكون متساوية للجميع، وهو ما دلت عليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه من يشهده على عطية لأحد أولاده فسأله النبي الكريم: «أكل أبنائك أعطيتهم مثل هذا؟» فقال: لا، عندها غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «لا تشهدني على جور» أو نحو ذلك وهو ما يدل على أن عدم المساواة بين الأبناء جور وظلم وحيف يجني الجميع ثماره المرة، وأثاره المدمرة. - ترك التشجيع والتحفيز: والطفل كائن يمتلئ بالمشاعر والأحاسيس، ومن حقه أن يكافأ على جهده وانجازاته التي يقوم بها بما يناسبها حتى يتواصل ذلك الإنجاز ويستمر، ويجد ما يقابل همته من التشجيع والهدية ونحوها، والأخطر من ذلك أن يستولي على الوالدين كثرة الانتقاد والصراخ في وجه هذا الطفل فإن أنجز مهمة، أو أبدع في موضوع، أو أحسن تصرفا، قابل كل ذلك باستهجان وعدم اكتراث من قبل أبويه، فتقع الصدمات تلو الصدمات لهذا الطفل، ويشعر أن عمله لا قيمة له، فيتأثر سلبيا، وتضعف همته، وتقل عزيمته، وهذا أمر ينبغي أن يحرص عليه الأبوان دائما فالتشجيع والتحفيز، ورفع الهمة، والهدية المادية والمعنوية بين الحين والآخر وعند القيام بالأعمال الجيدة والحسنة ضرورة ملحة في تربية الأطفال حتى يشعر الطفل بقيمته ومكانته بين أفراد الأسرة والمجتمع، فيتجه نحو الفضائل ومعالي الأمور ويجد من يفرح بأفعاله وسجاياه الحسنة، فيستمر من غير فتور وانقطاع نحو معالي الأمور.

وختاما فإن الأولاد ثروة عظيمة، تحتاج منا إلى كل رعاية واهتمام ومتابعة حتى تصل إلى مرحلة الإنتاج والعطاء لتستفيد منها الأسرة والمجتمع والعالم بأسره.