أفكار وآراء

فكرة ترامب «الجديدة» للشرق الأوسط !

01 مارس 2017
01 مارس 2017

جاكسن ديل - واشنطن بوست -

ترجمة : أحمد شافعي -

استعرض دونالد ترامب حطام عقود من الدبلوماسية الإسرائيلية الفلسطينية الفاشلة، ونظر في العالم المليء بالتحديات التي على إدارته أن تواجهها، وبطريقة ما خلص إلى أنه... سوف يكون الرئيس الذي يتوسط وصولاً إلى اتفاقية شاملة في الشرق الأوسط، فقال في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو: «إنها قد تكون أكبر وأفضل مما يفهم الحاضرون في هذه القاعة».

ما الذي في الأراضي المقدسة يلهم بهذه القدرات الفائقة؟ لعل السؤال نفسه ينطوي على إجابته. على أي حال، طموح ترامب الدبلوماسي الهائل ليس فريدًا من نوعه. بل إنه في واقع الأمر ينطوي على تشابه لافت مع جون كيري وباراك أوباما. يبدو أن غواية جائزة السلام الإسرائيلي الفلسطيني تلهي الرؤساء الأمريكيين وتغريهم بعدم رؤية الأوضاع القائمة على الأرض، وبالصمم دون ما تحذيرات الخبراء والمستشارين من أن أي مبادرة كبرى منذورة بالفشل، كما تغريهم بالإيمان غير المنطقي بأن امتلاك أمريكا استراتيجية جديدة للسلام كفيل بتحقيق النجاح فجأة.

في الوقت الذي وصل فيه باراك أوباما إلى السلطة سنة 2009، كانت توقعات الاتفاق على دولة فلسطينية محتضرة بالفعل، وذلك إلى حد كبير بفضل قيادات الطرفين: نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس اللذين كانا -علاوة على عدم التقدير المتبادل بينهما- غير مستعدين لتقديم التنازلات اللازمة، وغير قادرين على ذلك سياسيًا. والآن بعد مرور ثماني سنوات، لا يزال الاثنان في موضعيهما، لم يطرأ عليها من التبدل إلا أنهما ازدادا ضعفًا وعنادًا من ذي قبل.

لا داعي للقلق، هذا ما خلص إليه أوباما، متصورًا أن بوسعه أن ينجح في ما فشل فيه الآخرون، من خلال ممارسته شيئًا من حب الولايات المتحدة القاسي على إسرائيل، بمطالبتها ابتداء بتجميد كامل لبناء المستوطنات في الضفة الغربية. وهذا بالإضافة إلى وجوده في العالم الإسلامي كفيل بالتوصل إلى اتفاقية سلام في غضون سنتين.

وسرعان ما فشلت خطة أوباما لنفس السبب الذي حذر منه الخبراء، وهو أن الضغط الأمريكي لن يحفز إسرائيل مطلقًا على التجميد الكامل لبناء المستوطنات. وأن ذلك منح عباس المبرر الذي كان يبحث عنه لرفض المفاوضات.

ثم جاء كيري فكانت نظريته هي أن كلا الطرفين سوف يمثلان لما تراه واشنطن شروطا محتومة للتسوية. وإن كل ما كانا يحتاجان إليه هو شخص -مثل كيري نفسه- لديه من المهارات السياسية والتفاني الذي لا يكل ما يجعلهما يقبلان. وبعد سنة منهكة أخرى، ثبت أن الخبراء كانوا مرة أخرى على حق، فلا نتانياهو ولا عباس قبلا بالإطار الأمريكي، ولو كقاعدة غائمة لمزيد من المفاوضات.

وها هو ترامب الآن، يبدو أنه يتصور مثل أوباما أن الولايات المتحدة ينبغي أن تحد من التزاماتها العالمية وتتوقف عن محاولة بناء الدول إلا في ما يتعلق بالإسرائيليين والفلسطينيين. ومرة أخرى يطلق الخبراء تحذيراتهم: «من سوء الحظ أن الظروف الآن غير مواتية لاتفاقية سلام في ضوء وجود هوة غير مسبوقة بين الجانبين» بحسب ما قال خبيرا الشرق الأسط ديفيد ماكوفسكي ودينيس روس. فـ«الإسرائيليون والفلسطينيون في هذه اللحظة لا يعتقدون أن السلام ممكن أو حتى مرغوب فيه» بحسب ما كتب خبير آخر هو مارتن إنديك.

ليس مهما، يقول ترامب: فلديه مفهوم جديد. والحق أنه مفهوم قديم دفع به نتانياهو الذي اقترح في العام الماضي أن تؤسس إسرائيل على مصالحها المشتركة مع دول مثل مصر والأردن وغيرهما التي تشاركها التركيز على احتواء النفوذ الإيراني وتدمير الجهاديين الإسلامويين. وبالتوازي مع ذلك قد تتفق هذه الدول على صفقة سلام تعترف بموجبها الأنظمة الحاكمة الإسلامية أخيرًا بإسرائيل في مقابل تنازلات للفلسطينيين.

«إنه شيء مختلف تماما، لم تتطرق إليه المناقشات من قبل» هكذا كان تعليق ترامب. «وهي صفقة أكبر بكثير في واقع الأمر، وأهم بكثير، بمعنى ما. وسوف تضم الكثير، والكثير من الدول، وسوف تغطي مساحة شاسعة للغاية».

والواقع أن الفكرة ترجع إلى 2002 حينما اقترحت السعودية في مقابل علاقات مع إسرائيل انسحابا من المناطق المحتلة، وتبنّت الجامعة العربية الفكرة التي أصبحت معروفة بـ(المبادرة العربية). ولكن عدم تحرك الفكرة منذ ذلك الحين قيد أنملة أمر له دلالته: وهي أن الحكومات العربية غير مستعدة للتفاوض بالنيابة عن الفلسطينيين، وليست مستعدة طبعا لإقرار شروط من شأن عباس أن يرفضها. وهذه العملية كلها لا يمكن أن يكتب لها النجاح ما لم يتوصل الإسرائيليون والفلسطينيون بالتزامن معها إلى اتفاق، وهو ما لا يقدرون عليه الآن وما لن يحدث.

يقدم ماكوفوسكي وروس اقتراحًا معقولاً: بدلاً من السعي إلى صفقة كاملة في الشرق الأوسط، ربما يجدر بالإدارة الأمريكية الحالية أن تجرب الحلول المنفردة. وأحد هذه الحلول قد يتمثل في إقناع نتانياهو بقصر الاستيطان على المناطق الواقعة داخل الحاجز الأمني الذي أقامته إسرائيل قرب حدودها مع الضفة الغربية، ومنها أيضًا حمل الفلسطينيين على إيقاف دعم عائلات المقاتلين الذين ينفذون أعمال عنف ضد الإسرائيليين. وقد تؤدي خطوات تدريجية كتلك إلى خلق مناخ دبلوماسي أفضل وتحافظ على أقل تقدير على خيار الدولة الفلسطينية في المستقبل. وطبعا لن يكسب ترامب من جراء ذلك جائزة سلام أو حقًا في التباهي، ولكنه سوف يتجنب أن يكون خاسرًا آخر من خاسري الشرق الأوسط.