أفكار وآراء

التجارة البينية هي الحل

01 مارس 2017
01 مارس 2017

مصباح قطب -

[email protected] -

العناوين العامة لا تقدم الكثير فأن تقول مثلا إن المنطقة العربية زاخرة بالقدرات والإمكانات أو أن تقول إن افريقيا هي الوعد وهي الأمل أو تقول الصعود الآسيوي سيستمر الخ لا يقدم للمتلقي إرشادات أو اتجاهات مؤثرة ومن هنا تكمن أهمية القراءة الداخلية لأي منطقة أو حتى بلد لنتعرف على واقعها والقدرات الكامنة فيها والعوامل اللازمة لإطلاق تلك القدرات وآليات توظيفها وقياس تقدمها الخ ليكون للكلام مبنى ومعنى بالفعل ، كل ذلك جال في خاطري خلال حضور لقاء إعلامي منذ أيام تحدث فيه الدكتور بندكت اراما رئيس البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد (افريكسيم ) وعدد من قادة البنك عن نشاط البنك من جهة وعن التحديات والفرص الموجودة في أفريقيا بصفة عامة من جهة أخرى، وعلى الرغم من المتابعة المستمرة مني كمحرر اقتصادي لما يدور في افريقيا وفي غيرها بحكم المهنة إلا أن الصدق الذي كان يتحدث به الدكتور بندكت ومعاونوه والزاوية المهمة التي أشاروا إليها قد تركت بصماتها على جميع الحضور في اعتقادي .

تأسس البنك في عام 1993 برأس مال مرخص 5 مليارات دولار وقد شارك في التأسيس والمساهمة في رأس المال 41 دولة من بينها مصر وبنوك مركزية في دول أفريقية ومؤسسات تمويل إقليمية ودولية ومستثمرين ويقع مقره الرئيسي في منطقة مصر الجديدة بالقاهرة، وقال الدكتور بندكت انه يتطلع أن تقوم وسائل الإعلام بما لها من قوة وسلطة وقدرة على التقييم والتغيير بان تزيح الصورة التي تحاول الميديا الغربية ترسيخها ألا وهي أن أفريقيا هي قارة المعارك الأهلية والفقر والفساد والأمراض مضيفا أن أفريقيا تنهض ولم يعد أي متابع منصف يجادل في ذلك وذكر أن عاملا مهما من عوامل تسريع النهوض الأفريقي هو تدعيم التجارة البينية بين دول القارة وبعضها البعض وضرب مثلا بأوروبا التي تتجاوز تجارتها البينية 60% من إجمالي تجارتها الخارجية وآسيا عموما التي تبلغ تجارتها البينية اكثر من 50 % بينما لا تتعدى التجارة البينية الأفريقية 14% ، والمستفاد من هذه الإشارة أن نمو التجارة البينية بين دول الكتل الإقليمية المختلفة هو علامة على التقدم وأداة له ايضا بمعنى انه كلما تقدم التصنيع وتقدمت البنية الأساسية والنقل واللوجيستيات ووسائل الاتصال والخدمات المصرفية القارية كلما زادت التجارة البينية والعكس بالعكس ، والمعروف ان قوى من مختلف الاتجاهات السياسية كانت تجادل كثيرا بشأن مزايا التجارة وعن نفسي أفهم فعلا أن التجارة التي تتم تحت ضغوط من الدول المتقدمة وبأشكال من عدم التكافؤ والظلم في فرض نمط غير عادل للتخصص الدولي كل ذلك مرفوض بالفعل غير أن التجارة البينية الإقليمية وبصفة خاصة في تكتلات متقاربة مؤكدا المنفعة، وكان مثيرا للغاية ان يؤكد رئيس بنك التصدير والاستيراد انه على مصر ألا تركز كثيرا على السياحة فهي صناعة هشة تؤثر فيها بقوة عملية إرهابية أو سياسية هنا أو هناك وأولى بمصر التي تملك قاعدة صناعية جيدة أن تعنى بالتصنيع والتصدير وإذا فعلت وهي بالفعل تتحرك بقوة على هذا المسار بعد أن تأخرت طويلا وعقب قيامها بالإصلاح الجريء لأسعار الصرف فان صادراتها إلى أفريقيا ستقفز من نحو أربعة مليارات دولار سنويا حاليا إلى عشرة مليارات في غضون مرحلة قصيرة وستتضاعف على المدى الطويل .

رئيس البنك الذي أكد مرارا انه رجل سياسة وانه ينحي عواطفه جانبا ومن تلك العواطف حبه الشديد لمصر كما قال فانه يرى أن تسهيل التجارة بين مصر وأفريقيا وتعزيز التبادل التجاري بين دول القارة بصفة عامة هو مدخل مفيد وقوي لتطوير البلاد الأفريقية وأيضا دعم تنافسية أفريقيا كلها مع الدول والتكتلات الأخرى .

وأكدت البيانات التي تم عرضها خلال اللقاء ان البنك الأفريقي قدم تمويلات للعديد من الدول في ظروف صعبة حين هبطت أسعار السلع الأولية وأحدث ذلك اختلالات هيكلية في دول كثيرة في القارة تعتمد على هذه السلع ، قدم تلك التمويلات في الوقت الذي أحجمت فيه مؤسسات عالمية عن التمويل ما يدل على أمرين أولا أن الأفارقة هم الأكثر علما بظروف قارتهم وثقافة الأعمال فيها وثانيا ان الإحجام عن التمويل هو خطر يمكن ان يهدد المشروعات المهمة في أفريقيا وبالتالي يتعين ان تكون هناك مؤسسات تمويل أفريقية قوية وقادرة علي القيام بالمهمة حين يحجم الآخرون .

وقد لفت نظري أيضا انه مع كثرة الحديث عن مخاطر التمويل في أفريقيا وصعوبة حصول الموردين والمصدرين على مستحقاتهم فان بنك التصدير الذي قدم لمصر وحدها 40% من إجمالي القروض ونحو 35% من إجمالي التسهيلات أكد انه لا توجد حالات تعثر أو تخلف عن السداد وهذا يدل على أن مؤسسة التمويل الأفريقية التي تعرف القارة جيدا نستطيع أيضا ان تقلل المخاطر الى أبعد حد كما تستطيع أيضا ابتكار برامج وأدوات تكون اكثر ملاءمة لمتطلبات المنتجين والمصدرين والأفارقة عما يقدمه سواها وربما لم تكن صدفة قيام بنك افريكسيم بإطلاق برنامج مواجهة تقلبات الأسواق لإدراكه مدى الآثار التي خلفها الإرهاب وهبوط أسعار النفط، مثلا على دول القارة وبمقتضى هذه البرامج يتم تقديم سيولة للبنوك المركزية او البنوك لتمكينها من الوفاء بالالتزامات في الوقت الصعب الى أن تتغير الأمور وايضا ابتكار برامج تمويل بعملة محلية وبرامج لتخصيم الأوراق التجارية وأذون الدفع وضمان مخاطر الائتمان فضلا عن تقديم الاستشارات المالية والفنية المختلفة وبصفة خاصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ، وتبين أن واحدا من أهم العوائق التي تحد من انطلاق التعاون الأفريقي هو عدم تطبيق الاتفاقيات القائمة للتجارة والاستثمار بشكل كامل او منضبط ووجود قيود من الإنتاج والهيكلة على عملية التصدير وصعوبات الانتقال بسبب التقسيمات الموروثة من العهد الاستعماري وفي المحصلة فان الواقع العملي يقول إن نقل 1200 حاوية من بلد الى آخر يتطلب ملء نحو 800 ألف صفحة وكل صفحة بها توقيعات وأختام وبالتالي فان مزيدا من التبسيط يعني المزيد من تدفق السلع والخدمات عبر القارة وكان من الأخبار الجيدة الإعلان في اللقاء عن إطلاق معرض للتجارة البينية الأفريقية في 2018 .

إن من الطريف أن أكبر دولة مصدرة لأفريقيا من أفريقيا هي جنوب أفريقيا وتليها مصر أي أن قطبي القارة من أقصى الشمال وأقصى الجنوب هي الأكثر فاعلية ويترتب على ذلك التأكيد على أهمية وصل قطبي الشمال والجنوب ببقية القارة ومن ثم فان مشروع طريق القاهرة يكتسب أهمية فائقة وكل ما بقي فيه هو وصلة في السودان وأخرى في أثيوبيا كما يكتسب أيضا مشروع النقل عبر نهر النيل من الاسكندرية إلى بحيرة فكتوريا أهمية شبيهة وان كان الأخير لا يزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات والمساندة .

إن من حسن الحظ أن من حرصوا على تقديم أفريقيا طوال الوقت كقارة للموت والصراعات بل ولعبوا أدوارا لم تعد خافية لتأجيج الحروب الأهلية في القارة أدركوا الآن ان لهم مصلحة في دفع التنمية بالقارة من اجل صد موجات الهجرة الى الشمال او السيطرة عليها ولم يعد خافيا كيف تتزاحم دول على افريقيا من مداخل مختلفة ، حيث هناك الصين وأمريكا وفرنسا وكندا والبرازيل وإيران والسعودية وإسرائيل، وبات أهل القارة يعرفون أكثر من معهم ومن عليهم بيد ان بناء أفريقيا القوية الناهضة لن يتأتى إلا على أيدي أبنائها.