yesra
yesra
أعمدة

ربما: « لا تذبح قلبي مرتين

01 مارس 2017
01 مارس 2017

د. يسرية آل جميل -

يوم ما

شعرتُ أن بيني وبينَ الموتِ خُطوة

فكتبتُ وصيتي

كنتُ أرتجف كطيرِ ذبيح

وأنا أخطُّ سطُورها

شريط حياتي يمرُّ أمامي

راودتني أشياء كثيرة

كان أهمُّها

كيفَ سيستقبل الآخرون نبأ وفاتي

مَن سيحزن على فِراقي

مَن سيبكيني بعدَ أن ألحدَ في قبري

مَن سيدعو لي بالثباتِ عندَ السؤال

مَن سيذكرني

بعدَ مُضي أيام.. شهور ..سنوات

على وَفاتي

أمي .. هُو.. صديقاتي..

أمي

كيفَ ستستقبلُ النبأ

بالصبرِ الذي تُوصيني به دوما

كُلما فقدتُ عزيزاً

أم بالنحيب الذي كُنت أمارسه أنا

كُلما انتزعت مني الدُنيا

أي شيءٍ أحب

أنا أعَلم أن الكُل سيبكيني

رُبما يوم ..اثنين ..شهر

لَكن أمي ستبكيني كثيراً

أمي سيجنُّ جُنونها

كيف طاوعتهم قلوبهم

أن يحثو التُراب فوقَ ابنة عُمرها

أمامَ مرأىً منها

أمي الوَحيدة التي ستبكي مَوتي مرتين

مرةً لأنه حَرمني مَن أحب

و مَرةً

لأن قلبها

الذي كان ينتظر أن يزفني في يومٍ ما إلى

حبيبي

أغلى من سكن قلبي

يزفني اليوم إلى حضنِ القبرْ

دُونَ أن تتحقق لي هذه الأمنية اليتيمة

لأن قلبها

الذي كان يقوم الليل

يرفع يديه إلى السماء

يسجدُ كُل وقتْ

مع كُل زخةِ مَطر

عندَ السفر

عندما يعلو الأذان

وقت الصيام ..وقت الفِطر

قلبها الذي لم يتوقف عن الدعاء لي

أن يَجمعني الله بِمن أّحب

تزفني إليه في ثوبي الأبيض

تُوصيه بيِ خيراً

بأبرِّ من أنجبت

وَأحن مَن ربَّت

وأن تحمل بينَ يديها أطفال أحلامي

الذين انتظرتهم بفارغِ العِشقِ و الأمَلْ منه

وتفننت معي في انتقاءِ أسمائِهم

عُمر ..نَجد..نجُود

ورسَمت لي بأمومتها

طُرق تربيتهم

يشهدُ موتَ البَطلة

وحينَ تموت ُ البطلة

في أي حكاية

تموتُ كُل الحكاية

لأن قلبها

الذي كان يرقبُ تصرفاتي

سعادتي

تقاسيم وجهي التي كانت ترقص فرحاً

كُلمَا حدثتها عنه

عن تفاصيلي مَعه

حُبه لي

احتوائه لجنُوني ..غِيرتي عليه

حنان الكَون الذي يسكن قلبه

رُجولة العَالَم التي اجتمعت فيه

أماني..حِمايتي ..شعُوري بأن إلى جانبي

رجلاً

يقودني بخُطُواتٍ واثقة إلى السَماء

فيضعني موضعِ النجوُم

التي لا تنظر إلى الأسفل

أبداً

قلبها الذي كان يستمعُ إليَّ

إلى حديثي عن الأماكِن

كُل الأماكن التي ستشهد مَولدي مِن جديد

الأماني التي غرستها لأجملِ أيامي

شَهر العَسل

شقة الحُرية

يُعلن اليوم حِداده

فلم يعد يرى في الحياة

بعدَ رحيلي

أي معنىً للحياة

لأن قلبها

يَعلم أن المَوت سَرقني مِن هذه الدُنيا

سرقَ شبابي

أحلامي

أغلى أمنياتي

فجأة ..دونَ مُقدِّمات

بِلا استئذان..

أمي

لاتحزني

من يدري ..فلعل

من حَرمتني مِنه الحياة

قد تَجمعني به حياة

أخرى

أنقى مِن عَالمنا هذا ..بكثير

إليه حيثما كان:

دَعني أعترفُ لك

كُلما أشعرتني بضعفِ الأمل

أتمنى أن أموت

أدفن قبلك

قبلَ أن يأتي يوم أبحثُ فيه عَنك

فلا أجدك

لأن مِثل هذا الموت ..موتٌ جميل

أهون بكثير من أن

أعيش بينَ الأحياء كالأموات

وأمانة عليك

إذا وصلك النبأ

لا تبك عَليّ

ادفني

اغمض عيني بيدك

ضُمَّني إلى صدرك

للمرة الأخيرة

قبِّل جَبيني

هدئ ارتعاشة قلبي

فليسَ أصعب من أوِّل أيامِ الفِراق

ادع لي

اوصِ الملائكةِ بي خيراً

وإياكَ أن ألمح الدموع في عينيك

سافر

إلى كُل الذكريات التي جَمعتني بِك

احتضنِي بقاياي

صُوري.. رسائِلي.. لوحةٌ باكية

كتبت لك فوقها

أحبك يا « نظر عين بنوتتك «

بجنون

فلن أتحمل أن تذبح قلبي مرتين

مرةً ..حينَ تخليتَّ عني

ومرةً وأنتَ تبكي رحيلي

نحوَ الغيابْ