fawzi
fawzi
أعمدة

أمواج: وما يتذكر إلا أولو الألباب

01 مارس 2017
01 مارس 2017

فوزي بن يونس بن حديد -

[email protected] -

ما أجمل أن تجلس مع ربّاني يعطيك من طرف اللسان حلاوة وطلاوة، ويمنحك من نفحات الروح ما يريح نفسك ويغنيها عن الشهوات، يسبح بك في فضاءات اللا مكان واللازمان عبر موجات من السحر الكلامي والبيان اللغوي، يخرجك من جو المادة إلى جو الملائكة لترى نفسك من خلال تلك الإشارات التي تشبه إشارات المرور في الطرقات، فبينما أنت تمشي في الدنيا تائها، تحسب نفسك أنك على الطريق المستقيم وإذا بك تصطدم بأول جدار وتمتحن نفسك وتجدها بعيدة عن معاني التنزيل في القرآن.

ومع هذه الأجواء العظيمة مع القرآن الكريم تحسب نفسك أنك في عالم آخر غير عالمك، لأنك ترى نفسك من خلال ما يقوله المتحدث الرباني، ترى عيوبك، ترى موجات النقص في نفسك، ترى أنك إنسان يخطئ ويصيب، ترى إنسانا لم يفهم القرآن جيدا، لم يضع يده على الجرح ليبرأه، بل إنه يقول في نفسه يا ليتني أفهم القرآن كما يفهمه المتحدث حتى أستطيع أن أطبق ما جاء فيه، لأنه النور الذي أنزله الله سبحانه من فوق سبع سماوات، وهو الذي يضم في جنباته كل الحلول لكل المشكلات مهما بدت كبيرة إذا عظمت خالقك في نفسك، واستشعرت مراقبته لك في كل مكان وفي كل ثانية لأن عظمة الخالق تكمن في استخلاص العبادة له.

ومن شأن هذا الاستشعار أن يحدث انقلابا واضحا في النفس فيجعلها قريبة من الله تبارك وتعالى، فتسكن الجوارح وتخشع لأمر الله وتسير في ملكوت الله لتستكشف طبيعة الإنسان أنه مخلوق ضعيف لا حول له ولا قوة إلا من خلال الاعتقاد أن الله عز وجل عظيم في ذاته، عظيم في خلقه، يري الإنسان معجزاته وقوّته وجبروته وأنه القادر على كل شيء، فلا يحتاج إلا أن يؤمن الإنسان بالله العظيم ويسير في هذه الحياة على بصيرة من الله، ومن عجائب الكون أن الله تعالى خلق الكون وأخضعه لجبروته وجعل مراقبته مراقبة دقيقة من أساسيات وجوده على هذه الشاكلة.

ومن عجائب هذه الجلسات الروحانية أن تنقلك إلى عالم الغيب، فمن كان يعاني من عدم تحقيق أمنية في حياته حتى لو كانت دنيوية عليه أن يعلم أن المسار سهل والطريق سالك وما عليه سوى اتباع 4 نقاط أساسية وهي التسبيح والاستعاذة والاستغفار والطلب، ولكي تتحقق هذه الأمور وفي أقصر مدة في الحياة لا بد عند القيام بهذه الأمور من الاستشعار أن الله عز وجل رقيب على كل فعل تقوم به، وعلى كل كلمة تنطق بها، وعلى كل خطوة تخطوها، فالحياة جملة من العُقد، فما انفكت عقدة تحل مشكلة.

فعلا تستحق هذه الجلسات أن تبقى حية على طول الأزمان، ولن تبقى حية إلا إذا عهدت النفس بالرعاية والإحاطة بما جاء بشكل دقيق، لأنها تبقيك في دائرة القرآن الكريم وتحرص على أن يكون الإنسان يعيش مع القرآن الكريم في جميع مراحل نموه، فيكون قويا به، وبدونه لا شك يفشل في أداء مهامه ومسؤولياته، إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون، إنه الذكر المبين، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ. فالقرآن الكريم هو الشافي لما في الصدور إذا تمعنا في الآيات الكريمة وحاولنا أن نستكشف الأمر ونحكي أسرار ما خفي. الرباني ترى النور في وجهه مبتسما، يحل عليك ضيفا خفيفا، يبث في نفسك الطمأنينة وكأنه الطبيب الذي يعاين مرضك، ويغرس فيه الدواء ليصبح معافى قلبا قبل الجسد