ahmed-al-f
ahmed-al-f
أعمدة

نوافـذ: «تابوهات» المجتمع .. لم تعد كذلك

28 فبراير 2017
28 فبراير 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يشكل الحديث عن الجنس ربما أكبر هذه الـ«تابوهات» التي تحظى باهتمام غير عادي، ولذلك أحيط هذا الأمر في ثقافة المجتمع بالكثير من السرية، وبالكثير من الحذر، وأنزلت المرأة في هذا الخندق أسوأ منزلة، للأسف الشديد، وحتى عهد قريب كان ذكر المرأة مقرونا بعبارة «تكرم حرمة» من شدة إغراق هذا المفهوم في الذاكرة الجمعية، ولكن لأن جل المفاهيم الإنسانية – على وجه الخصوص – قابلة للتغيير، والتبدل، وهذا من أثر ارتقاء وعي أفراد المجتمع، ومراجعاتهم لكثير من الثوابت، وتعديلها وما يتفق مع متطلبات العصر وضرورياته، فإن الحديث عن الجنس واحد من هذه المفاهيم التي بدأ أفراد المجتمع بتجاوزها ونقلها من خانة هذه الـ«تابوهات» والتعامل معها كأي فعل إنساني مقبول، له سلبياته وإيجابياته، له مخاطره وفوائده، له مؤيدوه ومنتقدوه، وله مساحته التي يتسع فيها النقاش ويحصر في جوانب ضيقة في آن واحد عند آخرين، المهم لم يعد ينظر إلى الحديث عن الجنس بالكثير من الأهمية كأحد هذه الـ«تابوهات»، ولذلك اليوم يأتي الحديث مشاعا في كثير من جوانب هذه المسألة، وهناك برامج إذاعية وتلفزيونية تشرح كل ما يتعلق بالجنس، وينظر إليه من خلال هذه البرامج كأحد المناخات العلمية التي يجب أن توضح جوانبها المختلفة للجميع، تفاديا لمشاكل كثيرة كانت تحصل من جراء التعتيم الشديد عن الحديث عن هذه الجانب الإنساني، العاطفي، المشاعري؛ سمه ما شئت.

قبل أيام انتشر مقطع صوتي بثته إحدى الإذاعات المحلية تتحدث فيه أخصائية عن هذا الموضوع من جوانب علمية بحتة، وعلى الرغم من تعظيم فائدته، حيث وقفت على الكثير من الإشكاليات التي تحدث بين الزوجين من سوء الفهم الموجود لديهما حول هذا الجانب، وفي ذلك تعضيد للمعرفة لحياة الزوجين، وانتشر هذا المقطع، كما «تنتشر النار في الهشيم» عبر الـ«واتس آب»، لأن هناك الكثيرين، ربما، الذين لا يزالون مسكونين بهذا الهاجس «الجنس» قيموا هذا المقطع على أنه خروج عن أعراف المجتمع، مع أن الذي بثته إذاعة محلية، وفي تصوري الشخصي أن ترويج المقطع بهذه الصورة لا يزال يعكس إشكالية موضوعية في ذات الفهم في هذا الجانب، حيث يفترض أن أفراد المجتمع قد تجاوزوا هذه الـ«محنة» إن تجوز التسمية، لأن نزع مثل هذه المفاهيم من الذاكرة ليس أمرا يسيرا، لذلك يمكن وصفها بـ«المحنة»، فالمجتمع لا يزال يتكور على كثير من قناعات أفراده المتوارثة، واليوم مع فعاليات معرض مسقط للكتاب ينتشر مقطع من رواية لإحدى الكاتبات، تضمن شيئا عن الجنس، حيث صورت بعض فقرات الرواية ووزعت أيضا مع تعليقات غير رشيدة، حيث نظر إلى هذه الفقرات على أنها مشهد جنسي غير مقبول، كما حدث من قبل في دورات معرض الكتاب السابقة، حيث سحبت روايات من منصات البيع لذات السبب.

الفكرة هنا أخطر؛ لأن هناك الكثيرين من أفراد المجتمع لا يزالون ينزلون الحديث عن الجنس، وأي شيء يشير إليه كتابة، أو رسما، على أنه إيحاء متجسد لحقيقة الممارسة، وبالتالي فهذه تضرب في عمق القيم التي يؤمن بها أبناء المجتمع، ويرون فيها سلامة المجتمع من التلوث، وكأن الجنس هو الوحيد الذي يمكن أن يلوث هذه القيم ويضرب برصانتها عرض الحائط، ومما يؤسف له حقا أن هذه الثقافة التي يتبناها البعض تمارس خداعا بصريا ممقوتا، وتتهادن بصورة مباشرة مع قناعات الكثيرين أيضا، وبالتالي يمارس كلا الطرفين نوعا من الـ«الخيانة البصرية» لأن ما يخفى عن المساحة الأفقية للرؤية شيء تشيب منه الولدان، وهنا الخطورة أكبر.