أفكار وآراء

مؤتمر ميونيخ .. والبحث عن حلول لأزمات العالم!

25 فبراير 2017
25 فبراير 2017

سمير عواد -

يرأس السفير الألماني فولفجانج إيشينجر(70 عاما)، مؤتمر ميونيخ للأمن منذ عام 2008، لكنه لم ير خلال فترة عمله الطويلة في السلك الدبلوماسي التي بدأت قبل أربعين عاما، الأوضاع العالمية بهذا الشكل المعقد في المرحلة الراهنة خاصة بعد انتخاب دونالد ترامب. فقد زاد عدد الأزمات والنزاعات الخطيرة في أنحاء العالم، من فلسطين مرورا بسوريا والعراق إلى اليمن وإيران، ومن جنوب وجنوب شرق أوروبا إلى الشرق الأدنى وبحر الصين.

ولا يكاد يمر يوم واحد، دون أن تصدر تهديدات وتصريحات استفزازية من قبل السياسيين في تل أبيب وواشنطن وموسكو وغيرها ، لتذكر شعوب العالم، بأن العالم يشهد أزمات أصبح عددها يزيد بكثير عن عددها إبان الحرب الباردة بين الشرق والغرب.

وبينما توافد في الأيام الماضية أكثر من خمسمائة من رؤساء ورؤساء حكومات العالم ووزراء الدفاع والخارجية والخبراء الاستراتيجيين وأكثر من ثلاثة آلاف صحفي على فندق «بايريشين هوف» في مدينة ميونيخ الألمانية ، لحضور الدورة 53 لمؤتمر الأمن في ميونيخ، الذي يُعتبر ثاني أهم تجمع دولي بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وكان إيشينجر يأمل بأن تكون فعالية هذا العام، حدثا مدوياً لأن الظروف تسمح بذلك. ففي ضوء انتخاب ترامب وازدياد عدد النزاعات والأزمات في أنحاء العالم، وجه رئيس المؤتمر دعوة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي لحضور المؤتمر واستغلال منبره ليشرح سياساته ويحدد أهدافها، ليزيل الضباب عن نهجه خاصة بعد تصريحاته المثيرة للجدل حول علاقة واشنطن في المستقبل مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وحيال نزاع الشرق الأوسط وغيرها من القضايا والنزاعات الملحة.

وبينما ضرب ترامب دعوة إيشينجر بعرض الحائط، أوفد نائبه مايك بينس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، إلى ميونيخ، كما كان مقررا أن يرافقهما مايكل فلين، مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، لكنه استقال قبل ذلك بوقت قصير بعد الكشف عن اتصاله بالسفير الروسي في واشنطن والحديث معه حول رفع العقوبات عن روسيا، متجاهلا أن ذلك ليس من صلاحياته.

وقد تمحورت مناقشات المؤتمر على موضوعين رئيسيين رغم العدد الكبير للنزاعات والأزمات وهما: العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الأزمة السورية.

في كلمة افتتاح المؤتمر، قالت أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع الألمانية، إنه لا غنى عن التحالف العسكري الغربي في مواجهة التحديات، كما لا غنى عن التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الحلف. وحاولت تذكير الرئيس ترامب، بالقيم التي تجمع بين دول التحالف، في الوقت نفسه، دافعت عن مطلب ترامب، بأن تزيد دول «الناتو» إنفاقها على التسلح، بحيث تبلغ حصة كل دولة 2% من إنتاجها القومي الإجمالي.

أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي وافقت على حضور المؤتمر بعدما تأكدت من مجيء نائب الرئيس الأمريكي، رغم أنها كانت تأمل بحضور ترامب، فإنها أشارت في كلمتها إلى أهمية التعاون الدولي في هذه المرحلة حيث زاد عدد الأزمات والنزاعات في العالم، ووجهت كلامها إلى ترامب دون أن تذكره بالاسم عندما قالت « ليس هناك دولة في العالم تستطيع التغلب وحدها على الأزمات والنزاعات القائمة».

وكان نائب الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية الأمريكي، قد حاولا التأكيد في ميونيخ وفي بروكسل بأن ترامب يؤيد التعاون مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وتبديد مشاعر عدم الثقة بالرئيس الجديد في البيت الأبيض.

وقد زادت تصريحات بينس وتيلرسون، من حيرة المسؤولين الأوروبيين، مدعمة بتصريحات متضاربة صدرت عن أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي الذين أتوا إلى ميونيخ، مثل جون ماكين، الذي أصبح مؤخرا من أشد منتقدي ترامب، وقال « إن مشكلة ترامب، أنه يقول شيئا يوم الأحد، ثم يفعل شيئا آخر في اليوم التالي».

وبحسب أحد المراقبين، لم يكشف مؤتمر ميونيخ للأمن في تاريخه عن الانقسام بين الأمريكيين، مثل الانقسام الراهن حول أهم قضايا العالم.

ومنذ عام 2011، أصبح مؤتمر ميونيخ يولي أهمية كبيرة لبحث الأوضاع والتطورات في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما بسبب الأزمة السورية.

وقد حذر ستافان دي ميستورا، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص لسوريا، الولايات المتحدة الأمريكية من التركيز على الخيار العسكري في التعامل مع الأزمة السورية، كما لا يمكن القضاء على تنظيم الدولة - داعش - بواسطة القوة العسكرية، وإنما هناك حاجة ماسة إلى حل سياسي.

وأشار دي ميستورا إلى ما يدور في أذهان الكثيرين من المعنيين بالأزمة السورية وقال « إنني لا أعرف موقف الولايات المتحدة من الأزمة السورية، لكن يتعين على واشنطن توضيح موقفها وإذا تريد مكافحة تنظيم الدولة أو القضاء عليه» وأضاف دي ميستورا «لقد تعلم المجتمع الدولي من حروب سابقة، أن مكافحة الإرهاب يستمر زمنا طويلا إذا لم يتم وضع تسوية سياسية للنزاع».

وسرت شائعات في أروقة الفندق بعد كلمة دي ميستورا، ذكرت ان الإدارة الأمريكية سوف تحدد خططها بشأن سوريا في وقت قريب، وسوف يكلف ترامب وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، بوضع استراتيجية لمحاربة التنظيم، مما أدى إلى تساؤلات عما إذا سيزيد الأمريكيون عدد القوة الخاصة الموجودة في سوريا التي تشارك في العمليات العسكرية ضد التنظيم.

وليس من المعتاد أن تخرج عن مؤتمر ميونيخ للأمن مقررات لكن ما يميزه عن غيره من المؤتمرات العالمية، أنه يجمع المسؤولين حتى من دول متنازعة، في قاعة واحدة، وتدور في غرفه لقاءات ثنائية، وكلما زاد عدد النزاعات والأزمات في العالم، كلما دعت الحاجة لانعقاد مثل هذا المؤتمر.