أفكار وآراء

مشروع أمتنا النهضوي ... والواقع القائم

25 فبراير 2017
25 فبراير 2017

عبد الله العليان -

يرى د/‏جلال أمين عن المشروع النهضوي المتراجع ، والأزمات العربية الراهنة إن «رواد التنوير العرب منذ منتصف القرن التاسع عشر حملوا لواء الحرية ودعوا إلى إعمال العقل ، ورفعوا من شأن العلم ، وحاربوا التمسك بالقديم إذا تعارض مع ما يقضي به حكم العقل أو المصلحة،

لا شك أن الأمة العربية تعيش واقعاً مريراً في راهنها الحالي، في قضايا كثيرة ومتشابكة، لعل أهمها الخلافات التي تعصف بالعلاقات بين بعض الدول، إلى جانب الصراعات السياسية الداخلية، منذ سنوات،إلى جانب الاحتلال الجاثم على أرض فلسطين،الذي يعتبر احتلالا قاهراً وناهباً لحق شعب يريد العيش بكرامة وحرية ،وهو الشعب الفلسطيني، كما أن الخلافات بين بعض النخب السياسية والحكومات أسهمت في بلورة نزاعات وتوترات جعلت الواقع العربي مليء بالتحديات الخارجية والداخلية التي باتت تشكل خطراً على وجودها، مما أفقد الأمة الطريق القويم إلى حل هذه المشكلات، وما يمكن ان تؤدي بها إلى واقع جديد يتسم بالاستقرار أو المراجعة للمشكلات القائمة،والسير في الطريق الصحيح الذي يجعلنا ندخل إلى العصر الجديد من التقدم العلمي والتقني،حيث تتسابق الدول إلى أخذ مكانة في عالم التطور التقني والثورة المعلوماتية، والاقتصاد المتداخل عالمياً التي لا تلتفت كثيراً إلى الخصوصيات أو الانكفاء أو الانزواء على الذات والهروب من الواقع الجديد.

ويرى الأكاديمي والاقتصادي المصري المعروف/‏‏الدكتور إسماعيل صبري عبد الله ،أن تراجع المشروع النهضوي العربي وإخفاقاته المستمرة تدعو إلى »أهمية المراجعة الذاتية من داخل البيت العربي ومقوماته لا من خارجه ، فأولئك الذين يقولون إن محاكاة الغرب في كل شيء ، وبأسرع ما يمكن حتى تتحقق الحداثة في مجتمعاتنا ، يتعلقون بأوهام لا سند لها في الواقع. وبصفة عامة، ليس البحث عن صيغة سحرية لتغير المجتمع فوراً ، بمجرد تبنيها كهدف، إلا وهماً بعيداً، ولهذا كله، كما يقول ، إنه قد آن الأوان لأن نبدأ بالإنسان العربي و أن نعمل على أن يسترد هذا الإنسان العربي إنسانيته، وأن يكتسب القدرة على التعلم والتقدم حتى يتمكن المجتمع كله من النهوض من حالة السبات التي تكاثرت فيها المعوقات ، ودون أن يعطي الجانب الاقتصادي تحيزاً خاصاً، إن النهضة مطلوبة ،كما يقول، لكي نحقق تنمية شاملة للمجتمع العربي من أقصاه إلى أدناه، ومعنى شمول التنمية أنها ليست نماءً اقتصادياً صرفاً،ولكنها تنمية تشمل الأوضاع الثقافية والاجتماعية في المقام الأول.ونتكلف بالألفاظ الشائعة في وسائل الإعلام عندنا التي نرددها دون أن ندرك مقتضياتها، فنشير إلى أهمية الجانب العلمي والتقاني في أي مجتمع يريد أن يعيش في ظروفنا الحاضرة،من كل هذه الاعتبارات أحسست بالحاجة إلى نهضة عربية ثانية،تشمل كل جنبات المجتمع العربي وتضع الإنسان العربي البسيط والعادي في قلب اهتماماتها. وإذا أردنا أن ننهض كما يقول د/‏‏ صبري عبد الله، يجب أن نفكر في الناس كأفراد عاديين وليس في الزعماء والقيادات، فالمجتمع الذي يتطور فيه الإنسان قادر على إبراز القيادات التي يستحقها، والعكس ليس صحيحاً. لا يمكن أمة أن تتكّون إلا لأن غالبية الناس أرادت لها أن تكون وارتبطت بها وأحست بانتمائها إليها، وأحسّت بأن هذا الانتماء يجلب لها الخير.دون هؤلاء الأفراد لا تصنع الأمم .فلا بد إذن ، من تنمية شاملة، ويعني هذا أن ننتبه، ضمن ما ننتبه إليه ، إلى أن العالم اليوم أعاد اكتشاف الإنسان كعنصر حاسم في التنمية، وظهر مفهوم التنمية البشرية، وتأكيد أن البشر هم صانعوا التنمية والذين يجب أن يكونوا المستفيدين منها،إن أحدث كمبيوتر في العالم يظل جثة هامدة إذا لم يجد الفريق القادر على استخدامه، فالإنسان هو الأصل وهذا الإنسان يجب أن يكون مركز اهتمام عملية التنمية، ومن هنا، صار الحديث عن أهمية توفير الصحة و الغذاء والتعليم والتدريب والحرية الشخصية والمشاركة السياسية، لان هذا الإنسان السليم البدن والعقل المتعلم والقادر على التعلم، الذي يألف حديث العلم وحكم المنطق ودور العقل ويمارس استخدام منتجات العلم الظاهرة في شكل تقنيات ،هو الذي يستطيع أن يبني أمه تزدهر في القرن الحادي والعشرين وبغير هذا الإنسان لا يمكن لأي تقدم أن يطرّد، ومن هنا يرى أهمية المراجعة الذاتية من داخل البيت العربي ومقوماته لا من خارجه، فأولئك الذين يقولون إن محاكاة الغرب في كل شيء، وبأسرع ما يمكن حتى تتحقق الحداثة في مجتمعاتنا، يتعلقون بأوهام لا سند لها في الواقع».

و من جانب آخر يرى د/‏‏جلال أمين عن المشروع النهضوي المتراجع ، والأزمات العربية الراهنة إن «رواد التنوير العرب منذ منتصف القرن التاسع عشر حملوا لواء الحرية ودعوا إلى إعمال العقل ، ورفعوا من شأن العلم ، وحاربوا التمسك بالقديم إذا تعارض مع ما يقضي به حكم العقل أو المصلحة، كان لهؤلاء أيضاً قضية مثلما كان لمفكري التنوير في أوروبا قضية .كانت قضية التنويريين العرب منذ منتصف القرن التاسع عشر هي اللحاق بالغرب، بينما كانت قضية التنويريين في أوروبا قبل ذلك بقرن تحرير البرجوازية من أغلال الإقطاع، وإذ رأى جيل الرواد من التنويريين العرب أن النهضة التقانية والصناعية في أوروبا قد اقترنت برفع شعارات التنوير وحمل لواء الحرية والتسامح والعلم والعقلانية فقد اعتقدوا أن لحاق العرب أو المسلمين بالغرب يتطلب اعتناق الأفكار نفسها.

كما أن الدعوة إلى هذه الأفكار في أوروبا كانت تجري بلا قيد أو شرط ، فالمطلوب هو مثل هذا عندنا أيضاً.كان جيل الرواد من التنويريين العرب يكتب في عصر بلغ فيه تفاؤل الغرب وثقته بنفسه أقصى حد ، وكان كل شيء يفعله الغرب يبدو ناصعاً وجديراً بالمحاكاة، ثم ، كما يقول جلال أمين» كان الإيمان بفكرة التقدم إيماناً لا يرد عليه أي شك، التاريخ الإنساني ، كما يبدو من قراءة الغرب لتاريخه، هو تاريخ التقدم نحو مزيد من الحرية،مزيد من المساواة، مزيد من التسامح، مزيد من المعرفة، ومزيد من الرخاء». ولا شك أن هذا مطلب لا غنى عنه لأي أمة من الأمم، شريطة أن ينطلق هذا النهوض والتقدم من واقعها ومن ظروفها، ومن فكرها ورؤيتها لما تريده كمشروع نهضوي مخطط له بجدية، وإلا أصبح ما نفكر فيه مجرد أحلام، وليس خطوات جادة للحاق بالعصر ومنجزاته.