مرايا

مقتبس عن قصة حقيقية - أخفوا جثث جنود فرنسيين في «البئر» فجسدوا ملحمة جزائرية

22 فبراير 2017
22 فبراير 2017

لم يسجل تاريخ السينما الجزائرية التفافا واسعا من الجمهور والدوائر الرسمية حول عمل إبداعي مثلما حدث حاليا مع فيلم «البئر»، لمخرجه لطفي بوشوشي، وصحيح أن السينما الجزائرية حصدت جوائز عالمية من قبل؛ أهمها السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي في فرنسا، وهي التي فاز بها الأخضر حامينا عام 1975 عن فيلمه «وقائع سنين الجمر»، غير أن الاهتمام الرسمي والشعبي بفيلم «البئر» غير مسبوق.

فقد أطلقت المؤسسة الرسمية في الجزائر ممثلة في وزارة الثقافة حملة وطنية واسعة لحشد الدعم اللازم لهذا العمل الذي يصور معاناة الجزائريين أثناء ثورة التحرير من زاوية جديدة.

من الواقع

وصور فيلم «البئر» الذي نجح لحد الآن في تثبيت مكانته ضمن روائع السينما الجزائرية بين سنتي 2014 و2015م في إطار سلسلة من الأعمال الثقافية التي أطلقتها وزارة الثقافة بمناسبة الاحتفال بمرور خمسين عاما على استقلال الجزائر، وهو عمل مقتبس عن قصة حقيقية عن سكان قرية جزائرية تقع في منطقة صحراوية وجد سكانها أنفسهم بين مطرقة الموت برصاص الاستعمار الفرنسي، وسندان الموت عطشا، ثمن دعمهم للثورة، كتبها المؤلف مراد بوشوشي، فيما نفذ السيناريو محمد ياسين بن الحاج.

وزارة الثقافة الجزائرية اختارت أن يكون أول نشاط ثقافي لدار الأوبرا المدشنة حديثا عرضا شرفيا لفيلم «البئر» تم تنظيمه تحت رعاية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وحضره مسؤولون كبار في الدولة ومثقفون جزائريون وعرب.

ومثلت رعاية بوتفليقة للفيلم مبادرة نادرة تشير إلى اصطفاف السلطات العليا والأسرة الثقافية خلفه، وقال وزير الثقافة عز الدين ميهوبي على مسرح قاعة العرض «علينا الالتفاف حول هذا العمل السينمائي المميز الذي سيكون ممثلا للجزائر والعرب والأفارقة في مسابقة الأوسكار».

وأوضح ميهوبي أن الفيلم «جدير بتمثيل الجزائر، وأنه يلقى الدعم من قبل السينمائيين ورجال الأعمال والجمهور العريض»، وأضاف أن «مجرد أن يكون «البئر» ضمن قائمة الأفلام المرشحة للمسابقة هو انتصار للسينما الجزائرية، وأن كل الجزائريين معه، سواء فاز بالجائزة أو لم يفز».

كما نظمت وزارة الثقافة برنامجا وطنيا لعرض الفيلم في كل ولايات القطر الجزائري البالغ عددها 48 ولاية، لتعريف الجمهور به والترويج له بالشكل اللازم.

سر النجاح

ويظهر العمل كيف ضحت نساء القرية وأطفالها وشيوخها ببئرهم، وهي مصدر المياه الوحيد، وألقوا فيها بجثث جنود فرنسيين اشتبكوا مع مجاهدين يترددون على عائلاتهم خفية، فقامت كتيبة فرنسية بضرب حصار خانق على القرية، وأعطى قائدها الضابط «أونسناس» أوامر صارمة بقتل كل من يدخل أو يخرج منها، إلى حين اتضاح مصير رائد فرنسي مختف.

ويصور الفيلم كيف انتصرت البطلة «فريحة» ورفيقاتها من النساء على الجيش الفرنسي، ومضايقات جنوده لهن، وكيف نجحن في الخروج من القرية بحثا عن الماء، رغم رصاص القناص الذي انهارت نفسيته رفقة قائده أمام إصرارهن على التقدم.

من جهته أوضح المخرج بوشوشي لـ«هافينغتون بوست عربي» أن عرض الفيلم في جميع ولايات الجزائر يساعد كثيرا من الناحية المادية، وكذا رفع نسبة المشاهدة قائلا: «الجزائري يدفع دولارين لمشاهدة الفيلم، وهذا مبلغ زهيد ولكنه مفيد جدا لنا، ويعلي من معدل مشاهدة الفيلم ويجعله يشاركنا مشروعا ثقافيا يمثل الجزائر في الخارج».

وأكد بوشوشي أن فكرة الفيلم إنسانية بالدرجة الأولى، متمنيا إيصال رسائله إلى العالم بضرورة وقف الحروب الطاحنة التي يروح ضحيتها الملايين من البشر، ونوه بالتفاف الجزائريين حوله قائلا: «ما يحدث من تشجيع هو بمثابة إعادة بعث للسينما الجزائرية وإعادة الجزائريين إلى دور العرض بقوة، الأمر الذي لم يحدث منذ سنوات».

الجوائز

«البئر» الذي أبكى مشاهديه من قسوة الحياة والمشاعر الإنسانية المعبرة. نال 11 جائزة دولية حتى الآن أبرزها الجائزة الكبرى لمهرجان مسقط الدولي 2016، والجائزة الكبرى للفيلم المغاربي بوجدة 2016، وجائزة أحسن فيلم إفريقي في مهرجان كندا 2016. كما نال أيضا جوائز أفضل إخراج وأفضل ممثلة وأفضل سيناريو.

واعتبرت الروائية الجزائرية الشهيرة أحلام مستغانمي الفيلم «عملا سينمائيا رائعا يحمل رسائل إنسانية عالمية بنقله جوانب جديدة من تاريخ المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار»، وأضافت أن «الجندي الإسرائيلي عندما يشاهد هذا الفيلم سيفكر أكثر من مرة قبل أن يطلق النار على النساء والأطفال»، مؤكدة أن «البئر» يستحق كل الدعم والمساندة.

(هافينغتون بوست- عربي)