المنوعات

تحقيق جديد لديوان «نفائس العقيان» للشيخ جاعد بن خميس الخروصي

21 فبراير 2017
21 فبراير 2017

صدر عن مركز ذاكرة عمان في مسقط كتاب «نفائس العقيان ديوان أبي نبهان للسيد الرئيس جاعد بن خميس الخروصي ت. ١٢٣٧ هـ/‏‏‏ ١٨٢٢م الذي عاش قبل مائتي عام، وقد أقيمت مؤخراً ندوة في جامعة السلطان قابوس احتفاء بذكرى مئويته الثانية، وأشعاره في هذا الديوان قام بجمعها ابنه الشيخ خميس بن جاعد وصدرت هذه الطبعة من الديوان الذي يطبع هذا العام لأول مرة بتحقيق الكاتب والشاعر إبراهيم بن سعيد.

يتكون الكتاب الذي يقع في ٤١٦ صفحة على مقدمة المحقق حول ظروف ومنهج التحقيق ونبذة عن الشاعر وعن جامع الديوان والناسخين والمخطوطات المعتمدة في التحقيق، كما تشمل المقدمة على قراءة في شعر الشيخ جاعد ولغته العميقة وأسلوبه المتفرد في الشعر بعنوان (دهشة القلب). كما أدرج المحقق في هوامش النص إضافة لمعاني المفردات مقاربات تفسيرية شارحة ونصوصاً موازية من التراث الإسلامي والشرقي والعالمي.

ينقسم الديوان لأربعة فصول، الفصل الأول في المحبة الإلهية وتحوي معظم القصائد وأغلبها في التصوف، ثم الفصل الثاني قصائد في علم الحكمة والكيمياء وفيه معظم القصائد التي قالها الشاعر في علم الكيمياء القديمة والحكمة والمعالجات، والفصل الثالث في الجوابات والمسائل ويحتوي القصائد التي وجهت للشيخ وأجاب عليها، أما الفصل الرابع فالإخوانيات ويحوي ما قاله الشاعر في تقريظ الكتب والرثاء وفي أبنائه، كما يحوي هذا الباب على عدة قطع شعرية نادرة قالها الشاعر في سنور كان كما يلازمه كما يبدو منها:

لا باسَ في مسِّ جسمي كلهُ كملاً فهاكموهُ سوى ما كانَ من ذَنَبي/‏‏‏ لا تقربوهُ فإني لا أسامحكم في لمسهِ أبداً إذ ليسَ من إرَبِي. ص٣٨٨

من مقدمة المحقق حول جزء من قصة التحقيق:

البيت العجيب

بيت شعر واحد جعلني أعزمُ أمري على تحقيقِ الديوان والتنقيبِ عن نسخٍ مخطوطةٍ أخرى، لتلافي الأخطاء والسقط والسفر إليها أينما كانت، ومقارنةِ النسخ المختلفة للخروج بالديوان كاملًا، فما سرُّ هذا البيت الشعري؟

سرُّه انه يُكثِّفُ ما كنتُ وصلتُ إليهِ من بحثٍ شخصيٍّ وتأمل، حتى أطمأنَّ قلبي إليهِ كمَن عثرَ على ضالَّتِه، ولم تكن تلكَ الضالَّةُ شيئًا آخرَ غير إسقاطِ الحجبِ، وهدمِ الأصنامِ التاريخيةِ الزائفةِ، والوصولِ إلى اللهِ الخالص، وهذا ما يُقدمهُ شعرُ الشيخ، ذلك أنَّه يقبضُ على اللحظةِ التي نتجاوزُ فيها مذاهبنا الضيَّقةَ وانتماءاتنا الاجتماعيةَ إلى فضاءِ الكونِ الرحبِ وإلى سرِّ الحياةِ فنرى من هناك أنّ أشكال الحياة المختلفةَ ما هي إلا صورٌ واضحةٌ مليئةٌ بالرسلِ والرسائلِ، وأنَّ الأديانَ لا تستطيعُ أن تحتكرَ الحقيقةَ الواحدةَ وأن تعادِي سواها، لأنها جميعًا مجردُ رموزٍ ورسائلَ وطرقٍ إليهِ، هوَ الرفيعُ الذي تبدأُ منهُ كلُّ الطرقِ وإليهِ تنتهي، الأولُ والآخر، وأنا أقرأ شعرَ الشيخ وجدتُ ذلك التَّفَتحَ والأفقَ الكاملَ موجودًا هنا ومحفوظًا، منذ مئتي عام، وما قد نعتبرُهُ اليومَ وليدَ ثقافتنا المعاصرةِ في تعزيزِ الانفتاحِ والترحيبِ بالاختلاف، كان الشيخُ قد وصلَ إليه منذ قرنين من الزمان:

أُنظُرْ إلى الموجودِ تَعْلَمْ أنَّه فِعلٌ وَمَفعُولٌ وَرَبٌ فَاعلُ/‏‏‏ قَدَرٌ وَمَقدُورٌ وَرَبٌ قَادِرٌ خَلْقٌ وَحَقٌ فِي القَضِيَّةِ عَادِلُ/‏‏‏ وَالكَائِنَاتُ جَمِيعُهَا فِي كَونٍها كُلٌ إلَيهِ مَرَاتِجٌ وَدَلَائِلُ/‏‏‏ وَجَمِيعُ مَا تَحتَ الوُجودِ بِأَسْرِهِ مِن جُودِهِ المَوجُودِ فَهوَ رَسَائِلُ/‏‏‏ حَتَّى الشَرَايعُ والحَقَائِقُ كُلَّهَا نُورُ الطَّرِيقَةِ لِلمُرِيدِ مَشَاعِلُ/‏‏‏ لَا تَدْهَشَنَّ مِنَ البَرِيْقِ وَلَا تَكُنْ فِي حِيْرَةٍ وَعَمَىً كَأَنَّكَ بَاقِلُ/‏‏‏ فَالصَّالِحَاتُ لَوَازِمٌ وَنَوَافِلُ كُلٌّ إلَيهِ مَنَاهِجٌ وَوَسَائِلُ/‏‏‏ وَجَمِيْعُ أنْوَاعِ الدِّيَانَةِ كُلُّهَا لِلرَّايِدِينَ مَكَارِعٌ وَمَنَاهِلُ/‏‏‏ فَانْهَلْ وَعَلَّ وَلَا تَمَلَّ نَمِيْرَهَا يَا نَاهِلَاٍ نِعْمَ الَّذِي هُوَ وَاغِلُ.