الملف السياسي

خطوات أكبر للنهوض بالصناعة

20 فبراير 2017
20 فبراير 2017

عبدالله بن علي العليان -

لا شك أن بلادنا قد تحركت منذ عدة عقود في قضية إقامة الصناعات الوطنية العمانية، وقدمت الدولة الدعم لهذه الصناعات الوطنية، وكلنا نعرف أنه تم تحديد عام للصناعة الوطنية، وقد قال جلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله ورعاه- عن أهمية الصناعة في بلادنا: «إن تحقيق التنمية الشاملة المتكاملة في مختلف جوانبها وأبعاد‏ها غاية عظمى لا محيد عنها، وهدف أسمى لا مناص من بلوغه. فبالعمل الدائب، والجهد المتواصل، والروح الوطنية المتوثبة تبنى الأوطان ويعلو شأنها، والصناعة تعتبر ركيزةً أساسيةً في هذه التنمية وبتطويرها على أسس علمية، وقواعد فنية، فإنها يمكن أن تسهمُ، وبشكل فعَّال في بناء الاقتصاد ‏الوطني. ذلك ما أثبته الواقع في كثير من الدول.

ومن منطلق اهتمامنا بهذا القطاع الحيوي خصصنا هذا العام للصناعة لتطوير قدرات البلاد ‏في هذا المجال مستفيدين من تجارب وخبرات الدول التي كان لها سبق مشهود ‏في هذا الميدان وذلك بهدف إيجاد ‏صناعة حديثة ومتطورة تحقق الاعتماد ‏على الذات قدر الإمكان، وترتقي بمستوى الإنتاج وجود‏ته، في الوقت الذي تعمل فيه على تقليل تكلفته إلى أد‏نى حدٍ ممكن مما يساعدها على منافسة المنتجات الأجنبية في الداخل والخارج. مضيفا جلالته، وإذا كان د‏ور الصناعة في بناء الاقتصاد ‏الوطني جليًا، وغير منكور فإن هذا الدور لا يكتمل ولا يكتسب بعده الوطني إلا بمقدار نجاح التنمية الصناعية في استخدام وصقل المهارات والكفاءات البشرية الوطنية من جهة، واستغلال موارد ‏البلاد ‏الطبيعية من جهة ثانية.

فالتنمية ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي من أجل بناء الإنسان الذي هو أد‏اتها وصانعها، ومن ثم ينبغي ألا تتوقف عند مفهوم تحقيق الثروة وبناء الاقتصاد، بل عليها أن تتعدى ذلك إلى تحقيق تقدم الإنسان وإيجاد ‏المواطن القاد‏ر على الإسهام بجدارة ووعي في تشييد صرح الوطن وإعلاء بنيانه على قواعد متينة راسخة لا تزعزعها هوج العواصف، ولا تنال منها صروف الدهر ونوائب الزمان». ولا شك أن هذه الرؤية كان ينبغي أن تشكل حجر الزاوية لتنمية هذا الجانب، وتطويره باطراد، من حيث الاهتمام بالعنصر الوطني وتأهيله علميا، ليقود بنفسه هذه الصناعة، ليست الصغيرة فقط، بل تأهيله للصناعات الكبيرة والمتوسطة أيضا، إلى جانب استغلال الموارد الطبيعية التي تتميز بها بلادنا، بدلاً من استجلاب المواد الخام من الخارج، وتحويلها، وكأنها صناعة وطنية! فلذلك كان اهتمام الدولة، كما قال جلالته، هو دعم الصناعة الوطنية، إلى جانب تدريب وتأهيل العمانيين، لإدارة هذه الصناعة، ولكن مع القطاع الخاص أقام صناعات وطنية، لكننا نحتاج إلى خطوات للصناعات الكبيرة التي تستغل المواد الخام في هذا البلد، لذلك كثير من المواد لا تزال كما كانت، لم تستغل، وهذا ينطبق على المواد التي تتم زراعتها، أو الموارد الطبيعية في الأرض، ما عدا القليل الذي تم استغلاله، وفي حدود المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهذا لا يفي بالغرض المطلوب، ولا يسهم في توظيف القوى العاملة الوطنية، ولذلك نحن نعول كثيرًا على البرنامج الوطني لتعزيز الاستثمار، في طرح مشروعات وطنية كبيرة، ومع شراكات قوية، ربما حتى مؤسسات خارجية للنهوض بصناعة وطنية، واستغلال المقومات التي يزخر بها وطننا، وهي كثيرة ومتعددة، ولابد من التحرك الجاد في مجال النهوض بالصناعة الوطنية، والتمنية البشرية، وقضايا التوظيف، وأهمية التأهيل يتحقق من خلال خطوات جادة ومدروسة، ومنها على سبيل المثال قضية (التنمية المستدامة)، ومسألة تنمية الموارد البشرية، والتوازن بين أمن الفرد الاقتصادي، وأمن الدولة القائم على الدافعية الاقتصادية، وحراكها لصالح المواطن في كل نشاطاتها.

وهذا يتطلب إعطاء العنصر البشري الأولوية للنهوض بهذا الجانب في بلادنا وتنميته، وتأهيله، وتعليمه التعليم، الذي يحقق تنمية بشرية وصناعية فاعلة.وهذه الخطوات والتوجهات أساسها التعليم والتأهيل للشباب، لإدارة هذه التنمية الصناعية، ولا شك أن التنمية المستدامة قضية محورية، وهذه التنمية أساسها التعليم وجودته، فالكثير من الدول التي كانت تحسب على دول العالم الثالث، أصبحت من الدول الصناعية المهمة في العالم، وهي الدول المتقدمة في الصناعة، ومن الدول ذات التنمية المستدامة منذ القرن الماضي، الآن يشار إليها بأنها رائدة من حيث التقدم والنهوض، بل أن هذه الدول أصبحت تنافس الدول الكبرى في التنمية المستدامة، ومنها الهند، وسنغافورة، وماليزيا، والبرازيل، وغيرها من الدول التي لم تكن معروفة في عالم الصناعة، لكنها الآن، والمنطلق الأساسي لهذا النهوض المتأخر هو التعليم والتدريب القوي الذي يؤسس لإفراد أكفاء في تخصصاتهم، ولذلك هذه الدول انطلقت من خلاله للحاق بركب التقدم التقني والاقتصادي، وفعلا تعتبر الآن من الدول المتطورة تكنولوجيا، ولديها الآن صناعات بارزة ومنتشرة، بسبب هذا المنحى الذي تم اعتماده، ومنها التنمية المستدامة، بل أن بعض الدول التي جاءت متأخرة صعدت في المجالات التكنولوجيا بصورة لافتة، مع الكثافة السكانية لديها، وحققت الآن نموًا كبيرًا بصورة لافتة تستحق التقدير، خلال العقدين الأخيرين، فالتعليم هو المنطلق لتنمية بشرية ونهضة صناعية، ومعالجة علمية لمشاكل البيئة، فكل ما تريده الدول من حلول لمشاكلها، يأتي من التعليم والتأهيل، وهذا هو الذي يجعل مشاكلنا الاقتصادية، والاجتماعية وغيرها، تختفي بالتدريج من مجتمعاتنا، وهذا لا يتأتى إلا بالتعليم كما اشرنا.

ولا شك أننا بحمد الله من البلدان التي عرف عنها الاستقرار، وهذه من العوامل الدافعة لحركة الاستثمار، سواء من أبناء الوطن، أو من خارجه، ولذلك من المهم التحرك الجاد والسريع للنهوض بالصناعة والسياحة، والتنمية المستدامة على مجالات التنمية، وان يكون التعليم والتأهيل، هو المحور الأساسي لهذه الخطوات التي نرسمها للنهوض بالصناعة، وغيرها من المقومات التي تملكها بلادنا.