الملف السياسي

التوسع في التعليم الصناعي والفني.. ودعم المشروع الخاص

20 فبراير 2017
20 فبراير 2017

د.أحمد سيد أحمد -

,, تمثل الصناعة عماد أي اقتصاد وقاطرة التنمية فيه، فقد تقدمت دول كثيرة من خلال استراتيجية التصنيع ومنها اليابان ومجموعة الدول الصناعية الثمانية الكبرى,,   

فالصناعة تشكل بنية التحديث في المجتمع لما يترب عليها من تغيرات هيكلية في المجتمع والاقتصاد حيث تساهم في زيادة الصادرات وجلب العملة الأجنبية كما أنها تقلل من الواردات ودعم سياسة الاعتماد على الذات، إضافة لكونها أبرز القطاعات القادرة على توفير فرص عمل ومواجهة مشكلة البحث عن عمل.

ويمثل قطاع الصناعة رهان المستقبل للاقتصاد العماني حيث يشكل يوم الصناعة الذي يوافق التاسع من فبراير من كل عام ويحتفل به منذ زيارة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- لمنطقة الرسيل الصناعية عام 1991، محطة مهمة في مسيرة النهضة العمانية على كافة المستويات. فبعد أكثر من ربع قرن على ذلك التاريخ حققت السلطنة خطوات مهمة في طريق تدعيم الصناعة وزيادة إسهامها في الناتج المحلي حتى وصل إلى ما يقارب 10% خلال عام 2016 ومن المتوقع أن ترتفع النسبة إلى 20% بحلول عام 2020 م.

فقد وصلت مساهمة الأنشطة الصناعية في الناتج المحلي الإجمالي عام 2013 إلى 5.4 مليار ريال تمثل 17.6% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. وبلغت مساهمة القطاع الصناعي نحو 2.607 مليار ريال من إجمالي الناتج المحلي المقدر بحوالي 26.850 مليار ريال بنهاية عام 2015. وبلغت صادرات قطاع الصناعة عام 2014 حوالي 3.7 مليار ريال في حين بلغت عام 2013 حوالي 3.2 مليار ريال بنسبة نمو 16.3%. ووفرت القطاعات الصناعية أكثر من 50 ألف فرصة عمل. ويستحوذ القطاع الصناعي على 18.3% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر، وكل هذا يؤكد أهمية هذا القطاع ودوره المتزايد في الاقتصاد والناتج المحلي.

ويرجع الاهتمام بقطاع الصناعة إلى فلسفة القيادة السياسية التي تقوم على تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وانتهاج سياسة التنويع الاقتصادي لتقليل مخاطر الاعتماد على النفط والغاز كمصدر أساسي للدخل القومي والناتج المحلي في ظل التقلبات الشديدة التي شهدها سوق النفط والغاز خلال السنوات الأخيرة وأودت بأسعاره إلى مستويات متدنية حيث انخفض من أكثر من 150 دولارا للبرميل إلى اقل من 50 دولارا وهو ما أدى لتداعيات سلبية على الاقتصاد في مختلف الدول المنتجة والمصدرة للنفط، وزيادة عجز الميزانية وانكماش النفقات الاقتصادية والاستثمارية، إضافة إلى أن النفط والغاز مصادر غير متجددة للطاقة سوف تنضب بعد حين.

ومن هنا تبنت القيادة الحكيمة إستراتيجية شاملة ومتكاملة للتنويع الاقتصادي وزيادة إسهامات الموارد غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وترتكز هذه الإستراتيجية بشكل أساسي على قطاع الصناعة، لما يمثله من أهمية كبيرة ليس فقط في تحقيق التنويع الاقتصادي والنهضة العمانية بل لما له من آثار مهمة في تحديث بنية المجتمع العماني ووضعه في مكانة لائقة به على خريطة الاقتصاد العالمي والإقليمي.

وقد شهد العقد الأخيرة نقلة مهمة في قطاع الصناعة خاصة في مجال الصناعات التحويلية مثل صناعة البتروكيماويات وصناعات التعدين والألومنيوم، إضافة إلى الصناعات الحرفية واليدوية وغيرها من مجالات التصنيع المختلفة التي تزخر بها مناطق السلطنة المختلفة، خاصة في المناطق الاقتصادية الجديدة التي تشهد انطلاق عشرات المشروعات العملاقة التي تساهم بشكل كبير في دفع وتطوير الاقتصاد العماني، وجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع الصناعة في ظل زيادة التكامل بين أنشطة الموانئ مع المناطق الصناعية المحيطة خاصة في صحار وصلالة والدقم لتشجيع إقامة الصناعات التحويلية بها لزيادة العوائد الاقتصادية وتوفير فرص عمل جديدة. ويمكن القول إن هناك العديد من المقومات والمتطلبات لدعم قطاع الصناعة وجعله قاطرة التنمية والتنويع الاقتصادي وتتمثل في:

أولا: الموقع الجغرافي الاستراتيجي للسلطنة بين قارات العالم وعلى بحر العرب وكجسر مرور بين آسيا وأوروبا وإفريقيا مما يجعلها مكانا مناسبا لجذب الاستثمارات الأجنبية والصناعات العالمية للشركات متعدية الجنسيات إضافة لكونها مركز لوجيستي عالمي، كما يمكن للسلطنة الاستفادة من المهارات المعرفية والتصنيعية للدول الكبرى وخبراتها في النهضة الصناعية.

ثانيا: التوسع الكبير في العديد من المشروعات العملاقة والمناطق الحرة والخاصة مثل منطقة المزيونة الحرة التي بدأت التشغيل في نوفمبر 1999، وتقع في محافظة ظفار، على الحدود مع الجمهورية اليمنية، والمنطقة الحرة بصلالة التي تم تأسيسها في عام 2006، والمنطقة الحرة بصحار، إضافة إلى المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم التي أنشئت في عام 2011 والتي تخطط السلطنة لتنفيذ عدد من المشروعات الصناعية الكبرى بها واستقطاب استثمارات بنحو 15 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة. وتوجد الآن في عمان سبع مناطق صناعية هي: الرسيل وصحار وريسوت ونزوى وصور والبريمي وسمائل، وتشرف على إدارتها وتشغيلها المؤسسة العامة للمناطق الصناعية. وكل هذه المناطق تمثل مركزا مهما لانطلاق قاعدة صناعية حديثة ومتنوعة لكافة الصناعات، إضافة إلى الموانئ العديدة التي تسهل تصدير السلع والخدمات للأسواق الخارجية.

ثالثا: ارتكزت النهضة الصناعية في الدول المتقدمة على الاعتماد على المشروعات الصناعية الصغيرة التي تزود المشروعات الصناعية العملاقة بمستلزمات الإنتاج، ويشهد قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة نموا كبيرا في عمان يمكن أن يساهم في إقامة الصروح الصناعية الكبرى.

ولذلك لابد من الاهتمام بقطاع المشروعات الصغيرة ومشروعات ريادة الأعمال والصناعات الحرفية التي تحظى فيها عمان بمزايا نسبية خاصة صناعة المشغولات والفخار والزجاج والأواني النحاسية والمنسوجات وغيرها وتعكس هوية وخصوصية المجتمع العماني وحضارته المتنوعة في الحضر والبادية والجبل والساحل، والتي يمكن تصديرها للأسواق العالمية والسوق الداخلية. وذلك جاء إنشاء «الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة» لدعم وتفعيل هذا القطاع وتوفير كل التسهيلات والمزايا له وأبرزها إنشاء صندوق الرفد عام 2013 لتمكينها من الحصول على الدعم الذي تحتاجه.

رابعا: التسهيلات الكبيرة التي تقدمها عمان للاستثمارات الأجنبية خاصة في مجال الصناعة عبر إصدار قانون الاستثمار الأجنبي، والذي يهيئ المناخ لاستقطاب وجذب استثمارات عالمية بعشرات المليارات من الدولارات، إضافة لمناخ الاستقرار السياسي والأمني الذي تتمتع به عمان وعلاقاتها الممتازة مع كافة دول العالم مما يجعلها مكان جاذب لتوطين الصناعات العالمية الكبرى كمركز إقليمي في الشرق الأوسط في ظل الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي والأمني التي يشهدها الكثير من مناطق العالم الأخرى.

خامسا: أهمية تفعيل دور القطاع الخاص في قطاع الصناعة خاصة الصناعات الكبرى، فما زال إسهام القطاع الخاص محدودا بشكل كبير رغم المزايا والحوافز التي توفرها الدولة له، وهنا تبرز أهمية تحقيق الشراكة الإستراتيجية بين الدولة العمانية والقطاع لخاص لتوجيه الاستثمارات في قطاع الصناعات خاصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وكذلك تبرز أهمية الاستفادة من المهارات البشرية العمانية في ظل التقدم والتطور الكبير في قطاع التعليم، وضرورة التوسع في التعليم الصناعي والفني لتزويد القطاع الصناعي بكل ما يلزم من مهارات فنية وتكنولوجية لتدعيم سياسة التعمين، وكذلك التوسع في البعثات العلمية العمانية في الخارج لجلب أحدث الأساليب التكنولوجية في مجال الصناعة.

سادسا: رغم التطور الكبير الذي شهده قطاع الصناعة في عمان إلا أنه لا يزال مرتبطا بشكل كبير بالنفط والغاز، حيث يعتمد بشكل أساسي على الصناعات التحويلية المرتبطة بالنفط والغاز وهي مصادر ناضبة، ولذلك تبرز أهمية التوسع في الصناعات الأخرى مثل التعدين والصناعات الثقيلة وصناعة مستلزمات الإنتاج والآلات وصناعة الفحم والأسمنت وصناعات الأحجار الكريمة والرخام والجرانيت وصناعة البلاستيك وتشكيل المعادن, والماكينات الكهربائية والأسلاك وغيرها، إضافة إلى التوسع في الصناعات الغذائية وصناعة الأسماك في ظل الشواطئ الطويلة التي تزخر بها عمان وامتلاكها أسطولا ضخما من سفن الصيد، وهذه الصناعات التي تمتلك فيها عمان وفرة نسبية من المواد الخام المحلية، تمثل مجالات واعدة للصناعة يمكن أن تلبي احتياجات السوق الداخلية الواسعة وكذلك تصديرها إلى الخارج خاصة السوق الخليجية والعربية والأفريقية.

وبالتالي يمثل القطاع الصناعي ركيزة التنمية وقاطرة التنويع الاقتصادي في إستراتيجية 2020 واستراتيجية 2040 ومحور خطط التنمية الخماسية ومنها خطة التنمية الخماسية التاسعة 2016-2020، حيث تقدم الدولة كل التسهيلات أمام انطلاق القطاع الصناعي وتذلل كل العقبات والتحديات التي تواجهه من أجل استمرار مسيرة النهضة الشاملة وفى قلبها النهضة الصناعية.