932890
932890
شرفات

شهادة وفاة كلب - القارئ والرواية

20 فبراير 2017
20 فبراير 2017

حمود سعود وحمود بن حمد الشكيلي -

في تجربة جديدة على مستوى التعاون الكتابي المشترك يصدر الكاتبان «سليمان المعمري وعبدالعزيز الفارسي» رواية مشتركة بعنوان «شهادة وفاة كلب» هي أيضا الرواية الثانية في منجز مشروعهما الكتابي، بعد رواية «تبكي الأرض يضحك زحل» لعبدالعزيز الفارسي، ورواية «الذي لا يحب جمال عبدالناصر» لسليمان المعمري، وقد صدرت الطبعة الثانية للروايتين مطلع عامي 2016 /‏‏‏ 2017.

لم يكن هذا أول تعاون بين الكاتبين، إنما كان هناك إصداران مشتركان بينهما، هما «قريبا من الشمس» حوارات في الثقافة العمانية، و«ليس بعيدا عن القمر» حوارات في القصة العمانية. صدر الكتابان قبل ثماني سنوات، في أصلهما عام 2006 كانا حوارات إذاعية بمناسبة مسقط عاصمة للثقافة العربية، مع ذلك فإن القريب منهما إبداعيا كان قد سمع منذ سنوات أيضا أنهما يعملان على كتابة رواية مشتركة، لكن بدا أنها تأخرت، كان مخطوطها قد مر على عدد من أقربائهما كتابا وقراء للاطلاع على مسودة الرواية، لعل تلك المسودة مرّتْ على العديد من الملاحظات، لعل بعضها جعل النص يتجه بعوالمه نحو مسار آخر؛ كل هذا أتى بغية تجويد النص، لذا من المتوقع أن أصاب النصَ نسيان وتذكر، اشتغالا متواصلا، أو تجاهلا لظروف عملية أخرى، نقول هذا بعد فراغنا من قراءة الرواية بعد صدورها أواخر الشهر الماضي في لبنان عن مؤسسة الانتشار العربي ببيروت، لعل من الجيد أن نترك للقارئ إشارة أن الكاتبين سيقيمان حفل توقيع للرواية بعد غد الخميس مساء، في معرض الكتاب الدولي بمسقط بموقع مؤسسة الانتشار العربي، علما أن هذه الرواية - على حد قراءاتنا- العمل العربي الثالث لكاتبين معروفين، الأول هو رواية «عالم بلا خرائط» لعبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا، و الآخر نص «الجواشن» لقاسم حداد وأمين صالح، لذا تأتي تجربة «شهادة وفاة كلب» مؤكدة أن من الممكن أن ينتج كاتبان عملا أدبيا مشتركا، من حق الكلمات هنا أن تتساءل وتقول: إلى أي مدى سيكون أي عمل مشترك عملا قادرا على بناء رؤية إبداعية خاصة/‏‏‏ ومن ثم أصيلة، مقارنةً بعمل آخر لكاتب وحيد وأعزل إلا من الأفكار، بنسيج أخيلة تجتهد في بناء عالم نصي برؤية ذاتية خاصة؟، سؤال كهذا يقرع باب المقارنة لمن قرأ التجارب المنفردة والتجارب الكتابية المشتركة التي كتبها مبدعان اثنان، أو أكثر، إن كان هناك عمل لثلاثة كتّاب/‏‏‏ كاتبات؟!

يبدأ تشكل نص رواية «شهادة وفاة كلب» من مقطع مختار بعناية ودقة، ألا وهو «أيها القارئ/‏‏‏ إنك لتنبض بالحياة/‏‏‏ والكِبَر، والحب/‏‏‏ مثلي أنا، فإليك الأغاني الآتية « والت ويتمان».

إن استفتاحا كهذا تبدأ الرواية من بعده ليس عبثا استحضاره، إنما سيلاحظ القارئ أن عوالم الرواية تذهب إلى قارئها لتعيد ترتيب العبث الواقعي رمزا وسخرية، ببناء واقع افتراضي آخر، ذلك أن الرواية هدّامة واقع ليس على مستوى البناء؛ إنما على مستوى نسيج بناء آخر تشيّده الرواية، وتذهب إليه في ثلاثمائة ورقة، بدءا باللامكان الإحالي في العاصمة «فرقد»، وهو المكان الرمز، المسمى اللاواقعي، مسمى ومسميات أخر افتراضية، عاصمة ميادين وأحياء بشوارع ومطارات ومدارس ومكتبات تحمل أسماء شخصيات إحالية معروفة، من هنا يمكن ملاحظة أن النص يتنازعه اللامكان الإحالي لواقع لا ينتمي إلا لدلالات النص، والإنسان المرجعي ليقيم صلة بين النص والقارئ، صلة لعل من الممكن أن تكون سيفا حادا على رقبة القارئ، إذ أن هذا الأخير قد يقع بين حيرة وربكة، ستجعله إما مقبلا على إكمال قراءة هذا النص الروائي، أو أنه سينفر منه بعد شعور في عدم قابلية إكمال مشوار القراءة، فهل المزاوجة بين الرمزي والواقعي والمتخيل في تسمية الأمكنة هروب من أي رقيب، أم أنه فتح آفاقا أوسع للتأويل؟ هذا ما سيذهب إليه النص بعوالمه التخيلية غير المألوفة، لا منظورة ولا مرئية إلا في نسيج بناء هذا النص، إذ ما فيه قد لا يتجاوز إلا أن يكون كذبة، كم من كذبة استطاعت بناء عالم بواقع آخر قد لا يكون إلا في النص عبر الكلمات والأخيلة؟! مع هكذا ملاحظة نتساءل إن قرأنا أي نص على أنه انعكاس للحياة واقعا ورؤية كاتب، أو كاتبين، كما هو حال رواية «شهادة وفاة كلب» لنقول هل الحياة كذبة؟ أم أنها قصيرة ولا تعدو إلا أن تكون حلما نستيقظ منه كل صباح لنذهب إلى ما بقي من الحلم عبر الحياة؟ أم أن كل ما في هذه الأخيرة - أي الحياة- من مآس لا يعدو إلا أن يكون فكرة عن الحياة بصورة وأخرى، يمكن تمثلها على أن الحياة بما فيها حلم قصير جدا، نشير إلى هكذا أفكار عن الحياة إذا تذكرنا معا أن الزمن التخييلي لهذه الرواية لا يتجاوز يوما واحدا فقط، أسئلة كهذه على القارئ أن لا يغيبها من ذهنه أثناء بداية مشروع قراءة هذه الرواية، لكن سؤالا آخر نتركه هنا أيضا ونقول: هل رواية «شهادة وفاة كلب» رواية نخبة؟ أم أنها رواية عبث وفوضى وإعادة ترتيب وضع آخر يكون فيه القارئ متسلحا بفكرة يمكن تمثلها في أن الحياة لغز، نشير لهذا ونحن نتذكر ما قرأناه من عوالم تنحت باللغة عالمها الخاص، لعله عالم نصي قد لا يجد قبولا ولا ترحيبا، كما هو حال التجربة الروائية الأولى لكلا الكاتبين «عبدالعزيز وسليمان»، بينما العكس محتمل وافتراضه متوقع وجائز، إذ من بين الأسئلة الممكن تركها بعد أول قراءة لهذه الرواية نضيف، إلى أي مدى نجحت الرواية في رسم ملامح شخصياتها حضورا واسما بدقة وعناية نصية ترسم في القارئ شخصية من ورق، بدءا من الرواية الشخصية، وليس انتهاء بالشخصيات الأخرى؟ هل تحولات شخصيات الرواية كان مقنعا؟ هل وجدت الرواية حدثا رئيسيا يبئر نصها، ليشدّ السرد نحو وضوح معالم الرؤية النصية، ليتصاعد العالم النصي نحو جمالية تجعل القارئ ممسكا بنص يستحضر ما بدأ به في الفصول غير المرقمة، إذ قد يفقد المتوالية المحكية الذاهبة بالبناء نحو استقلال الموضوع ووضوح عوالمه البنائية، فهل سيتمكن القارئ من الإمساك بالموضوع؛ ليستحضر ما سيعلق من النص في ذهنه؟، إذ أن العديد من الثيم تشكل روافد عديدة لنسيج النص، ثيم تتوزع بين الحنين والغياب، التيه والحب، الفقد والضياع، التمرد والطفولة، المرض والمنفى، لعل الحنين بوصفه ثيمة موضوعية يمكن ملاحظة حضوره بشكل ملفت لدى أكثر شخصيات الرواية، حاله كحال الاغتراب، ثمة غربة وشتات يسعى النص عبر دلالاته الى أن يقرب البعيد المغترب إلى القريب الضائع بين أمكنة ممتدة في فضاء العالم النصي المحاكي للواقع في بعض ما عوالم الرواية عبر شخصياتها، اغترابان، مكاني ونفسي يمزقان العديد من الشخصيات، غربة تلذذت بروحي «عدنان ونجيب»، هي ذات الغربة التي نكّلت بجمانة وسعاد، وفتح الغروب، أخيرا نختم ونقول إن رواية «شهادة وفاة كلب» ستفتح الكثير من القراءات والأسئلة على لغة لم تنس السخرية، ولا الرمز كذلك، لذا قارئ آخر غيرنا يمكنه أن يترك عن هذه الرواية أسئلة أخرى كذلك، واضح كذلك أن في الاشتغال على النص جهدا كتابيا واضحا، اشتغالا متعمدا ومقصودا سيلاحظه قارئ الرواية طوال النص.