humada
humada
أعمدة

حسن النوايا وحدها لا تكفي

19 فبراير 2017
19 فبراير 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

كنت في حوار قبل أيام حول موضوع التطوع في عمان، الذي ربما أكون كتبت فيه كثيرًا لقناعتي أن المجتمع بكل فئاته بحاجة ماسة له؛ لأسباب لن أعيد تكرارها هنا ففوائد التطوع لا شك معروفة، لكن عبّرت عن قلقي كأم بالدرجة الأولى حول الرقابة على الفرق التطوعية التي باتت منتشرة بشكل كبير جدًا، تجمع من خلال هذه الفرق أموالا طائلة، وأخشى ما أخشاه لو تركت العملية بلا حسيب أو رقيب أن يتم استغلال هذه الأموال في أوجه غير تلك التي جمعت من أجلها، خاصة أن أغلب أعضاء هذه الفرق هم من الشباب الصغار الذين قد يرون مبالغ بهذه الضخامة للمرة الأولى، أخشى ما أخشاه أيضًا أن تتسلل أيد شريرة بين هؤلاء الصغار فتعبث ببراءتهم وحسن نواياهم.

المفزع في الأمر بالنسبة لي أن العمانيين (حسنوا النوايا بشكل كبير) وفيهم سخاء فطري، يجعلهم لا يترددون في مد أيديهم بسخاء لمن لجأ إليهم، في كثير من مجموعات الواتساب ترسل رسائل تحمل حسابات مصرفية لأفراد أو جهات بغرض جمع تبرعات لغرض ما، يفزعني كثيرًا سرعة التجاوب مع هذه الرسائل من الأعضاء، ومبادرتهم الفورية في ليس فقط تحويل المبالغ ولكن في إعادة نشر الرسالة التي وصلت دون اتخاذ أي إجراء للتحقق من صحة الرسالة.

عمان اليوم باتت مفتوحة بشكل لم يسبق له مثيل سواء في العالم الافتراضي أو سواه، الأمر الذي بتنا نرى معه كثيرا من السلوكيات التي ترفضها طبيعتنا كعمانيين من ابتزاز وتسول وغيره، المخيف أننا نتجاوب بشكل سخي وسريع مع هذا أيضا، فكم من مرة شاهدت نوافذ السيارات عند محطات الوقود تنزل وتخرج منها يد سخية بمبالغ كبيرة لصغير لم يتجاوز العاشرة من عمره، وقف متصيدا لمثل هذه الأيدي، أين تذهب تلك المبالغ، ومن وراء هذا الطفل وما هويته، لا أحد يكترث.

كنت في حديث قبل أشهر مع إحدى الفتيات التي انخرطت في أحد الفرق التطوعية هذه، وكانت تحدثني بحماس عن أنشطة فريقها التطوعي، الذي يجوب الولايات من أجل توزيع المعونات على الأسر، كانت تتحدث ببراءة وحماس عن اجتماعات تحضيرية مطولة تستمر لساعات طويلة من المساء، في مجموعات من شباب صغار عديمي التجربة، وأنا أسمعها تتحدث بحماس منقطع النظير وسذاجة طفولية، ظهرت الأم بداخلي بقوة، وبدأ عقلي يتخيل كم هائل من السيناريوهات، التي يجيد عقل الأم اختلاقها في ثوان معدودة، وشريط من الأسئلة التي تثير القلق: ما لو؟ وكيف سيكون؟

لست ضد التطوع مطلقًا بل العكس تماما، سبق وأن كتبت مرارًا وتكرارًا، بأن لا دولة مهما بلغ ثراؤها قادرة على أن تنهض بالتنمية بمعزل عن جهود الأفراد، وأن شبابنا بحاجة ماسة فعلا لحياة ذات هدف يعطيها معنى ويشعرهم بقيمتهم، وتشغل بها وقت فراغهم وتبني شخصياتهم، فالعمل التطوعي وسيلة فعالة جدا لبناء الشخصية، واكتساب الشاب مهارات حياتية لا يمكن أن يكتسبها من تربية والديه أو المدرسة، ما أتمناه من الجهات المختصة أن تسن قوانين تنظم هذه العملية حماية لصغارنا وبراءتهم، وحماية للمجتمع بشكل عام، كما أتمنى من الأسر أن تكون أكثر حذرًا وتراقب أنشطة صغارها عن قرب، حتى لا يساء استغلال براءتهم، وأخيرًا أتمنى من الصغار ألا يجعلهم حماسهم للعمل التطوعي وروعة مردوده أن يندفعوا دون أن يحسبوا خطواتهم، المال مفسد، والسائب منه يعلم السرقة..