أفكار وآراء

تحديات مفاوضات جــــنيف القادمـة

18 فبراير 2017
18 فبراير 2017

حنا صالح  -

كاتب لبناني -

كل عواصم المنطقة منشغلة بالجولة الجديدة من مؤتمر جنيف القادم. وكل الاتصالات تدور بين حدين. الأول التركيبة الواسعة للوفد الممثل للمعارضة وأبعاد ذلك، والثاني جدول الأعمال الفعلي، ما بين إيجاد آليات حقيقية لمراقبة وقف النار، وبدء النقاش الحقيقي حول الدستور الجديد لسوريا لأنه الأساس والمرتكز للتسوية السياسية.

كان واضحا أنه منذ انتهاء مؤتمر «أستانة» أن تركيبة مغايرة ستطرأ على الوفد المفاوض، وأن مرجعية جديدة تكرست، وما طالب به باكرا الوزير الروسي لافروف من أن يكون وفد المعارضة، واسع التمثيل وشاملا كما نص قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254 أمر قيد التحقق. والصيغة التي رست عليها الاتصالات منحت الفصائل العسكرية 50% من عضوية الوفد، الذي أُسندت رئاسته للدكتور نصر الحريري العضو القيادي في الائتلاف، لكن الصيغة النهائية لإشراك المنصات مثل موسكو والقاهرة وكذلك منصة بيروت التي أطلقت «الكتلة الوطنية»، تبدو قابلة للأخذ والرد، هذه الصيغة ليست سوى المؤشر عن ذهاب الجميع باتجاه ما هو مرسوم، استنادا لموازين القوى العسكرية على الأرض من جهة، والتوازنات السياسية الإقليمية والدولية من جهة ثانية. وأكثر من ذلك تأخذ هذه التركيبة بعين الاعتبار الحقائق الجديدة، وهي أن التحولات أكبر من أن يتخندق أي طرف معارض عند العناوين السابقة.

المعارضون الذاهبون إلى جنيف، يدركون البعد الحقيقي العميق لخسارة معركة حلب، ويعرفون البعد الحقيقي للتغير في الموقف التركي، وهم يتابعون، أو أنهم جزء من الهم التركي خلف حملة درع الفرات، كما هم على دراية بكل مستجدات «الجبهة الجنوبية»، بعد التفاهمات الأردنية الروسية التي حيّدت المنطقة عن المواجهات، ثم أطلقت بداية معركة ضد «داعش»، من شأنها احتمال بلورة دور أردني في الجنوب السوري مشابه نسبيا للدور التركي في الشمال، دور ينحصر آنيا في مواجهة «داعش» ويلغي كل إمكانية لصدام بين هذه الفصائل والسلطات السورية. وإذا ما أخذنا بالاعتبار عمليات الفرز الجارية في إدلب... فهناك تحول كبير يتقدم، هو حصرية العمل العسكري للفصائل في محاربة الإرهاب: «داعش» و«القاعدة» أيا كانت تسمياتها «نصرة» أو «فتح الشام» وصولا لـ«هيئة تحرير الشام». والمؤسف في هذا الوضع أن الوبال الذي أتت به العسكرة المفتعلة للثورة أدت إلى قطع العلاقة بين هذه الفصائل والحاضنة الشعبية السورية.

وفد الفصائل والمعارضة سيرفع الصوت في جنيف مشدداً، أن المنطلق لا بد وأن يكون تثبيت وقف النار والتأكيد أن آليات المراقبة يجب أن تكون فاعلة، كي ينتقل الجميع للبحث الجدي. هذا الصوت سيُسمع، لأنه يلتقي مع مساعي ورغبات موسكو وأنقرة. كما أنه بضوء قبول وتسهيل موسكو هامش نفوذ تركي واسع في الشمال السوري، والآن المستجد أردنيا في الجنوب السوري، إلى توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة التصدي إلى جانب «داعش»، للفصائل المذهبية .

في جنيف سيتقدم البحث في مسودة دستور جديد لسوريا، ولئن كانت أطراف واسعة اعتبرت المقترح الروسي خطوة نافرة وغير مقبولة، فالثابت أن هذا المقترح أُشبع تمحيصا، لأنه في هذه المرحلة يُعتبر مثل هذا النقاش مسألة ضرورية، لأن الإطار الدستوري هو ألف باء الولوج للبحث في الحل السياسي. وفي رحلة البحث عن الحلول وهي شائكة وطويلة، ليس المهم من قدم الفكرة أو وضع النص، إنما الأساس هو المضمون وما يمكن أن يتم تبنيه وما التعديلات والإضافات الواجبة، وبالنهاية هنا دور السوريين محوري من خلال ممثليهم، الذين عليهم وضع كل طاقاتهم، التي يجب أن تستند إلى حيثياتهم الداخلية كي تكون فعالة، ويخطوا باتجاه ما سيكون عليه نظامهم السياسي الآتي، وبالتالي دولتهم البديلة.

اليوم ما من أحد يفوته وجود أصوات متعددة في وفد العارضة السورية، حيث تتعدد المرجعيات الإقليمية والدولية وتتضارب الأولويات والتطلعات. لكن البارز أنه من مؤتمر«أستانة» إلى جنيف، هناك في خلفية مواقف الفصائل العسكرية والمعارضة السياسية، قناعة بأن موسكو في رؤيتها لإنجاز صفقة إقليمية وصفقة كبرى مع الإدارة الأمريكية تتجاوز الإقليم، وبما لا يعرقل خطط روسيا وطموحاتها.

هذه الخلفية أبرز العناصر التي ستسرع من جانب المعارضة التفاوض، وترتب على الروس المؤثرين بشكل ملموس على قرار دمشق، ابتداع رؤية أو مسار، لحلٍ يجمع مصالح أطراف الداخل ودول الإقليم، بانتظار جلوس الروس والأمريكيين على مائدة واحدة وأمامهم الكثير من الملفات، ولا شك أن الطريق طويلة ومعقدة قبل الوصول إلى خواتيم المرحلة الراهنة حيث يشكل ترسيخ وقف النار إنجازا للسوريين قبل سواهم.