أفكار وآراء

«مظاهرات أمريكا».. ماذا تعني ؟

18 فبراير 2017
18 فبراير 2017

د. عبد العاطي محمد -

أحدث القرار التنفيذي الذي اتخذه الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ويقضى بمنع سفر رعايا 7 دول عربية وإسلامية إلى الولايات المتحدة ردود أفعال في أوساط الرأي العام الأمريكي والغربي بوجه عام. وعلى إثره خرجت مظاهرات متفرقة في عدة مدن أمريكية وأوروبية تعارض القرار وتطالب بوقفه، كما تسبب القرار في وقوع صدام حاد وعلى وجه السرعة بين السلطة التنفيذية ممثلة في ترامب وبعض المحاكم الفيدرالية في أكثر من ولاية انتهى بإلغاء هذه المحاكم للقرار.

ولأول وهلة بدت تحركات الرأي العام الأمريكي والغربي عموما وكأنها إنصاف من جانبهم للإسلام والمسلمين، مما أعطى الانطباع عند الرأي العام العربي والإسلامي بأن تغييرا إيجابيا كبيرا قد حدث في موقف الشارع الأمريكي والغربي من الإسلام والمسلمين، وهو انطباع متعجل وغير دقيق إن لم يكن انطباعا زائفا أو وهميا.

وللحق كانت هناك شواهد أعطت لهذا الانطباع زخما بدا جليا من التغطية الإعلامية العربية للحدث وتداعياته ومن تعليقات رواد شبكات التواصل الاجتماعي وكلها ركزت على أن هناك بالفعل جماهير أمريكية وأوروبية غير قليلة تدعو للدفاع عن الإسلام والمسلمين وترفض أية سياسات يشتم منها المساس بهم. ومن هذه الشواهد احتضان المظاهرات التي جرت في مدن كبرى في الولايات المتحدة وأوروبا للجاليات الإسلامية والعربية، ولم تخلو المظاهرات من لافتات الترحيب بالعرب والمسلمين والرفض لقرار ترامب الخاص برعايا 7 دول عربية وإسلامية. كما نشطت الهيئات والمنظمات الإسلامية سواء داخل الولايات المتحدة أو في دول أوروبية كبرى مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا ودفعت في اتجاه تعميق المظاهرات ونجحت مع غيرها من المنظمات الحقوقية الأمريكية والأوروبية في تشكيل زخم غربي معارض لقرار ترامب. وجاءت ذروة النجاح عندما تصدت المحاكم الفيدرالية الأمريكية للسلطة التنفيذية وقضت برفض القرار وهو ما أعاد الأوضاع إلى ما كانت عليه ولو بشكل مؤقت.

ومن المنطقي، بل ومن الطبيعي في ظل هذه المواقف أن يتحصل قطاع كبير من الرأي العام إلى استنتاج مؤداه أن شيئا جللا قد حدث في مواقف الرأي العام الأمريكي والأوروبي لصالح القضايا التي تهم وتخص المسلمين، ليس فقط داخل العالم الغربي وإنما أيضا في العالم ككل. أليست كل هذه المواقف دليلا بالفعل وليس بالقول فقط على أن الجمهور الأعم في الولايات المتحدة وأوروبا يقدر الإسلام والمسلمين والعرب وينتصر لقضاياهم ويرفض أية صورة من صور التمييز ضدهم؟. والإجابة وفقا لما جرى بخصوص هذه الواقعة وغيرها، هي أن هذا الجمهور على هذه العقيدة السياسية بالفعل.

ولكن هناك علامات استفهام عديدة حول ما إذا كان قد حدث فعلا تحول إيجابي له صفة الاستقرار والدوام في مواقف الرأي العام الأمريكي والأوروبي أم لا. وحيث لا توجد إجابات شافية عليها برغم التعاطف الذي لا يطوله الشك في قرار التصدي لقرار منع السفر، فإن القراءة الواقعية لمظاهرات الأمريكيين تضامنا مع المسلمين والعرب وتحديدا المهاجرين منهم والراغبين في السفر والهجرة، تقودنا إلى أن هذه المظاهرات ما هي إلا تعبير عن معارضة لترامب وسياساته لا دعما للمسلمين والعرب أو غيرة عليهم.

بداية لم يأت ترامب ببدعة في قرار منع السفر، فقد سبقه في ذلك الرئيس السابق باراك أوباما، والفرق هو في درجة التشدد فقط. كان أوباما قد قرر في ديسمبر 2015 وضع قيود محدودة على بعض المسافرين الذين زاروا إيران والعراق والسودان وسوريا منذ مارس 2011، ثم أضاف بعد فترة من الوقت كل من ليبيا والصومال واليمن، وذلك ضمن خطوات للإدارة الأمريكية اتخذتها للحد من التهديدات المتزايدة من جانب التنظيمات الإرهابية التي تستخدم مقاتلين أجانب. وتم هذا الإجراء ضمن ما يعرف بالسفر عبر الإعفاء من تأشيرة الدخول. وما فعله ترامب هو أنه أخرج هذه القائمة كما هي من الملفات التي تركها له أوباما، ولكنه توسع وتشدد فيها إلى حد كبير، حيث عمم منع السفر على جميع رعايا هذه الدول. وقد برر ذلك بأنه لإعطاء فسحة من الوقت للإدارة الجديدة لدراسة كيفية التعامل مع ما يسميه «الإرهاب الإسلامي»، ومن هنا تضمن القرار الإشارة إلى كونه مؤقتا (لبضعة أشهر).

ولا شك أن قرار ترامب كان مفاجئا إلى حد كبير، حيث لا يعقل أن يتم التعميم على هذا النحو، بينما الأغلبية الكاسحة من العرب والمسلمين من مزدوجي الجنسية والراغبين في السفر لأسباب معتادة لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بما يسميه ترامب «الإرهاب الإسلامي». ولكن السؤال المشروع هنا هو لماذا لم يحتج أحد من الجمهور الأمريكي أو الأوروبي ولا حتى من السياسيين والإعلاميين على القيود التي وضعتها إدارة أوباما من قبل. ألم يكن هناك تعميم أيضا في القرار آنذاك على كل من سافر إلى تلك الدول،وهل كان من المعقول التمييز بينهم وبين أي مسافرين آخرين لا لشيء سوى أنهم زاروا من قبل تلك الدول. ألم تفعل إدارة أوباما نفس ما تريد إدارة ترامب أن تفعله بخصوص مواطني هذه الدول ولكن بصورة مخففة، فلماذا لم تتحرك المظاهرات آنذاك، وتحركت الآن؟. أليس لأن من قاموا بها هم ممن على خصومة سياسية مع ترامب تصل إلى حد المعارضة، وليس حقا انتصار من جانبهم للقيم الأمريكية التي أصبح يتم التعامل فيها بمكيالين.

ومعلوم للكافة أن إدارة أوباما لم تتحمس لاستقبال اللاجئين السوريين وقبلت أعدادا محدودة منهم مع أن دولا أوروبية مثل ألمانيا وغيرها استقبلت أعدادا غفيرة منهم. ولو أن إدارة أوباما كانت متسقة مع نفسها بالفعل لكانت أكثر الدول استقبالا لهم، استنادا إلى أن الولايات المتحدة بلد المهاجرين والتعددية العرقية والدينية. هكذا كانت تتحدث إدارة أوباما الديمقراطية كل يوم عن القيم الأمريكية وفي القلب منها استقبال اللاجئين، وما اللاجئون السوريون في هذه الحالة إلا كمن هم في وضع الهجرة قسرا. ومع ذلك لم تخرج مظاهرات أمريكية تطالب بقبول اللاجئين السوريين بل وبالكثيرين منهم. وما يؤكد ذلك أن المشكلة برمتها تم إلقاؤها في النهاية في حجر دول أخرى.

وعندما كان ترامب في ذروة مواقفه العدائية ضد المسلمين خلال حملته الانتخابية لم يحدث أن وقعت مظاهرة حاشدة واحدة من جانب الرأي العام الأمريكي تندد بذلك. فالمعلوم للكافة أيضا أن ترامب اقترح في ديسمبر 2015 وقت أن كان من أبرز المرشحين الجمهوريين للانتخابات الرئاسية فرض حظر على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، فضلا عن فرض السيطرة على بعض المساجد. آنذاك لم تتحرك المظاهرات ضد ترامب تعاطفا مع المسلمين واختار وقتها من احتشدوا في الميادين اليوم موقف المتفرج!، مع أنه كان بإمكانهم القيام بذلك بما كان سيشكل ضغطا على ترامب يقد يؤثر عليه وعلى مواقفه .

وكما وعد إسرائيل خلال الحملة الانتخابية بأنه سينقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، سارع بتجديد وعده لها بعد فوزه بالرئاسة، ولم يحدث أن احتج الجمهور الأمريكي على خطوة كهذه بمظاهرة أو حتى مسيرة صغيرة، لا خلال الحملة ولا بعدها، برغم إدراكه للضرر الذي توقعه في مشاعر المسلمين ومعتقداتهم. وإذا مددنا الخيط لزمن مضى لما وجدنا مؤشرا على التظاهر للتعبير عن التعاطف مع المسلمين عندما تعرض المسجد الأقصى للحرق 1969 وفي كل الأحداث العديدة التي تلت ذلك وحتى يومنا هذا ومثلت انتهاكات صارخة للمسجد.

سجل التوجس ضد المسلمين ممتد زمنيا ومتسع أفقيا سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة والأمثلة عديدة لم يمحها النسيان من الذاكرة. يكفي العودة سريعا إلى الوراء لاستحضار واقعة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم التي نشرتها صحيفة «يولاندس بوستن» الدنماركية عام 2005، ورغم موجة الاحتجاجات الضخمة التي عمت العالم الإسلامي، تعمدت صحف أخرى أوروبية إعادة نشرها وكان من بينها مجلة «شارلي إبدو» الفرنسية عام 2006 . وبينما تضامن الجمهور الأوروبي مع هذه المجلة الفرنسية في مظاهرة كبيرة تقدمها قادة الدول الأوروبية إثر الاعتداء الإرهابي على المجلة أوائل عام 2015، لا يسجل التاريخ مشهدا مشابها للتضامن الفعلي مع المسلمين في الوقائع التي تعرضوا فيها للإساءة في مقدساتهم. ومن يرجع إلى بيانات مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) عن حوادث الكراهية التي تعرض لها المسلمون في الولايات المتحدة يجد على سبيل المثال 78 حالة اعتداء على المساجد في عام 2016، و250 جريمة كراهية في عام 2015، بينما كانت هناك 481 جريمة كراهية عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، وفي كل ذلك لم نجد ترجمة عملية للتعاطف مع المسلمين أو دعمهم في شكل مظاهرة هنا أو هناك تستحق التسجيل. والخلاصة أن كل ما جرى ويجري في المشهد الأمريكي هو احتجاج عام معارض للرئيس ترامب من جانب قطاع معين من المجتمع الأمريكي المنقسم على نفسه، وليس دعما لقضايا العرب والمسلمين كما يبدو في أي قراءة متعجلة للمشهد.