928340
928340
إشراقات

العلامة والمؤرخ سعود بن حميد آل خليفين .. جـــنَّد قلمه وفكــره للـذود والدفــاع عن الوطن

16 فبراير 2017
16 فبراير 2017

«النظرة الوطنية عند أبي الوليد» .. عني بحياة الشيخ وآثاره الفكرية -

عرض : سالم بن حمدان الحسيني -

صدر مؤخرًا كتاب «النظرة الوطنية عند أبي الوليد» للمؤلف زاهر بن سعود بن سيف السيابي احتوى على عدة أبواب فقد جاء في فصله الأول ترجمة عن العلامة الشيخ سعود بن حميد آل خليفين، كما أورد في الفصل الثاني النموذج الأول من النصوص الوطنية عند أبي الوليد، ثم تلاه بشرح واف عن الرسالة، كما أورد في الفصل الثاني نموذجا آخر من الرسائل الوطنية عند أبي الوليد، وهي عبارة عن رسالة في الدفاع عن الوطن ورموزه، ثم عرج المؤلف بالتعريف بالإمام محمد بن عبدالله الخليلي والشيخ عيسى بن صالح الحارثي.

ثم ذكر المؤلف جانبا من حياة الشيخ وآثاره الفكرية مركزا على الجانب الوطني، وجاء في حديثه: في هذا البحث المقتضب سنسلط الضوء على شخصية وطنية عظيمة ساهمت في النهوض بالحركة العلمية في عُمان في القرن الرابع عشر الهجري، وجند قلمه وفكره للذود والدفاع عن الوطن ورموزه .. إنه الشيخ العلامة المؤرخ سعود بن حميد آل خليفين رحمه الله الذي لقبه الإمام محمد بن عبدالله الخليلي رضي الله عنه بشمس القراء وداهية العلماء.

وأوضح أن المتتبع في تراث هذا العالم الفذ سيعجب مما تركه من علوم ومعارف ورؤى سياسية ونظرة ثاقبة، فالشيخ سعود قد تربى على يد الإمام السالمي المحرك الأساس للنهضة الإصلاحية في القرن الرابع عشر ولا شك أن هذه الملازمة لذلكم العالم الجليل والإمام الأعظم تركت أثرها في حياة أبي الوليد الفكرية، ففي الجانب الوطني وهو محور الحديث في هذا الكتاب هناك العديد من النصوص التي مثلت هذا الجانب في تراث أبي الوليد، فتارة تجده شاعرًا يناصر وطنه بمدح رمز من رموز الوطن وهرم الدولة كقصيدته التي قالها في تنصيب الإمام سالم وإقامة دولته فقد قال:

بشرى لكلِ موحدٍ فلقد عــــلا

نورُ الهدى متبلجا فوقَ الملا

رَفَعَتْ لنصرِ الدينِ أعلاما لهــا

خَضَعَتْ رقابُ المبطلين تَذللا

نصبوا لإمامِ الحقِ سالمَ الـذي

فَرَحَتْ بطلعتِه السماواتُ العلا

حاما الخلافة بعد ما كانتْ لـه

قدرا فصادفتْ المحلَ الأطـــولا

ألفتْ أكثَرهم هديا وأجلَّهــــم

قدرا وأسمحَهم كريما مفضلا

شقَّ الإلهُ من السلامةِ اسمـَـه

وغذَّاه بالتقوى رضيعا مُطفَلا

فنشأ أعفَّ الجيبِ ورعا طاهـــرا

في عسكرِ التوفيقِ يرفلُ عبهلا

الله أعلمُ حيث يجعلُ أمــــــرَه

مـــــن خلقهِ سبحانَه متفضِّــلا

وتارة أخرى تجده خطيبا بارعا ومتحدثا لبقا ممثلا عن الدولة في محافل احتفالية كالحفل الذي استقبل فيه الزعيم المناضل الشيخ سليمان باشا الباروني، فقد ألقى في ذلكم المحفل خطبة بليغة ولم يكن اختيار الشيخ سعود للخطابة في ذلكم المحفل بالاعتباط ولم يكن اختيارًا عشوائيًا من قبل رجالات الدولة وإنما لمعرفتهم الأكيدة بقدارته وحسن اختياره للكلام والألفاظ الذي يتناسب ومقام الشيخ الباروني، كما أن اختيارهم له للحديث أمام الشيخ الباروني السياسي المحنك والمجاهد البطل أظهر مكانة الشيخ سعود السياسية في الدولة.

وأشار إلى أن الشيخ سعود وُجد كشخصية وطنية في عُمان جنبا إلى جنب مع الشيخ أبي زيد الريامي، والشيخ عامر بن خميس المالكي والشيخ سيف الأغبري والشيخ ناصر بن راشد الخروصي وإن إطلاق لقب (داهية العلماء) على الشيخ سعود من بين هؤلاء الأعلام ومن قبل الإمام محمد بن عبدالله الخليلي يبين لك مكانته الرفيعة في الوطن وعلو كعبه في الآراء السياسية.

في النموذج الأول من النصوص الوطنية عند أبي الوليد أورد المؤلف النص من مخطوط بعنوان «سيرة العلامة الشيخ أبي الوليد سعود بن حميد» وقد جاء فيه: «إن عمان لدار عربية خالصة وإنسانية محضة ذات حرية مستقلة وفطرة سليمة وأنفس أبية لا يقرون على الضيم يمنعون الجار ويحمون الذمار ليس التمدن عندهم إلا إقراء الضيف والضرب بالسيف واقتناء الصافنات العراب وامتطاء الهجان الصعاب وإكرام النزيل وتفديته بالأب والأم والخال والعم».

كما ذكر المؤلف في بداية حديثه المكانة العلية التي تتبوأها عُمان، فقد قال: لهذا الوطن الغالي (عُمان) كيان سياسي ضارب في أعماق التاريخ، فقد كانت مملكة ونظاما سياسيا متكاملا عندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الوفود إلى الممالك وكان من بين هذه الممالك القليلة في ذلكم العصر مملكة عمان وعلى رأسها عبد وجيفر ابنا الجلندى، وقد خصهم الرسول صلى الله عليه وسلم برسالة يدعوهم فيها إلى الإسلام.

بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبدالله إلى جيفر وعبد ابني الجلندى سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوكما بدعاية الإسلام أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما.

إن هذا الاستقلال كان وما زال ملازما لهذا الوطن الغالي، وقد بذل من أجله الأوفياء كل غال ونفيس، فبعد الخلافة الراشدة حافظت عمان على استقلالها في دولة الإمام الجلندى بن مسعود -رضي الله عنه- وفي سبيل هذا الاستقلال وعدم التبعية للدولة الأموية استشهد الإمام الجلندى وأصحابه في معركة جلفار الشهيرة. وقد قيض الله لعمان رجالا أوفياء مخلصين على مر الدهور والعصور يخدمون وطنهم بالغالي والنفيس، ويذودون عنه بأرواحهم، ويعملون على رفعته بكل طاقاتهم، فأفنوا من أجله أعمارهم، ولسموه قضوا زهرة شبابهم..

كما جاء في الكتاب: ولأهل عمان فضائل كثيرة نذكر منها ما ذكره الإمام السالمي في تحفة الأعيان في باب فضائل أهل عمان، يقول: «ذكر أبو يعقوب في لواحق المسند من روايات الربيع بن حبيب عن شيخه أبي سفيان، وهو محبوب بن الرحيل عن أزور رجل من المسلمين قال: إن نسوة من أهل عمان استأذن على عائشة -رضي الله عنها- فأذنت لهن فدخلن عليها وسلمن عليها؛ وسلمن عليها وفي نسخة: وسلمت عليهن ثم قالت: من أنتن؟ قلن من أهل عمان؛ قال فقالت لهن: لقد سمعت حبيبي عليه السلام يقول ليكثرن وراد حوضي من أهل عمان.

ثم قال: لقد من الله على عُمان وأهلها أن جعل مرجع أمورهم إلى علمائهم وأفاضلهم، يقودونهم إلى الخير في كل زمان وإن تغلب عليهم أهل الجور في بعض الأحيان فذلك دأب الزمان وشأن الأمور الدنيوية لا تدوم على حال في جميع الأحيان. ثم أشار إلى أن عُمان دولة ذات حرية مستقلة لا ترضى بالضيم، ولا تقبل بالتبعية لأحد، فعمان ذات موروث حضاري ومخزون ثقافي ليست بحاجة للتقليد والتبعية والانجرار خلف الأهواء. ثم تعرض المؤلف للحديث عن الكرم العربي عامة والكرم العُماني خاصة حيث قال: إن أبلغ ما يمكن أن يوصف به الكرم العماني الذي يشهد له الجميع قول الشاعر:

إذا المرء وافى منزلاً منك قاصدًا

قراك وأرمته لديك المسالك

فكن باسمًا في وجهه متهللاً

وقل مرحبًا أهلاً ويوم مبارك

وقدّم له ما تستطيع من القرى

عجولاً ولا تبخل بما هو هالك

فقد قيل بيت سالف متقدم

تداوله زيد وعمرو ومالك

بشاشة وجه المرء خير من القرى

فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك

والكرم عند العربي عامة وعند العماني خاصة من أفضل الخصال وأحبها إليهم، فمدحوا وأشادوا من اتصف بها وتحلى، وكرماء العرب كثير كحاتم الطائي الذي ذكره الشيخ في أبياته، فهو مضرب للمثل في كرمه.

ثم تطرق المؤلف في معرض شرحه للنص الأول عن رعاية الجار، وحماية الذمار فقال: وكانت العرب تمتدح بالذب عن الجار، فيقولون: فلان منيع الجار حامي الذمار، حتى كان فيهم من يحمي الجراد إذا نزل في جواره، فسمي مجير الجراد. وقال مروان بن أبي حفصة يمدح معن بن زائدة ويصف مفاخر بني شيبان ومنعهم لمن استجار بهم:

هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا

أجابوا، وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

وقال آخر:

هم يمنعون الجار حتى كأنه

كثيبة زور بين خافيتي نسر

وقد كان العرب في الجاهلية والإسلام يحمون الذمار، ويتفاخرون بحسن الجوار وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار. والإسلام يأمر بحسن المجاورة ولو مع الكفار وشر الناس من تركه الناس اتقاء شره.

قال عبد الملك بن مروان لجعيل بن علقمة الثعلبي: ما مبلغ عزكم؟ قال: لم يطمع فينا ولم يؤمن منا. قال: فما مبلغ حفظكم؟ قال: يدفع الرجل منا عمن استجار به غير قومه كدفاعه عن نفسه. قال عبد الملك: مثلك من يصف قومه.

كان بعضهم إذا نزل به جار قال له يا هذا إنك قد اخترتني جارا واخترت داري دارا فجناية يدك علي دونك فاحتكم علي حكم الصبي على أهله وهذا مثل تضربه العرب في التزام ما يحكم به عليها وذلك أن الصبي إذا كان عزيزا في أهله حمله الدلال على طلب ما يستحيل وجوده ويصعب مرامه فهم أبدا يسعون في تحصيل أغراضه وآرابه ليظفروا برضاه ويقدموه على أترابه.

ونحن أناس لا نرى القتل سبة

على كل من يحمي الذمار ويمنع

جلاد على ريب الحوادث لا نرى

على هالك عينا لنا الدهر تدمع

وقولهم: ما منع فلان الذِّمارَ

قال أبو بكر: معناه في كلام: ما يلزم الإنسان أن يحميه. وقال أحمد بن عبيد: إنما سُمي ذِمارا، لأن الإنسان يذمرُ نفسَه، أي: يحضُّها على القيام به. يقال: ذمرت الرجل أذمره: إذا حرَّضته.

ويقال للشجاع: ذِمْرٌ، وللجميع: أَذْمار. قال عمرو بن كلثوم:

وَنُوْجَـدُ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَـاراً

وَأَوْفَاهُـمْ إِذَا عَقَـدُوا يَمِيْنَـا

وقال عنترة

لما رأيتُ القومَ أقبلَ جَمْعُهُم

يتذامرون كررتُ غيرَ مُذَمَّم

أي: يخصّ بعضهم بعضا.

وبصفة علمية فالعرب حماة الجار، ورعاة الذمار، وأسد القفار، لهم الخصال الحميدة، والمكارم العديدة.