أفكار وآراء

التنافسية القطاعية

15 فبراير 2017
15 فبراير 2017

مصباح قطب -

[email protected]  -

اكتسب لفظ التنافسية زخما قويا خلال العشرين عاما الماضية وأصبح جزءا من الخطاب العام في الدول النامية مثلها مثل المتقدمة بغض النظر عن الفروق الفعلية في مكانة الدول في تقرير التنافسية السنوي.

وطوال الوقت كان هناك لدى ليبراليين ويساريين تحفظات قوية على مؤشرات التنافسية ومنهجية اعدادها وكونها بالذات تعتمد على وجهة نظر مجتمع الاعمال وحده وانها تقيس ما مضى لكنها لا تستشرف المستقبل بيد ان ذلك لم يمنع توغل الفكرة في كل القطاعات والمؤسسات الحديثة او تلك التي تأمل ان تنضم الى قافلة الحداثة . وكما هو معروف يعتمد مؤشر التنافسية العالمي على 114 عاملاً لقياس التنافسية ويتم تصنيف هذه العوامل ضمن 12 حزمة أساسية تضم: المؤسسات، البنية التحتية، الاقتصاد الكلي، البيئة، الصحة والتعليم الأساسي، التعليم العالي والتدريب، كفاءة سوق السلع، كفاءة سوق العمل، تطور السوق المالي، الاستعداد التقني، حجم السوق، تعقيد/‏‏ تسهيل الأعمال، والابتكار . وقد ينتج عن الخلل المنهجي المشار اليه مفارقات كانت تسبق اليمن مصر - مثلا - فيما يتعلق بجانب من جوانب مناخ الاعمال او اكثر رغم كل ما يعانيه البلد العربي الشقيق من حرب داخلية طاحنة. لكن لا يجب في أي حال التقليل من اهمية المؤشر ومدى تأثر مجتمع المستثمرين العالمي به وبناء القرارات بناء عليه الى حد ما ولا نقلل ايضا من أهمية مفهوم التنافسية في ذاته مهما تعددت مستويات فهمنا له. لكن مع كل ما تقدم بقي هناك اهتمام غائب في عالمنا العربي الا هو دراسة التنافسية القطاعية للصناعات والمجالات الخدمية المختلفة. وقد حاول المجلس الوطني للتنافسية في مصر منذ سنوات سد هذه الفجوة لكنه توقف عن رصد وتحليل تنافسية كل من السياحة وقطاع الزراعة. وفي الوقت الحالي ظهرت اضافة مهمة حيث اطلق المركز المصري للدراسات الاقتصادية مؤخرا مرصدا للتنافسية القطاعية بهدف تتبع المتغيرات التي تشهدها البيئة الاقتصادية العالمية والإقليمية والمحلية والتي تؤثر على تنافسية الاقتصاد المصري على المستويين الكلي والقطاعي .

الاصدار الجديد انضم الى قائمة اصدارت متميزة يصدرها المركز ومن بينها رأي في خبر (يومي )، واقتصادنا والعالم  (اسبوعي) ، وبارومتر الأعمال وسلسلة اوراق العمل وغيرها ، ويبقى قيد الاصدار في خطة المركز إطلاق مرصد للعدالة الاجتماعية ، ومسح التوقعات الاقتصادية .

اكدت الدكتورة عبلة عبد اللطيف - المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز - ان مرصد التنافسية القطاعية يهدف الى المساعدة على تقديم معلومات تحليلية لصانع القرار وللشركات ، وبصفة خاصة المتوسطة والصغيرة ، وتوجيه بوصلة السياسات ذات العلاقة بالقطاع الذي تتم دراسته، كما يرمي الى ان نحدد بدقة الأنشطة الصناعية الأكثر احتياجا لدعم الدولة وتوقعت ان تكون نتيجة ذلك زيادة الصادرات والعوائد وترشيد استخدامات الموارد .اضافة الى ان منهجية المرصد تقوم على اختيار قطاع واعد وبدول معينة للمقارنة معها وتحديد واضح لعناصر المقارنة وقد تقرر ان تكون البداية الخضوع لاختيار بقطاعي الملابس الجاهزة والصناعات الغذائية مشيرة الى ان اختيارهما خضع لمعايير اهمها فرص العمل العالية التي يوفرانها والقدرة على التصدير ووجود ميزة تنافسية لمصر وارتفاع صادرات القطاعين على المستوى العالمي وقد تم منح درجة افضلية لكل عنصر من عناصر المقارنة التفصيلية المستندة الى ادق بيانات عالمية ومحلية وذكرت الدكتورة عبلة خلال اطلاق المرصد - بحضور ممثلين عن اتحاد الصناعات والمجلس الوطني المصري للتنافسية والخبراء ورجال الصناعة - انه عند دراسة أي قطاع نتحدث عن امكانيات القطاع وليس واقعه فحسب ونطمح في النهاية الى ان يؤدي تطوير القطاعات الواعدة الى المساعدة على وضع مصر على الطريق الأعلى طريق التنمية... طريق المنافسة والكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية حيث بديل ذلك هو الطريق الأدنى الذي ندور فيه حول انفسنا او نراوح مكاننا ، والمهم في النهاية هو اصلاح السياسات جنبا الى جنب مع اصلاح المؤسسات والقطاعات وقد تشاورنا مع القطاع الخاص عند اختيار الدول التي نقارن انفسنا بها وهي مقسمة الى ثلاث شرائح : دول قوية تصديريا ، ودول مجاورة ، ودول منافسة لنا  .

في كل الحالات اخذ المرصد في الاعتبار مساهمة القطاع في الناتج المحلي، وحصته السوقية محليا وعالميا ، وادائه التجاري شاملا الاتفاقيات التجارية للدولة - الخدمات الإنتاجية - الجمارك - النقل واللوجستيات - عدد المنشآت -  فرص العمل - ديناميكية الطلب العالمي - السلع التي نصدرها وهل يزيد الطلب عليها عالميا ام يتراجع - درجة تركز اسواق التصدير - درجة تركز السلع المصدرة - سلسلة القيمة داخل كل قطاع وتكاملها من عدمه - مدى الالتزام بالتسليم في الوقت المحدد مقارنة بالمنافسين وبمعنى آخر المسافة بين تلقي الطلب وتلبيته - تأثر القطاعين بالسياسة المالية والنقدية( خاصة سعر الصرف ) والاستثمارية ، وتنافسية كل سلعة داخل هذا القطاع. وهكذا.

وقد قامت بالبحث الباحثة النابغة مي ايهاب حيث عرضت بشكل تفصيلي وضع قطاعي الملابس الجاهزة والصناعات الغذائية ، واوضحت ان حصة مصر من الصادرات العالمية في الملابس اقل من 1% بينما تركيا 3% وتونس والمغرب اكبر منا ، ومع ذلك فان القطاع يمتلك ميزات ويستطيع ان يطور موقعه خاصة اذا تم التركيز على المنتجات التي يزيد عليها الطلب العالمي وليس تلك التي تتراجع ، موضحة ان من مميزات مصر ان لديها اتفاقيات تجارية متعددة لكن كونها تستورد مدخلات كثيرة لصناعة الملابس فان ذلك يزيد التكلفة فضلا عن انه يزيد الدورة للمنتج الى 90 يوما بينما المتوسط العالمي 35 يوما ،وقالت ان تكلفة اليد العاملة المصرية مرتفعة ايضا بالمقارنة بالمنافسين وانتاجيتها اقل ودعت الدولة الى التركيز على الاستثمار في سرعة انهاء المدينة النسيجية المتكاملة بالصعيد وتشجيع صناعة البوليستر وتوفير خدمات انتاجية ارقى.

اما في الصناعات الغذائية فقد اوضحت الباحثة ان اهم العوامل التي تؤثر على تنافسية مصر هي كون التعريفات الجمركية اقل وتكلفة العمالة اقل من المنافسين وكذا تكلفة الخدمات لكن ترابط سلسلة القيمة ضعيفة في مصر، كما ان السياسات النقدية تؤثر على مجمل قدرة القطاع ودعت الدولة الى ربط السياسة الزراعية بالصناعية والتصديرية وتحفيز المحاصيل المهمة وربط البحوث بالصناعة وقد طالب معلقون من القطاعين( الملابس والغذائية ) بأهمية النظر الى تجربة تركيا خاصة في الملابس الجاهزة  خاصة وأنها نجحت في تصنيع كل المدخلات لديها بل وتصديرها ، وتجربة الهند التي اقامت وزارة للمنسوجات وتصل صادرتها من النسيج والملابس والاكسسوارات الى نحو 65 مليار دولار ، وايجاد مراكز لوجيستية متطورة و اصدار قانون موحد للغذاء( تتم مناقشته بجدية حاليا) ليكمل خطوة انشاء هيئة سلامة الغذاء مع تسهيل الحصول على التراخيص فالبيروقراطية لا تزال اهم عقبة فى طريق المنتج او المستثمر المصري بشكل عام. بقي ان يستفيد قطاعا الاعمال المعنيان بهذه الدراسة البالغة الأهمية وان يكون ذلك نموذجا يحتذى في بلادنا العربية ليعرف اي منتج رأسه من قدميه، كما يقولون وعلى المركز المصري الا يتوقف هو الآخر عن استكمال رصد تنافسية قطاعات اخرى في المرحلة المقبلة مثل مكونات السيارات والمنتجات الجلدية ومتابعة التغير سنويا مع ملاحظة كل ما فيه فرصة وفي قطاع الخدمات عليه ان يدرس مرفق ومنطقة قناة السويس ويقارن مع تجارب عربية ودولية ليعرف الجميع الى اين نتجه ويتم وضع خطط عمل واضحة أمام البرلمان وامام متخذي القرار والمستثمرين. فالتقدم على مسار التنافس لا يأتي صدفة.