927549
927549
عمان اليوم

الدبلوماسية العمانية تعمل على ضبط إيقاع المشهد في المنطقة

14 فبراير 2017
14 فبراير 2017

من طهران إلى مسقط -

قضايا عديدة على طاولة النقاش تنتظر أفكار ورؤى جلالة السلطان وروحاني -

عاصم الشيدي:-

تحمل زيارة الرئيس الإيراني الدكتور حسن روحاني اليوم إلى السلطنة الكثير من الأهمية إذا ما قرئت مع مجمل المتغيرات التي تشهدها المنطقة ابتداء بالحروب التي تعصف في اليمن جنوبا وفي سوريا والعراق شمالا وليس انتهاء بموقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الاتفاق النووي بين الغرب وإيران.. والذي كانت السلطنة أحد أهم أطرافه منذ أن كان فكرة تدور في ذهن جلالة السلطان، حفظه الله، فاتح بها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في يناير من عام 2011 فيما كانا يتناولان وجبة غداء في بيت البركة العامر وقال لها كما ذكرت في مذكراتها: «أستطيع المساعدة»، وإلى أن تم توقيع الاتفاق الذي أفرح العالم لأنه أعاد إيران إلى المشهد الدولي وأبعد حربا كان يمكن أن تشتعل على ضفاف الخليج العربي ولا يعرف لاحقا امتدادها في الإطارين الزماني والمكاني وقربها وبعدها من عمق الخليج.

ورغم أن روحاني سيزور في اليوم نفسه الكويت أيضا ، ما يعني أن زيارته للسلطنة ستكون قصيرة إلا أن سخونة ملفات النقاش ستبقى في توهجها وأهميتها مستمدة كل ذلك مما يحدث في المنطقة من جنوبها إلى الشمال.

وسيمتد نقاش الملفات من مسقط إلى الكويت ولن يكون جنوب العراق عن النقاش ببعيد.

وتعقدت الحالة العربية اليوم وتشابكت بإيران كثيرا إلى درجة صار أي حل أو تسوية سياسية لا يمكن أن يتم بمعزل عن الحضور الإيراني سواء كان ذلك في اليمن أو في العراق أو في سوريا. ولما كانت العلاقات العربية الإيرانية شبه مقطوعة في الغالب الأعم مع أغلب الدول العربية، يتبدّى دور السلطنة مرة أخرى في التدخل من أجل البحث عن مخارج وتسويات سياسية من شأنها حقن المزيد من الدماء وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء العرب ـ العرب، والعرب ـ الإيرانيين. وعلاقة السلطنة بإيران علاقة وثيقة منطلقة من أبعاد تاريخية لكنها أيضا لا تنفصل عن كون إيران دولة جارة اختارتها الجغرافيا، ولا بدّ للسياسة أن تنظر بدقة من عدة أبعاد تأتي الجغرافيا، التي لا يمكن تغييرها، في مقدمتها. وستكون الأنظار موجهة اليوم إلى مسقط لمعرفة ومحاولة استشراف ما يمكن أن تنتج عنه الزيارة من نتائج آنية أو مستقبلية. متخذين إمكانيات السلطنة الدبلوماسية وعلاقاتها الرصينة مع طهران معولا أساسيا لنتائج مهمة. والمعروف أن الجميع ينظر إلى عمان باعتبارها مفاوضا نزيها وصديقا يتمسك بالثوابت ولا يخضع للتحولات والأهواء السياسية. ومعروف أن السلطنة لديها نفس طويل في المفاوضات وتعول كثيرا على طول الوقت حتى لو تعقدت الملفات وتشابكت.

ويمكن العود والاستشهاد بما ذكرته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في مذكراتها التي حملت عنوان «خيارات صعبة» فهي تذكر تفاصيل الدور العماني في حل قضية الملف النووي الإيراني ونفسها الطويل وإصرارها على الحلول السلمية. تقول كلينتون «كنا جالسَين إلى مائدة غداء ، في قصر من تصميم السلطان نفسه، في العاصمة العمانية مسقط، في أقصى شبه الجزيرة العربية، عندما صدح اللحن العسكري المألوف «جرس الحرية» لجون فليب سوسا «لا يمكن إغفال رمزية استخدام مارش جرس الحرية الذي يرتبط بفكرة استقلال أمريكا عن بريطانيا العظمى في هذه اللحظة التي سبقت حديث جلالته». ابتسم السلطان ، معلقا في حزامه الخنجر الخاصة بالاحتفالات، وعلى رأسه عمامة ملونة، ونظر إلى أعلى، حيث ظهر قسم من الأوركسترا السمفونية السلطانية في عمان على شرفة فوقنا، مغطاة جزئيا بشاشة. كانت لفتة تقليدية من قائد محنّك ولبق، يثمن علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية، ويهوى الموسيقى، وهو من استخدم نفوذه المطلق لتطوير بلاده، طوال سنوات حكمه الممتدة أربعة عقود..» تكمل كيلينتون لتقول: « ما رغب السلطان في قوله كان، بعدُ، أكثر إثارة، في 12 يناير 2011، أي قبل أيام قليلة من بداية الربيع العربي الذي قلب لعبة الشطرنج الجيوساسية في الشرق الأوسط.. «أستطيع المساعدة»، قال السلطان. كان جميع الأطراف يعدونه أحد القادة النزهاء، لتمتعه بعلاقات وثيقة مع كل من واشنطن ودول الخليج وطهران. فاقترح استضافة محادثات مباشرة وسرية بين الولايات المتحدة وبين إيران لحل المسألة النووية، بعدما فشلت كل المحاولات السابقة لإشراك النظام الإيراني. لكن السلطان أعرب عن اعتقاده أن ثمة فرصة لديه لتسهيل الحلحلة».

وما يدل على أن السياسة العمانية لديها نفس طويل وصبر من أجل تحقيق تحولات استراتيجية ومفصلية في المنطقة فإن سنوات مرت ومنعطفات كبيرة لكن الفكرة العمانية بقيت قائمة في ضرورة عقد لقاءات مباشرة بين إيران وبين أمريكا.

تواصل كلينتون سرد التفاصيل وتقول إن السلطان قابوس تمكن في أكتوبر 2011 من إعطاء الولايات المتحدة ضمانات أن الإيرانيين سيتحدثون مع المرشد الأعلى.

وفي يوليو من عام 2012 وفيما كانت هيلاري كلينتون تقوم بزيارة إلى باريس انفصل عنها الدبلوماسي الذي تصفه «بالكتوم» جايك وبنيت بطريقة شديدة السرية وتوجه إلى مسقط وفي اليوم التالي التقى بفريق إيراني، وطرح الوفد الإيراني شروطا مسبقة رأت أمريكا أنها غير مقبولة بالمرة. إلا أن ذلك اللقاء ظل علامة بارزة في ما حدث لاحقا. وفي مارس من عام 2013 عاد جايك إلى مسقط مرة أخرى والتقى الفريق الإيراني إلا أن الأمور لم تكن قد نضجت بعد. لكن الدبلوماسية العمانية رأت أن الأمور ما زالت ممكنة وحثت الطرفين على المحاولة مجددا وإعطاء خيارات الحلول السياسية المكانة الأولى.

تقول كلينتون بعد انتخاب الرئيس حسن روحاني تحمست عمان لمعاودة الكرة مرة أخرى وطرح السلطان خلال زيارته لطهران الأمر على الدكتور حسن روحاني وتلقى ردا إيجابيا.. واستأنف جايك وكان هذه المرة قد أصبح مستشار نائب الرئيس الأمريكي بايدن لشؤون الأمن القومي اللقاءات في مسقط مع المسؤولين الإيرانيين.. وبدت تتضح الخطوط العريضة لاتفاق نووي.

وفي أكتوبر من عام 2013 كانت السلطنة متفائلة جدا بتحقيق نصر دبلوماسي وبدأت بشكل سري جدا في إجراءات رسمية مع مجموعة خمسة زايد واحد في جنيف. وبعدها ظهرت إلى العلن مفاوضات مباشرة بين إيران والغرب برعاية عُمانية. ولم يكن أمام مراكز القوى الراديكالية من الطرفين وأطراف أخرى في المنطقة إلا أن تقبل بالأمر الواقع وتنظر إلى الاتفاق من جانب إيجابي حتى لو بدا من بعضها غير ذلك.

لكن هذا الاتفاق الذي نظر إليه العالم بكثير من الإعجاب يبدو أنه يشهد بعض التعقيدات في هذا الشتاء العاصف في أمريكا التي حلّ في بيتها الأبيض رئيس جديد تبدو الكثير من تصريحاته كفيلة بتعقيد المشهد الإيراني ـ الأمريكي والدفع به بعيدا عن مناطق الهدوء والتفاهمات الدبلوماسية.. وهذه المرة الأمريكي فقط فيما بقية الدول الغربية ما زالت تنظر إلى الاتفاق النووي باعتباره إنجازا سياسيا لا يجب التفريط به بسهولة.

لكن يبقى هذا المشهد متشكلا ومستخلصا من التصريحات الإعلامية فقط فيما تبقى التحليلات العميقة ترى أن الاتفاق النووي لا رجعة عنه وأنه صامد ما دام العالم لا يبحث عن الحرب بحثا.. وهو اتفاق في صالح توجه أمريكا لإعادة علاقاتها مع إيران. وفي الحقيقة فإن السياق التاريخي الأمريكي ـ الإيراني يعزز هذا القول ويؤكده.

وتتمسك السلطنة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في قراءتها لأحداث المنطقة بمنهج يعطي قراءة التاريخ وسياقاته أهمية كبيرة. والتاريخ يقول إن علاقة إيران بأمريكا علاقة ضرورية وأن أمريكا ترى في إيران حليفا مهما ودولة يمكن أن تشكل توازنا مهما مع دول الجوار، صحيح أن عراق اليوم لم يعد كما كان في الثمانينات وأن سوريا انتهت تقريبا ولكن النظرة الأمريكية لا ترى أمام قدميها فقط ولكن ترى إلى المستقبل البعيد وتخطط لعقود طويلة وليس لأيام آنية. ويمكن هنا استذكار الدعم الأمريكي لإيران خلال حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي والمعروفة بـ «إيران جيت». كما يمكن استذكار أحداث ثورة مصدق، أو ثورة تأميم النفط عام 1951 التي سرعان ما فشلت واستعاد الشاه محمد رضا بهلوي هيبة عرشه ولو بمساعدة خارجية رئيسية. ونقل روزفلت في كتابه الانقلاب المضاد عن الشاه أنه قال بعد إسقاط مصدق والقبض عليه «أنا مدين بعرشي لله ولشعبي ولجيشي ولك» يقصد روزفلت، والأخير هو المعني أكثر من البقية والذي يرمز عموما إلى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. واعترفت أمريكا قبل سنتين تقريبا وبشكل رسمي أنها كانت وراء إسقاط مصدق.

وواقع التاريخ وقراءته أيضا تقول إن أمريكا لا يمكن أن تترك إيران لروسيا في ظل الصعود المنتظم لروسيا وحضورها ندا في المشهد الجديد في المنطقة. ويمكن الرجوع إلى مرحلة التنافس بين روسيا وبين أمريكا بعد أن بدأت بريطانيا تنسحب رويدا رويدا من المشهد. وربما تدرك أمريكا أن الروس كانوا أكثر ذكاء في سياق تقربهم من إيران.. ويمكن الرجوع هنا إلى اختيار طهران ليُعقد فيها اجتماع الثلاثة الكبار عام 1943 للتخطيط لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكيف قام الشاه بزيارة مجاملة إلى الرئيس الروسي ستالين في ذلك الوقت والرئيس الأمريكي روزفلت الذي أقام خلال تلك الفترة في السفارة الروسية ولم يُقِم في سفارة بلاده. وقام ستالين برد الزيارة للشاه وذهب إلى قصره دون حرس، إلا أن روزفلت لم يُرِد زيارة الشاه بل أرسل له برقية بعد مغادرته يقول فيها إنه انتبه إلى أن إيران تعاني من نقص في الأشجار وإنه يقترح عليه برنامجا تجريبياً لغرس الأشجار. ولا يخفى حجم الإهانة والازدراء التي شعر بها الشاه في تلك المرحلة. ولذلك لن تكرر أمريكا اليوم نفس السياق، وإنْ كنا نسمع اليوم الكثير من التصريحات الإعلامية من الرئيس ترامب، وستكون أكثر ذكاء في استمالة إيران ناحيتها. كل هذه التجاذبات وكل هذه السياقات ستكون في مشهد الزيارة، وستكون حاضرة في البعد التاريخي للمناقشات التي ستجري بين القيادتين .

وستكون نتائج المباحثات في حجم طموحات شعوب المنطقة في سلام ووئام يجنب المنطقة ويلات الحرب، والاستنزاف الذي تتطلبه خلال مرحلة الحشد لها. والأوضاع الاقتصادية يبدو أنها لا تسمح بالكثير من الاستنزاف.. ناهيك عما استنزفته الحروب القائمة سواء من المال أو من الخوف والقلق ومن فقدان المصداقية واليأس من مرحلة جديدة يمكن أن تشرق على هذه المنطقة.