الملف السياسي

الحاجة إلى إصلاح الأمم المتحدة

13 فبراير 2017
13 فبراير 2017

عبد الله  بن علي بن  العليان -

يطرح الحديث كثيرا، منذ عدة عقود، حول إصلاح المنظمة الدولية، لكي تلعب دورا محوريا وفعالا في قضايا السلام والأمن الدوليين، وهذا جاء بعد تقاعس الأمم المتحدة عن حل الكثير من القضايا العالقة والخافتة، التي لم تحل منذ عقود طويلة، وأهمها، قضية فلسطين التي تعتبر قضية أهملها ضمير المجتمع الدولي، أو يكاد، مع أن القرارات الدولية واضحة وصريحة في حق هذا الشعب في استعادة حق الشعب الفلسطيني السليب من الاحتلال، ويحدث هذا على وجه الخصوص، من جانب الدول الكبرى التي لها حق النقض( الفيتو)، إلى جانب ازدواجية المعايير من بعض هذه الدول، والتقاعس عن اتخاذ قرارات عادلة، تضمن الحقوق، وتعاقب المتعدي، وهذا ما جعل هذه المنظمة، عاجزة وغير فاعلة لتحقيق السلام والأمن الدوليين، ومعاقبة الدول التي تخالف القوانين الدولية التي أقرتها ووافقت عليها الدول الكبرى، التي تخالف هي هذه النظم التي تم إقرارها بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا ما جعل قيمة القرارات التي تقرها هذه المنظمة في مهب الريح، ولا قيمة لها فعليا في الواقع، مما يتطلب إصلاحها وتجديدها، وإعادة النظر في قوانينها مرة أخرى، حتى تستطيع أن تقوم بالدور المطلوب، وهذا ما يجب أن تلتزم به الدول المهيمنة عليها من حيث الالتزام بالقرارات التي يتم إقرارها، والكف عن استخدام حق النقض، الذي يساهم في الإقصاء والإهمال للقرارات التي يتم طرحها للتصويت، لإقرار الحق العادل، ومعاقبة الدول التي تخالف قراراتها .

ولا شك أن زيادة التوترات والصراعات في العالم كان من أهم أسبابه ضعف المنظمة الدولية، والمعايير المتناقضة للدول المؤثرة في هذه المنظمة، حتى أن بعض الدول الكبرى تتجاهل هذه المنظمة وعدم إشراكها في بعض المشكلات القائمة من خلال المؤتمرات، ولذلك فإن دعوات الإصلاح للمنظمة التي يطرحها البعض من الباحثين والمختصين بالمنظمات الدولية، صحيحة ومهمة لإبعاد شبح الحروب والصراعات التي زادت بصورة لافتة وخطيرة، مما يستدعي مراجعة لوائح وقوانين المنظمة الدولية، حتى تستطيع القيام بواجبها المنوط بها، في حفظ السلام والأمن الدوليين، وفي هذا الإطار دعت البرازيل وألمانيا واليابان والهند، كما يدعو د/‏‏ جورج طريف «إلى تكثيف الجهود لإجراء إصلاحات عاجلة لمجلس الأمن الدولي لتعكس بشكل أفضل الحقائق الجيوسياسية للقرن الحادي والعشرين وجعل المجلس أكثر تمثيلا على نطاق واسع، وفي بيان مشترك صدر بعد اجتماع وزراء الخارجية الدول الأربع - البرازيل وألمانيا واليابان والهند - على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أشارت تلك الدول إلى أنه بعد ما يقرب من سبعين عاما على إنشاء الأمم المتحدة طال انتظار إصلاح مجلس الأمن. كما أشار البيان إلى أن الصعوبات التي يواجهها مجلس الأمن في التعامل مع التحديات الدولية بما فيها الصعوبات الحالية قد أبرزت الحاجة إلى إصلاحه منوها إلى أهمية البلدان النامية ولا سيما في إفريقيا في أن تكون ممثلة في كل من فئتي العضوية، الدائمة وغير الدائمة في مجلس الأمن الموسع.

من هنا فإن إصلاح الأمم المتحدة أصبح أمرا ضروريا وملحا كمصلحة إنسانية وعالمية وعلى عواصم صنع القرار تحمل مسؤولياتها في هذا الاتجاه ليتسنى للمنظمة الدولية القيام بمهامها بالشكل المطلوب ووضع حد للهيمنة واحتكار القرار الدولي الأمر الذي يحقق العدالة والشرعية الدولية وبالتالي امن واستقرار شعوب العالم».

وهذا هو مربط الفرس، كما تقول الأمثال، في قضية إصلاح المنظمة الدولية، لتقوم بالدور الذي يلقى القبول والاستجابة من كل دول العالم، وإشاعة جو العدل والثقة لهذه الجهاز الأممي المهم في إرساء قيم العدل والحق والحرية، لكل الدول، وفي كل القضايا، دون معايير ومقاييس متناقضة وغير عادلة، تتخذ دون تحقيق لأهداف هذه المنظمة التي يجب أن تكون كما تم وضع ميثاقها، أنها تهدف إلى إقامة السلام ورد العدوان.

وبدون تطبيق هذه المعايير بالعدل، فإن التوتر والصراع سيزداد، والقوي سيعتدي على الضعيف، وهذا ما تقره شريعة الغابة، لا شريعة العدل والحق، والمسألة ليست في قضية تغيير الوجوه، بل في تفعيل القوانين والنظم التي تم إقرارها من الدول التي هي الآن تخالف هذه القرارات الدولية، بأساليب وطرق متعددة ومعروفة، ومنها حق النقض، الذي يجهض الحقوق المشروعة، ويزيد من التوتر والاحتقان والحروب، وليس التطرف والإرهاب، عن بعض هذه المواقف الدولية، وعندما يشيع العدل وتعود الحقوق للجميع، فان المشكلات جميعها سوف تتوارى عن مسرح العالم، فالعدل والحق سيلعبان دورا مهما في إرساء السلام. فعندما احتلت أفغانستان، ثم العراق خارج الشرعية الدولية، برز انقلاب في النظام الدولي رأسا على عقب، وأعيدت حسابات كثيرة ترى أن هذه الخطوة ربما تعجل بانهيار هذا النظام القائم على المدى البعيد، أو على الأقل عودة التعددية القطبية بنظام دولي جديد وحرب باردة تكون أكثر شراسة في وجه الولايات المتحدة وشركائها في هذه الحرب غير الشرعية وغير المبررة، ولعل التصريح الشهير الذي أدلى به الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب أثناء الحرب الخليج الثانية بأن « سلطة القانون لا سلطة الغاب هي التي تحكم هذه الدول في المستقبل»! فهذه الإشارات من رئيس اكبر دولة في العالم آنذاك، جعلت العالم ينظر نظرة متفائلة لفرض القانون على الجميع، بما يمثله هذا التصريح الذي بشر بنظام عالمي جديد تسوده روح العدل والحق وتحميه قوة القانون الدولية، بحيث يصبح أكثر عدلا لحقوق الشعوب في الحرية والديمقراطية والاستقلال.

لكن هذه الآمال سرعان ما تبددت الصورة مخيفة! فالصراعات بعد ذلك تفاقمت بصورة لم يسبق لها مثيل حتى أن البعض أعرب تشاؤمه من عبارة النظام الدولي الجديد واستبدلها «بالظلم العالمي الجديد» إشارة إلى ما يحدث من حروب وصراعات، دون ازدواجية المعايير، وتخلي المنظمة الدولية عن دورها لصالح الدول الكبرى المؤثرة والمهيمنة على الأمم المتحدة، كان التوقع أن الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الدور الأكبر في طرح هذا الشعار واستغلاله ! أن تقف بحزم لتثبيت هذا النظام وإيجاد الأسس والقواعد العادلة ليكون متسقا مع الدور الذي يظل ضعيفا للمنظمة الدولية، وفي غياب نظام دولي عادل، يقف مع الحقوق، وينبذ الظلم.

ولا يمكن أن يتحقق للأمم المتحدة أن تقوم بالدور الإيجابي والمهم في القضايا الراهنة، إلا من خلال تعديل ميثاقها، وإعادة النظر في حق النقض (الفيتو)، والتحقيق للقرارات التي تسهم في إرساء العدل ورفع الظلم، دون محاباة، أو معايير مختلفة.