925473
925473
شرفات

وحيد الدين خان .. مفكر برؤية علمية منهجية«3» كيف نطلب الحكمة من هذا الدين

13 فبراير 2017
13 فبراير 2017

عبدالله العليان -

انتقد المفكر الإسلامي وحيد الدين خان، بعض الجماعات الدينية، من خلال بعض رموز هذه الجماعات ، التي ترفع شعار الجهاد، ويتم حصره في القتال فقط، والجهاد لا ينحصر في القتال، فهو متعدد الجوانب،وفق رؤية القرآن الكريم، وفي كثير من الأحاديث النبوية، منها جهاد النفس،وجهاد المال، إلى جانب الجهاد بالنفس، وهذه الرؤية الفكرية التي طرحها وحيد الدين خان، لاقت نقداً من البعض، وتم الزعم أنه يريد إلغاء الجهاد في الإسلام ،ويرى العلامة وحيد الدين خان في كتابه (حكمة الدين)، «ان علم «حكمة الدين» أو «أسرار الشريعة» من العلوم التي نشأت لشرح الإسلام وتفسيره، كما أن هذا العلم يهدف إلى البحث عن الحكم وراء التعاليم الدينية والتنقيب عن المصالح الكامنة فيها؛ فتحديد أركان الحج وواجباته، وتبيين أسلوب تأديته هو الفقه، أما أن تبين فوائد الحج فتقول: «إن الحج يكون ـ حول محور عبادة الله ـ مجتمعًا عالميًّا لأهل الحركة الإيمانية»، فهذا هو علم حكمة الدين.وكما أن معظم الحركات الإسلامية بدأت مع ظهور الإسلام وتطورت فيما بعد؛ فكذلك كان البحث عن حكمة الدين من الموضوعات المحببة إلى نفوس علماء الأمة ومفكريها منذ ظهور هذا الدين.إن قدرًا كبيرًا من المعلومات في هذا الموضوع، كما يقول وحيد الدين، متناثر في مكتبتنا الإسلامية الضخمة، ولكن الكتب التي تناولت هذا الموضوع نفسه قليلة جدًا؛ فإنه يمكننا أن نشير إلى مئات الكتب حول فن ما من الفنون أو علم ما من العلوم الإسلامية، إلا أن الأمر يختلف فيما يتعلق بموضوع حكمة الدين، ولعل كتاب «حجة الله البالغة» للإمام ولي الله الدهلوي أبرز جهد في هذا الحقل، بيد أن هذه الجهود تتعلق بجانب واحد من جوانب حكمة الدين؛ فإنك لو ألقيت النظرة من جانب آخر على هذه الجهود لتبين لك أن علم «حكمة الدين» كان أقل حظًّا وأندر اهتمامًا من جانب علماء الأمة». الحيثية الأساسية للإنسان كما شرعه الإسلام وارتضاه للمسلمين، كما يرى وحيد الدين خان إن هذا «الدين عند تنفيذه يشمل عناصر كثيرة يمكن أن يطلق على مجموعها بأنها «نظام الحياة»، ولكن هذا مظهر من مظاهر الدين وحقيقة من حقائقه، إنَّها حيثية إضافية من حيثيات الدين، وليست هي الحيثية الأساسية.إن الذين حاولوا دراسة الدين في ضوء فكرة «النظام» ، وفق رؤية وحيد خان ، قد وقعوا في نفس الخطأ الذي قد وقع فيه الذين أقاموا لدراسة الإنسان النظرية القائلة: «إن الإنسان حيوان اجتماعي»، إنه مما لا شك فيه أن للإنسان وجودًا اجتماعيًّا في حياته العامة، ولكن هذه الحيثيَّة ليست هي الحيثية الأساسية للإنسان؛ فكونه اجتماعيًّا مظهرٌ واحد من المظاهر التي يكتمل بها الوجود الإنساني، إن الحيثية الأساسية للإنسان أنه مخلوق ذو روح وذو إرادة، أما الحيثيات الأخرى - من اجتماعية وغيرها - فكلها خارجة من بَطنِ هذه الحيثية الأساسية.فالقول بأن «الإنسان حيوان اجتماعي» هو بمثابة القول بأن كون الإنسان اجتماعيًّا هو الأساس الذي يمكننا فهم الإنسان في ضوئه، ويتَرتَّب على هذا أن جميع حيثيات الإنسان سوف تتفرَّع من هذا لأصل، وسوف تكون جزءًا من أجزاء هذا الأساس، ويقتَضِي هذا التفسير لظاهرة الإنسان أن تكون جميع الحيثيات التي لا بدَّ منها لظهور الإنسان - تابعةً لحيثيته الاجتماعية؛ فمثلاً يقتضي كون الإنسان حيوانًا اجتماعيًّا أن يظهر في صورة الجسد والروح، وأنه لهذا السبب يتمتَّع بالروح والجسد، وهو يقتضي أن تكون للإنسان سياسة؛ فلذلك يوجد لديه هيكل فكري سياسي، وهذا التصور يقتضي أيضًا أن يقوم الحيوان الاجتماعي بتفسير علاقته بالكون،ولذلك ظهرت فلسفة خاصة به إلى الوجود.. إلخ.

وإن هذا التفسير لظاهرة الإنسان، كما يشير وحيد الدين، يتناول في ظاهر الأمر كل حياة الإنسان، ويبدو تفسيرًا متكامِلاً، ولكنك لو أمعنت النظر لوجدت فيه أخطاء عديد، كما أشار إليها وحيد الدين:أولاً: إن الحيثية الأساسية للإنسان في ضوء هذا التفسير هي التمدن، أما العناصر الأخرى فلا تجد لها مكانًا إلا كتوابع لهذه الحيثيَّة الأساسية، هذا بالرغم من أن الأصل في الإنسان هو كونه ذا روح، أما جميع الحيثيَّات الأخرى فهي مظاهر أو توابع أو مقتضَيات لهذا الأصل. ثانيًا: لقد تغيَّر المطلوب من الإنسان بتغيُّر النظرة إليه؛ ففي ضوء هذا التفسير يكون المطلوب أساسًا هو كل ما يساعد الإنسان على النهوض بتمدُّنه، بالرغم مِن أن المطلوب الأساسيَّ يَجب أن يكون الشيء الذي يكون مطلوبًا منه كوجود روحانيٍّ.ثالثًا: والأمر لا يتوقَّف عند هذا الحدِّ بل إنك إذا نظرت إلى الأمر من الناحية العملية؛ فستجِد أنَّ كلَّ شيء قد اختفى، فمَنبَع جميع نشاطات الإنسان ومَظاهرُه هو الروح، ولِذَلك لا يمكن توقُّع نتيجة مهمة في الحياة الإنسانية، إلا إذا كان يسندها اعتقاد راسخ في نفس الإنسان وأعماقِه بضرورة تلك النتيجة وحَتمِيَّتها لوجوده.

ويتساءل المفكر وحيد الدين في هذه الرؤية التي يراها جديرة بالمراجعة للتاريخ الإسلامي الذي يقدم بعض الرموز الإسلامية، اجتهاداً تفسيرياً لبعض الآيات القرآنية فيقول»هل التاريخ الإسلامي يقدم دليلا على أن الدعوة الدينية دعوة لإقامة النظام...أما من الناحية العملية؛ فإن تاريخ الأمة كله يفتقر إلى مجاهد واحد كافح لأجل «حركة ثورية جامعة» من هذا النوع؛ لقد انتشر المسلمون في معظم أنحاء الأرض وقاموا بالدعوة إلى الإسلام، وأقاموا دولاً إسلامية في بلاد كثيرة، ولكن لم يحدث في مكان ما أنهم بدؤوا دعوتهم بالمناداة بالثورة الإسلامية، أو بإقامة «الحكومة الإلهية»، وإذا كان بعض كُتَّابِ هذا التفسير قد حاول البحث عن بعض الأمثلة لمثل هذه الدعوة في تاريخ الإسلام؛ فإن ذلك لا يعد من باب التاريخ بل هو تأليف التاريخ، أما إذا ادعى مختَرِعو هذا التفسير أن جميع الحركات الإسلامية في تاريخنا الطويل كانت حركات ناقصة، أو أنَّ أصحابها لم يكونوا على دراية كاملة بالدين - فإنَّ مثل هذا التأويل إنما هو اعتراف بخطأ هذا التفسير وعدم علاقته بالإسلام الصحيح لَيسَ غَير؛ وذلك لأن الاعتراف بخطأ أفكار رجل ما أهون من أن نعتبر تاريخ الدعوة الإسلامية كله ناقصًا!»

إن بعض الناس، كما يقول وحيد الدين، وهو يشير إلى بعض كتابات العلامة المعروف الأعلى المودودي في مؤلفاته عن مفهوم الجهاد، ومفهوم الحاكمية والجاهلية ، «يشعرون بخطأ هذا التفسير، ولكنَّهم يفتقدون الشعور الواضح المحدد لنوعية هذا الخطأ، إن هؤلاء الناس لم يتمكنوا من تحليل ذلك الخطأ؛ ولذلك لم يفكروا بعد في أسلوب الحل الصحيح.. إن خلاصة شعورهم أن الجانب الروحي من الإسلام قد تعرَّض للانحطاط في خريطة هذا التفسير بينما برَز جانبه السياسي بروزًا كبيرًا، إنهم يرون أن للمصادفة دخلاً في ذلك، ومرده إلى الظروف الخاصة التي بدأ فيها صاحب هذا التفسير في عرض أفكارِه؛ فقد كان ذلك هو عصر الطوفانات السِّياسيَّة والحركات التي كانت قائمة على قدم وساق ضد الاستعمار الإنجليزي، وكان من جرَّائه أن غلب الطابع السياسي على كتاباته، والحل أمام هؤلاء هو العمل على إبراز الجوانب التي تعرَّضت للإهمال عن طريق الخطابة والنشر، وبذلك نقدِّم التصور المتوازِن للدين؛ حتى تستعيد الجوانب الأخرى من الدين مكانتها إلى جانب السياسة والحكم.ولكن هذا تقدير ناقص جدًّا للصورة؛ إن هؤلاء يعتبرون أن هذا الفكر تأثُّر وقتي نابع من الظروف، بينما هو تفسير جديد مستحدث للدين، وللسبب نفسه يفكر هؤلاء الناس في اتخاذ تدابير مؤقتة، إنهم يريدون تصحيح الفساد الكلي بالترميم الجزئي، ومثلهم في هذا كمثل الطفل الذي يجد لعبة الجغساو (gigsaw puzzle) ،فيرتب أجزاءها على صورة الجمل كما يشير وحيد الدين خان، على الرغم من أنَّها للحصان في حقيقتها، وإذا ادعى أحدهم أن العنق فقط هو الذي طال في هذا الترتيب الخاطئ، وأننا سنحصل على صورة الحصان لو أنقصنا شيئًا من طول العنق، والواضح أن هذا ليس تدبيرًا صحيحًا؛ لأن كون الأجزاء خاصة بالجمل أو الحصان، إنما يتعلق بالحكمة الجامعة لتلك اللعبة، أما إذا خُيِّل لأحد الناس أن الأجزاء الخاصة بالحصان هي للجمل، ثم يقيم صورة له، فالذي سيحدث نتيجة لذلك ليس هو طول العنق فقط بل لا بد أن صاحبه قد حاول أعطاء المجموعة كلها صورة الجمل بدلاً من الحصان بمجرد تقصير مسافة عنق الجمل بل يجب وضع الأجزاء كلها من جديد مكانها المناسب». ويرى العلامة وحيد الدين خان،يجب أن نميز بين جوانب متعددة في قيم الإسلام وفي أحكامه، وهذا التمس، وهذا «التمييز بين أحكام الدين ـ من حقيقية وإضافية ـ إنما يوضح الفرق النوعي بين الأحكام الإسلامية، وهذا الفرق النوعي بين أحكام الدين ليس حول وجوب حكمٍ ما أو عدم وجوبه بل هو عن الظروف التي يجب فيها الانصياع لحكمٍ ما أو عدم وجوب الانصياع له، أما إذا كانت الأحكام - من كلا النوعين - واجبة ومطلوبة من العبد في ظرف من الظروف؛ فلا فرق بينَهما من ناحية الأداء البتة، أي: إن كليهما يكون حينذاك مطلوبًا بقدر واحد من الأهمية.

إنَّ هذا الخلاف الفكري ، كما يقول، الذي بيَّنَته آنفًا ينشأ عنه الخلاف في النظر إلى المهمة ذاتها التي تَقَع على عاتق المؤمن بنظرية ما؛ فإن وجودَ الشيء ـ الجامع بين مجموعة ما ـ يعنِي وجود المجموعة كلها، وانعدامه يعنِي انعدامها، كذلك، والمؤمن بنظرية ما يسعى إلى تَحقيق الشيء الجامع بين أجزاء المجموعة قبل أن يسعى لتحقيق أجزائها الإضافية». والإشكالية التي ركز عليها العلامة وحيد الدين خان في هذا الكتاب وانتقد بعض الآراء التفسيرية للدين، وهو ما سماه(الإفراط والتفريط)،بين القيم الروية التي سار فيها البعض إلى حد الغلو، وفي الجانب الآخر، ركز البعض على القيم الأخرى السياسية،واتبع الغلو في هذا،لكن الإسلام، فيها الجانبان،وكان يجب أن التكامل والتوسط بينهما، بين العقل والقلب، بين الروح والمادة،بين الدنيا والآخرة، وهذه التجزئة والانشطار،بين التكامل والتوسط، أحدث شرخاً في المفاهيم الإسلامية،وجعل هذا الأمر مخالفاً للنظرة العامة لهذا الدين. وللحديث بقية،،،