شرفات

ماذا لو لم نكن نعرف شيئًا عن المسرح؟

13 فبراير 2017
13 فبراير 2017

آمنة الربيع -

إننا نعرف كل شيء لكننا نسينا كل شيء!

هل أنا كائن مسرحي؟ ما قيمة الانتماء للمسرح تأليفا وتمثيلا وإخراجا وتقنية؟ هل تُوفر الكتابة للمسرح أيّ نوع من أنواع الكوجيطو أو اليقين؟ هل ما زال مفهوم المسرح ملتبسا في ثقافتنا المتلقية عن الآخر ولذلك ما زال الطرح يتجدد عن مأسسة المسرح إما بالقرب من (الظواهر الماقبل المسرح) أو بالابتعاد عنها نحو فضاءات التجريب والتجريد؟

هل يمكن للمسرح أن يقوم مقام الحبّ؟ أن يكون البيت والأطفال والمطبخ؟ هل يُغنينا حبّ المسرح عن حبّ العائلة؟ ووجود الأصدقاء؟ هل يُنسينا حبّ المسرح الألم والمرض والعلاج؟

اليوم، ماذا يمكن أن يعلمنا المسرح؟ ما الذي يمكن له أن يُحيه فينا؟ هل ينفخ المسرح في العادات والتقاليد والاعتقادات، وهي رميم؟ هل يُعلمنا المسرح ألا نحقد وألاّ نحزن وألاّ نيأس؟ هل نجح المسرح في القضاء على الحقد والكراهية ودمامة أشكال الحياة المتصّنعة؟ هل ساعدنا المسرح على تفهم أنفسنا ومواجهة ذواتنا بما ينقصنا أو يجمّلنا أمام الآخرين؟ ما الذي فعله المسرح أو ما الذي يستطيع أن يفعله؟ هل نجح في القضاء على ما عندنا من ميل إلى تذوق فنون العرض الأخرى؟ هل أعاننا على تذق الجمال حتي في القبح؟! وهل للقبح جمال؟ من أين جاءت هذه التعابير الموحشة الغارقة في التيه وربما السفسطة؟ القبح والجمال؟ على سبيل التمثيل: ما الجميل في مخيمات اللاجئين؟ ما الجميل في الحروب؟ ما الجميل في السجون الجماعية وفي الزنازين الفردية؟ ما الجميل في الفقر وفي الجوع وفي التشرّد؟ ما الجميل في الفراغ؟

ما معنى أن نكون كلاسيكيون ورومانسيون وتجريبيون وعبثيون وتأمليون وبراجماتيون على المسرح؟ هل نكون جديرون بالاحتقار أم بالشفقة أو بانحناءة تبجيلية ويعقبها تصفيق حارّ؟ ما المدفون في الأعماق البشرية الذي يجب أن يراه المتفرج في أداء الممثل ومخيال النص وانفتاح الفضاء الدرامي ودلالاته؟

ألا نعيش في زمن الحاجة؟ أيّ زمن وأيّ حاجة؟ ألا ننعم بالحرية؟ أي نعيم وأي حرية؟ ألم نثبت للتاريخ أننا نقدر أن نعيش بلا فنون ولا موسيقى ولا شعر ولا تصوير ولا سينما ولا رسم؟ هل حقا قدرنا أن نثبت ذلك؟

ألم نقدر أن نثبت أيضا أننا نقدر أن نعيش بلا طعام ولا خياطة ملابس جديدة ولا ركوب مواصلات؟ لولا ذلك كله لقدرنا أن نتخيل حياة أخرى لا أعرف مدى بؤسها أو دمامتها وقبحها؟ أثبتنا أيضا أننا نقدر أن نعيش على هامش كل هذه العناصر: الماء والهواء والنار والطين!

ما الفرق بيننا وبين البهائم؟ علميا، ثبت أن البهائم بعد التدريب والمراقبة تقدر أن تفكر! ربما لا تقدر أن تقوم بعملية رياضية معقدة، لكنها مع التمارين تنجح في لملمة سلوكها غير الإنساني. ما الفرق بيننا وبين البهائم؟ ألا تفتح البهائم مثلنا فمها لتأكل، وبعد صراع مع الأمعاء تتغوط! مثلنا بالضبط، نتعارك من أجل الطعام ونتغوط. أليس الطعام لكل فم؟! من يكفل لنا الطعام؟ الطبيعة أم الرأسمالية المنحّطة؟ من يكفل لنا المستقبل؟ من يكفل لي هذه اللحظة؟ من يكفل لي ثمن المسرح وثمن الحياة؟

للحياة ثمن باهظ، فكم للمسرح؟ اليوم، ما الذي يجب أن أعرفه أو أتأكد من وجوده ويقينه؟ الحياة أو الموت؟ المسرح أو اللامسرح؟ التجريد أو الواقعية؟ الدرامية أو ما بعدها؟ البقاء أو العبور؟ الرشد أو الضلال؟ الإيمان أو الكفر؟ الصيت أو الغنى؟ السعادة أو الكوليسترول؟

ما السبب أو الهدف الذي من أجله نعيش؟ إن أي علاقة بين اثنين أو قطيع أو جماعة لا يمكن أن تقوم إلا إذا كانت تجمعها وحدة هدف ومصير! هكذا أظن. وحدة الهدف ليس شرطا أن تؤدي نتائجها إلى وحدة في المصير. هذا ما أثبتته السياسات في عالمنا المعاصر؟ هناك نقطة مفقودة في الدرس الذي تعلمناه عبر تاريخ طويل. وما زلنا نتعلم؛ لأننا لم نمت حتى اللحظة. الحمدلله أننا ما زلنا أحياء! ولكن لماذا؟

مرت علينا الكثير من اللوحات الفنية والأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والأغاني والأشعار والمسرحيات لتقول لنا شيئا ما يخصّ وجودنا كأمة وكأفراد، ولتمنحنا درسا من الدروس لكننا ما نزال نردد إننا في العتمة!

لقد استنفدنا المحابر والقراطيس والأفكار والندوات والمحاضرات والخطب الوعظية والإرشادية لنقول شيئًا أو نحاول أن نفهم أين نحن في هذا الكون وما الذي نفعله ولماذا ما زلنا أحياء نمجد التراث والأمان والحكّام والأمن والقضاء، ولكننا نعود لنكرر العبارة نفسها: نرى أنفسنا في العتمة.

خضنا معارك ضارية (على اعتبار أننا ننتمي لهدف واحد كان ينتمى إليه أجدادنا الأوائل في الأزمنة الغابرة) من أجل الاستقلال والكرامة والآدمية والأخلاق والقيم الرفيعة والعدالة، وبالمقدار الذي استنفدته شعوبنا من تسابق وتطاحن ببسالة لكن حال لسان المرارة لم يتغير.

يبدو أننا لم نتقدم خطوة، لا في تجارة المال ولا في تجارة الحروب ولا في استثمار الفن ولا في توطين المسرح؟ أحقا أننا لم نتقدم خطوة؟ ما هذه الروائح الكريهة التي تزكم أنوفنا! هل نتصدق على الحياة أو على الفقراء أم نتصدق على المسرح؟ المسرح فقير.. وبماذا نتصدق عليه؟ وكيف؟ بالعبقرية أم بالقيم أم بالنقود؟ المبادئ ليست ملقاة على الطريق بحال من الأحوال... لنتصدق عليه بالكلام المنمق بالآمال الكبيرة أو بالكلام الفارغ.. أو بالشللية والعصبة أو بالإنسان المجرّد؟

هل يطلب الانتماء للمسرح ثمنًا ما؟ باهظًا أو حقيرًا؟ هل يتقدم المسرح بوجود الفنان أم بوجود التاجر؟ من يحرس المسرح من الانهيار والحرق والتلف؟ هل يحرسه الفنان المستقل الحر المؤمن بالأفكار المتقدمة والرؤى المستقبلية والأشواق، أم الحارس الإداري أو إمام المسجد؟ هل يجب على كل منتم للمسرح أن يؤدي وظيفة سيزيف أو أن يلعب دور راهبات فيستا المكلفات بالمحافظة على بقاء شعلة النار المقدسة متقدة؟

إننا نعرف كل شيء عن المسرح، لكننا نسينا كل شيء!