أفكار وآراء

«الشعبوية».. والديمقراطية .. والقانون

12 فبراير 2017
12 فبراير 2017

عماد عريان -

تتباهى الديمقراطية الغربية ومؤسساتها دوما بمبدأ»الفصل بين السلطات» وتعتبره أيقونة النظم الحاكمة والحامي الأساسي للديمقراطية ذاتها والضامن الأكبر لتوازن المجتمع بعدم تغول مؤسسة سياسية على الأخرى، وهي في الأساس ثلاث مؤسسات؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، أضف إليها سلطة أخرى مفترضة للإعلام الذي بات وجوده بكل أشكاله مهما لاكتمال الواقع الديمقراطي والعمل المؤسسي للدول، ولهذا المبدأ بالفعل أهمية كبرى اتضحت بشكل لا يقبل الشك في المواجهة الجارية في الوقت الراهن بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجهازه القضائي، ونظن أنها الأولى من نوعها في التاريخ السياسي الأمريكي أو على أقل تقدير هي الأولى التي تواجه رئيس أمريكي بهذا السفور في مستهل فترة رئاسته الأولى، والواقع أنه لا يجوز تحميل النظام القضائي مسؤولية هذا المشهد المثير الذي سعى إليه ترامب، فالقضاء في نهاية الأمر كان يحمي الدستور ويدافع عن الممارسة الديمقراطية في مواجهة سلطة القرار!

وهي المواجهة الثانية التي يدخل فيها ترامب بشكل سريع بعد أن فتح نيرانه على المؤسسة الإعلامية التي يرى فيها مؤسسة مليئة بالفساد والتجاوزات المسيئة، ليس هذا فحسب ولكنه مارس أيضا توجيه انتقادات حادة لعناصر تنفيذية في إدارته وولايات أخرى وصلت إلى حد التهديد بعزل الهيئة الدبلوماسية بأكملها إذا ما تمنعت عن تنفيذ قراراته. إن الأزمة تطرق بقوة أبواب المؤسسة القضائية، خط الدفاع الأساسي في إنفاذ القانون وحماية دولة المؤسسات الأمريكية حسب قواعد اللعبة الديمقراطية على الطريقة الغربية، ولكن يبدو أن المخاوف حقيقية ومتزايدة من ممارسات الساكن الجديد للبيت الأبيض في هذا الاتجاه، وليس أدل على ذلك من تحذير خبراء قانونيين أمريكيين من أن الولايات المتحدة باتت على أبواب أزمة دستورية بعدما أبطل قاضي فيدرالي القرار التنفيذي للرئيس ترامب الخاص بمنع السفر من سبع دول في الشرق الأوسط ذات أغلبية مسلمة، والواقع أن المخاطر لن تقف عند حد المواجهة القضائية ولكنها قد تتحول إلى أزمات أو مواجهات سياسية بين أركان إدارة ترامب ذاتها وقد ظهرت مؤشراتها بالفعل.

الخبيرة والباحثة في القانون الدستوري بجامعة بنسلفانيا «مارسي هاملتون « رأت أن ما حدث في الولايات المتحدة مؤخرا يشكل تعارضا بين الدستور ومؤسسة الرئاسة في البلاد، مشيرة إلى أن الأزمة الدستورية كان من شأنها أن تحصل بشكل فعلي لو لم يتم تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الفيدرالية، وأوضحت أن تحرك وزارة الخارجية الأمريكية ساعد على عدم تفاقم الأزمة الدستورية، حين أعلنت أن بوسع حاملي التأشيرات المشمولة بالحظر أن يدخلوا إلى الولايات المتحدة مجددا. وتعتبر الباحثة «هاملتون» حكم القاضي الفيدرالي في واشنطن بمثابة إنذار للرئيس سيكون له ما بعده، متوقعة أن تسلك مؤسسات قضائية في البلاد المنحى نفسه وأن ما من شيء كان يستدعي أن يصدر ترامب قرارا استعجاليا بشأن الهجرة ويمنع جنسيات من الدخول إلى البلاد بخلاف ما حصل في هجمات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 حين تعطل السفر لفترة وجيزة من الزمن إلى الولايات المتحدة بسبب الأحداث غير المسبوقة.وتشير إلى أن ترامب لم يوضح بالشكل الكافي الخطر الإرهابي المفترض الذي يشكله القادمون من البلدان المشمولة بالحظر،لاسيما أن وكالة المخابرات المركزية تتولى تعقب الإرهابيين المشتبه فيهم طوال الوقت، ويعني مثل هذا التحليل أن ترامب طبق على وجه التقريب شكلا من أشكال العقاب الجماعي.

وبينما اعتبر القاضي جيمس روبارت قرار ترامب التنفيذي مخالفا للدستور،وهو الحكم الذي انتقده الرئيس الأمريكي واصفا إياه «بالسخيف « رأى المدعي العام في ولاية واشنطن أن قرار ترامب انتهك الدستور الذي يضمن حماية متساوية للأشخاص في مادته الأولى، كما أنه خالف التنظيمات الفيدرالية للهجرة والجنسية.وأبدى مراقبون معارضتهم الشديدة لقرارات ترامب التنفيذية،فالخبير القانوني ستيف بانون مثلا قال إن الأمر غير واضح بما يكفي،زيادة على تعارضه مع عمل الإدارة في البلاد وتسببه بحالة من الفوضى في المطارات.أما عضو اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ باتريك ليهلي، فقال إن لدى ترامب كرها للقانون وهو أمر خطير بحسب قوله ووصف قرار حظر السفر بالتمييزي ضد المسلمين.أما البروفيسور في جامعة جورجيا الرسمية دانيال فرانكلين فنظر للمسألة من وجهة نظر أخرى ترتبط بالتيار الشعبوي وأنصاره: إنهم يتوقون للقتال،هذا ما يفعله الشعبويون،وأعتقد أن هذه هي الطريقة التي يعبرون بها عن أنفسهم فيها،ربما ليس في هذه القضية، وإنما حيال شيء آخر».

والجملة الأخيرة على وجه التحديد هي مربط الفرس كما يقول المثل الشائع، ويتمثل في قدرة دولة المؤسسات التي هي بتعبير آخر دولة القانون على الصمود في مواجهة السياسات الشعبوية، وهي مرة أخرى سياسات قد تمثل تهديدا للكيانات الأخرى ، مما دفع البعض إلى اعتبارها سياسات انعزالية، ولكنها في الواقع سياسات قد تدهس في طريقها عديد من المؤسسات والأجهزة القانونية دون تراجع أو استسلام حتى ولو خسرت جولة مبكرة، وبات السؤال المطروح حاليا، هل سيختار ترامب مساءلة الصلاحية القانونية لقاضٍ خالفه في الرأي،وماذا ستفعل الوكالات الحكومية الأخرى التي ترى ضرورة للمضي في تنفيذ قرار ترامب؟

وبذلك يدخل مسلسل المواجهة القضائية بين إدارة ترامب والمحاكم الفيدرالية فصلاً جديداً خاصة مع تقديم البيت الأبيض وثائق تدافع عن أوامر الرئيس بمنع الهجرة من الدول السبع،وقال الخبير القانوني في جامعة جورجيا دانيال فرانكلين،إن الطريق الذي تسير فيه الأمور في معارك الاستئناف بين الإدارة والقضاء تعكس رغبة الإدارة في خوض معركة لتثبيت القرار التنفيذي واعتبر أنه في حال حكم القضاء ضد قرار الرئيس بمنع الهجرة ورفض البيت الأبيض هذا الأمر ومرر الرئيس القرار مرة أخرى فإن ذلك سيضع البلاد أمام أزمة دستورية ، وقد يتدخل مجلس النواب للبت بمصير المعركة وقرار ترامب. وتزداد المواجهة سخونة مع بروز خلافات بين ترامب ونائبه مايك بنس حول دور القضاء،إذ في حين هاجم ترامب القاضي الذي أوقف العمل بقراره،اعتبر بنس أن القانون يتيح للقاضي فعل ما فعل.وتوقف مراقبون عند تأكيد «بنس» أن الإدارة تحترم كلمة القضاء،ولو أنها تظن أن القاضي مخطئ في قراءة صلاحيات الرئيس،في مقابل مهاجمة ترامب قرار المحكمة وقوله : لأن الحظر رفع من جانب قاض،فإن الكثير من الأشخاص السيئين والخطرين يمكن أن يتدفقوا إلى بلادنا، هذا قرار رهيب، الأشرار فرحون جداً!

لا شك في أن المواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات وهي اختبار حقيقي وخطير للديمقراطية ومبدأ الفصل بين السلطات. واذا كانت الحركات الشعبوية تنتقد الديمقراطية وتفصح عن عيوبها إلا أنها لا تقدم نفسها بديلا عن الديمقراطية وإنما تعد بتقوية نظام الحكم الديمقراطي عندما يصبح أكثر كفاءة وأكثر قدرة علي الاستجابة لمطالب الشعوب، وربما يكون للأحزاب الشعبوية ملاحظاتها المهمة علي الليبرالية الاقتصادية لكنها باليقين لا تعادي الديمقراطية او ترفضها، وقد أثبت حكم القاضي الفيدرالي المناهض لقرار ترامب أن الفصل بين السلطات وحماية هذا المبدأ والحفاظ عليه هو أفضل ضامن للديمقراطية ذاتها في مواجهة أي توجهات جامحة .