أفكار وآراء

ترامب .. وقضايا المنطقة!

11 فبراير 2017
11 فبراير 2017

ليلى الشمري - العراق -

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كشف عن برنامجه قبل الدخول إلى البيت الأبيض، وشعبية الرئيس الجديد تعاطى معها العرب والمسؤولون في الشرق الأوسط بأنها ستكون في صالحهم ولاسيما أنه شدد على ملاحقة الجماعات الإرهابية، والحد من نشاطها في المنطقة.

ترامب هو واحد من الشخصيات غير التقليدية، وأحاديثه الجريئة عن وجهات نظره السياسية أثارت الجدل، وجلبت عليه هجمات متوالية من وسائل الإعلام بما فيها وسائل إعلام أمريكية هاجمها هو بشدة بسبب مواقفها منه، انه رجل أعمال يحاول أن يسخر السياسية لخدمة الاقتصاد ومن وجهة نظره وقناعاته الذاتية.

تصريحات دونالد أدت إلى شن هجوم حاد عليه من كل صوب وحدب، فعاد ليصحح قوله تدريجيا، ولكن ما رسخه في الأذهان بالنسبة لموقفه من هجرة المسلمين إلى أمريكا جعل الكثيرين يوجهون له رسالة تقول: «من المجحف أن يعاقب المسلمون جميعًا بسبب مجموعة من المتطرفين ترفض الشريعة الإسلامية أفعالهم الإجرامية، في حين أن التطرف والإرهاب لا يمكن حصره في ديانة محددة أو بلد، فالأديان السماوية تنبذ العنف والتطرف وتدعو إلى الرحمة والسلام، لكن تكمن المشكلة في المتطرفين من أتباع الديانات المختلفة.

انتخاب ترامب شكل صدمة للكثيرين، الذين ظلوا يستقون معلوماتهم من استطلاعات الرأي التي أظهرت إلى ما قبل الانتخابات بيوم واحد تقدم هيلاري كلينتون عليه، غير أن النتيجة جاءت معاكسة لتفتح الباب واسعا لدراسة وتحليل أسباب فوز ترامب، والأسباب التي دفعت الناخبين إلى اختيار شخصية كانت صريحة جدا في طرح رؤيتها برغم اختلاف كثيرين معها. إن فوز ترامب، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بتأثير مباشر من اليمين الإنجليزي على البريطانيين الذين صوتوا لصالح الانسحاب يزيد من التخوف من أن نشهد مستقبلا مزيدا من الزعامات الدولية ذات المواقف غير المعهودة على الصعيد الدولي بشكل أو بآخر. وما يدفع إلى مثل هذا التخوف أن أحزابا يمينية في بعض دول أوروبا مثلا بدأت تمارس نوعا من التأثير على الرأي العام، مستغلة قضايا اللاجئين والتطرف وغيرها، ما يعني أنه من الممكن أن تنجح مثل تلك الأحزاب في الوصول إلى سدة الحكم، خلال الانتخابات المقررة هذا العام، خاصة في فرنسا وألمانيا. وعندها يتساءل كثيرون عن مستقبل علاقات تلك الدول مع الدول العربية ومع قضايانا الضاغطة.

نظرة سريعة إلى تصريحات ترامب قبل الفوز بالرئاسة وتلك التي أدلى بها بعد الفوز من الممكن أن تشير الصورة التي ستكون عليها سياسته الخارجية في كثير من الملفات ومنها

محاربة الإرهاب والقضاء على داعش. وهناك من وصف إدارة أوباما بأنها كانت مترددة كثيرا، في التعامل مع هذا الملف الحساس والمهم، بل إن ترامب اتهم منافسته هيلاري كلينتون بأنها ساهمت في إنتاج تنظيم «داعش» الإرهابي، لذا فانه جعل من محاربة الإرهاب والقضاء على «داعش» أولوية بالنسبة إليه.

طبقا لخبراء أمنيين عرب فإن محاربة الإرهاب والقضاء على «داعش» لم تكن تحتاج إلى أكثر من إرادة سياسية وعمل دولي جاد، فإذا ما وفرت إدارة ترامب تلك الإرادة فإننا حتما سنكون أمام خبر يذكر تنظيم «داعش» على أنه أصبح من الماضي، حتى ولو بعد عدة أشهر، وهناك بالفعل خطوات إيجابية وملموسة تحققها القوات العراقية في الموصل، وتبشر بالقضاء على هذا التنظيم الإرهابي، وهو ما سيؤثر على سوريا، التي تتجه نحو حل سلمي يكرس مختلف الجهود للقضاء على «داعش» والتخلص منه في سوريا أيضا.

وإذا كانت الظروف الحالية أصبحت ملائمة للقضاء على داعش في العراق وسوريا، فالقوات العراقية وحلفاؤها تشن حربا عليهم في الموصل لذا فإن الحاجة تكمن في تنسيق الجهود الدولية وتوسيع دائرة الحرب لتشمل جميع أوكار الإرهابيين أينما وجدوا.

التشابك في مواقف ترامب يظهر جليا في الحاجة إلى فك الاشتباك الحاصل في رؤية ترامب حيال الأزمة السورية، وبالنسبة لمستقبل العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية كذلك، وموقف الإدارة الأمريكية الجديد من طهران، سيؤثر بالضرورة في مدى وإمكانية فض التشابك حيال الموقف من الأزمة السورية التي تختلف فيه رؤية ترامب عن رؤية بعض الدول العربية ما يستدعي من الولايات المتحدة الأمريكية أن ترسم طريقا واضحا يطمئن إليه الجميع في المنطقة وعلى الأخص الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن في المنطقة.

من جانب آخر فإن مواقف ترامب من القضية الفلسطينية لا يزال يثير تساؤل الكثيرين من العرب وغيرهم أيضا، حيث يبدو أنه أقل حماسة من أوباما لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وجلب كلا الطرفين إلى طاولة مفاوضات التسوية السلمية على أساس حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية المعروفة في هذا المجال. الإسرائيليون عبروا صراحة عن ارتياحهم لفوز ترامب، ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو ترامب بالصديق الحقيقي لإسرائيل، وذكّره البعض بوعده خلال حملته الانتخابية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، إلا أن ذلك كله لا يزال يحتاج إلى وقت لتتضح مسارات سياسة ترامب في المنطقة. واستنادا إلى ما تقدم فانه من الواضح أن عددا من الأطراف العربية يتفاءلون تجاه سياسة ترامب في المنطقة، غير ان الأشهر القادمة سوف تكشف على الأرجح أبعاد وحدود وربما تفاصيل سياسات ترامب حيال مختلف قضايا المنطقة.