أفكار وآراء

ترامب .. وضياع شهر عسل الدبلوماسية !

10 فبراير 2017
10 فبراير 2017

افتتاحية نيويورك تايمز -

ترجمة: أحمد شافعي -

كان ينبغي أن تكون هذه الأيام هي شهر عسل الدبلوماسية في حقبة ترامب. ففي ظل عدم وجود أزمة كبرى في السياسة الخارجية يجدر التعامل معها، وفي ظل لهفة زعماء العالم على حل شفرة أمريكا وتبيُّن كيف سيكون أداؤها بالضبط على المسرح الدولي، كانت لدى الرئيس ترامب فرصة لطمأنة الحلفاء والبدء في إرساء أساس لمقاربة مشتركة للتحديات الدولية.

غير أن الرئيس تناول سماعة هاتف المكتب البيضاوي «الجميلة». وفي غضون أسبوعين علت جلبة في العالم إذ وجَّه الرئيس إهانات لا داعي لها لحلفاء، واستمر في السردية المذهلة القائلة بأن الولايات المتحدة طالما تعرضت للاستغلال على أيدي حلفائها وخصومها على السواء.

لم تنفصل إدارته انفصالا راديكاليا عن بعض المواقف الجوهرية التي ورثتها عن إدارة أوباما، ففي الأسبوع الماضي على سبيل المثال عاتبت روسيا بشأنها دورها الذي أثار الاضطراب في شرق أوكرانيا وأشارت بقلق إلى المستوطنات الإسرائيلية. غير أن نهج الرئيس ترامب العراكي في السياسة الخارجية وأول أوامره التنفيذية ـ وكان أكثرها غرابة قرار حظر السفر الكاسح الذي استهدف شعوب سبع دول ذات أغلبيات سكانية مسلمة ـ قوضت بالفعل موقف أمريكا. حتى أن العواقب تضمنت مظاهرات هائلة في أوروبا، وتغطيات إخبارية مؤلمة (فغلاف آخر أعداد أسبوعية دير شبيجل الألمانية يحتوي رسما كاريكاتوريا للرئيس ترامب ممسكا رأس تمثال الحرية الذبيح) وتوبيخا قويا من مسؤولين في الأمم المتحدة.

جاءت البداية كما هو متوقع مع المكسيك. فلقد جعل الرئيس ترامب من جار الولايات المتحدة الجنوبي وثالث أضخم شريك تجاري لها موضع هجماته الرئيسية طوال حملته الانتخابية. وفي حين أن إنريك بينا نيتو رئيس المكسيك قد قابل ذلك الطوفان من الإهانات والاستفزازات بحالة مثلى في ضبط النفس، في الوقت الذي لم يبذل فيه مسؤولو البيت الأبيض جهدا لتخفيف التوتر. وفي أواخر الشهر الماضي أصروا على أنهم سيجدون وسيلة لتحميل المكسيك تكلفة السور الحدودي، ربما من خلال فرض ضرائب على الواردات. فلم تترك تلك الرسالة للرئيس بينا نيتو من خيار إلا إلغاء رحلته إلى واشنطن التي كان مخططا أن تبدأ في إصلاح ما تلف. وفي اتصال هاتفي تالٍ بين الزعيمين، يقال إن الرئيس ترامب هدّد الرئيس بينا نيتو بنشر قوات على الحدود لتولي أمر «الأشرار»، وهو ما قال معاونون للرئيس لاحقا إنه كان مجرد مزحة.

كان الدبلوماسيون ومحترفو السياسة الخارجية لا يزالون مذهولين من تلك الأخبار، حين تسربت أولى الروايات عن مكالمة رئيس وزراء أستراليا مالكولم تيرنبول. كان الخلاف على اتفاقية توصلت إليها إدارة الرئيس أوباما مع رئيس الوزراء تيرنبول لاستقبال لاجئين مسكّنين في سجون ساحلية تديرها أستراليا، حينما استاء الرئيس ترامب أشد الاستياء. ويقال إن الرئيس الأمريكي أنهي الاتصال مع تيرنبول بعدما أعلن أن «هذه كانت أسوأ مكالمة حتى الآن» مع زعيم أجنبي في ذلك اليوم. ولم يشهد اليوم التالي أي اعتذار أو تراجع عن الموقف لإصلاح الأضرار مع بلد حليف ذهب طوعا وراء الولايات المتحدة في مستنقعاتها العسكرية الأخيرة في العراق وفي أفغانستان ولا يزال شريكا مهما لها في تبادل المعلومات الاستخباراتية.

وبدون أدنى حرج من الحكايات المسربة عن تلك الاتصالات الهاتفية، أشار الرئيس ترامب إليها بارتياح الخميس قبل الماضي. فقال للحضور في الإفطار الوطني الدعوي «عندما تصلكم أخبار المكالمات الحادة التي أجريها، لا تقلقوا بسببها. هي حادة. وعلينا أن نتحلى بالحدة ... إننا نتعرض لاستغلال كل دولة في العالم، حرفيا. ولن يستمر هذا».

ولم يكن غيره من مسؤولي الإدارة أقل استهانة. فلقد بدأت نيكي هالي السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة مهمتها بالتحذير من أن الولايات المتحدة «تدون أسماء» الحلفاء الذين «لا يقفون في ظهرنا».

إذا أصبحت هذه النزعة العدوانية هي العرف المتبع، فسرعان ما ستضعف علاقات التحالف والعلاقات المحورية، ومما لا شك فيه أن جاذبية الساسة المعادين لأمريكا سوف تتنامى. وعندما يحين الأوان، وهو ما سيحدث بلا شك، ويتناول الرئيس ترامب الهاتف ليتقدم بطلبات ملحة إلى حلفاء أمريكا التقليديين في أوقات الشدائد، فلا ينبغي حينها أن يندهش حينما يجد أن الشخص الذي يحمل السماعة الأخرى هو الذي يعمد إلى إنهاء المكالمة بحدة.