أفكار وآراء

ميركل تستعين بالصبر في التعامل مع ترامب

10 فبراير 2017
10 فبراير 2017

سمير عواد -

حصل دونالد ترامب على أول دعوة لزيارة ألمانيا بعد فوزه بمنصبه، بالذات من هورست زيهوفر، رئيس حكومة ولاية بافاريا، ورئيس الحزب المسيحي الاجتماعي.   

وكانت خطوة استفزازية لأنه سبق الرئيس الألماني يواخيم جاوك والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وأراد أن يبرهن على أنه صاحب نفوذ واسع في ألمانيا، بوصفه رئيس حكومة أغنى ولاية ألمانية، وصاحب كلمة قوية في برلين. وجاءت الدعوة ضمن برقية التهنئة التي بعثها زيهوفر إلى ترامب. ومنذ ذلك الوقت، يتوقع المراقبون أن تتم الزيارة، إذا وافق ترامب، في الفترة ما بين 17 و19 فبراير الجاري، وهو موعد انعقاد مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي يوصف بأنه أكبر تجمع لقادة العالم بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبحسب السفير الألماني، فولفجانج إيشينجر، رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، يوفر مؤتمر ميونيخ للأمن، فرصة لترامب، كي يوضح للعالم، أهداف رئاسته، وموقفه من القضايا والأزمات الدولية، وخصوصا، مستقبل علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع حلف شمال الأطلسي(ناتو) والاتحاد الأوروبي. ويعلم الأمريكيون، أوجه الخلاف بين زيهوفر وميركل، لاسيما بسبب سياستها تجاه اللاجئين، وأن رئيس الوزراء البافاري، يريد التقرب من ترامب وسبق له أن أثار حفيظة ميركل عندما زار بوتين في مرحلة تمر فيها العلاقات الألمانية الروسية في حالة توتر.

وبينما يتوقع زيهوفر أن يزور ترامب ميونيخ، فإن ميركل لا تتسرع للقائه، وتعتمد على الصبر في التعامل مع الرئيس الأمريكي الجديد، الذي انتقد بشدة سياستها تجاه اللاجئين، خلال الحملة الانتخابية، وحملها مسؤولية تسلل إرهابيين إلى أوروبا مع أفواج اللاجئين، ووعد باتخاذ إجراءات مشددة على المسافرين القادمين من أوروبا، خشية تسلل الإرهابيين إلى الأراضي الأمريكية.

وكانت تهنئة ميركل لترامب بمثابة تذكير له بالعلاقات التاريخية بين ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فتحدثت عن القيم المشتركة التي تجمع بين البلدين، ومنها الاحترام المتبادل. وبينما استخدمت ميركل انتقادات مبطنة، فإن نائب المستشارة الألمانية زيجمار جابرييل ووزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير، وصفا ترامب بالشعبوي واتهما إياه بأنه يسعى لتقسيم أوروبا.

ولا يختلف اثنان على أن مرحلة جديدة من العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا عامة وألمانيا خاصة، قد بدأت باستلام ترامب منصبه في البيت الأبيض. ودعت صحيفة «دي فيلت» الألمانية، الأوروبيين، إلى وقف اعتمادهم على الولايات المتحدة الأمريكية، عند اتخاذ قرارات سياسية هامة. وأصبح كثيرون في أوروبا، ينظرون إلى ميركل، بأنها المسؤولة الأوروبية الوحيدة التي تستطيع مواجهة ترامب، لكنها تعرف أن الرجل الجديد في البيت الأبيض، يجب أن يُحسب له ألف حساب، لأنه يختلف تماما عن كافة الرؤساء الذين سبقوه في هذا المنصب.

فخلال الحملة الانتخابية، لم يتوان ترامب عن التعبير عن تودده للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما جعل ميركل تتساءل عما يمكن عمله في مواجهة هذا التحالف الغريب. ففي السنوات الأخيرة توترت العلاقات بين برلين وموسكو بسبب الأزمة الأوكرانية، وسعت ميركل إلى إقناع الأوروبيين وواشنطن بفرض عقوبات على روسيا لإجبارها على تقديم تنازلات في الأزمة الأوكرانية. لكن بوتين تمكن عبر استخدامه الورقة السورية، من قلب موازين القوى رأسا على عقب، وأحرج إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والنتيجة أن روسيا وإيران وتركيا، تشرفان على مؤتمر سوريا في «أستانة» ولا تشارك فيه الولايات المتحدة ولا أوروبا.

ولا تتوقع ميركل الحصول على تأييد ترامب لها في حملتها الانتخابية، ويقال إن روسيا تسعى إلى التأثير على الناخبين في ألمانيا كما فعلت في انتخابات الرئاسة الأمريكية. ولذلك، يفكر معاونو ميركل باستخدام التوتر مع ترامب لخدمة حملتها الانتخابية. ذلك أن توددها لترامب، في ظل الظروف الحالية وبعد اتخاذه مواقف مثيرة للجدل، لن يخدم هدفها في الفوز بولاية رابعة. ويشبه وضعها الوضع الذي واجهه المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر في عام 2002، عندما شعر أن الشارع الألماني يرفض مشاركة ألمانيا في غزو العراق، مما جعل شرودر يرفض طلب جورج دبليو بوش الابن، الانضمام إلى ائتلاف الغزو، وارتفعت شعبيته في ألمانيا بسبب موقفه وفاز في الانتخابات ضد منافسه إدموند شتويبر مرشح الاتحاد المسيحي.

لكن مشكلة ميركل أنها ليست الوحيدة التي لها موقف متحفظ حيال ترامب، فمنافسيها في الحزب الاشتراكي لهم مواقف أكثر حدة تجاهه، مثل الرئيس الألماني المقبل شتاينماير، ووزير الخارجية المحتمل زيجمار جابرييل، بالإضافة إلى مارتن شولتس، رئيس الحزب الاشتراكي القادم والمرشح لمنافسة ميركل.

وقالت أوساط دبلوماسية في برلين، أن د. كريستوف هويسجن، معاون ميركل للسياستين الخارجية والأمنية، زار واشنطن مؤخرا، للتعرف على الخطوط العريضة لسياسات الإدارة الأمريكية الجديدة، وعاد بنصيحة إلى ميركل، وهي التحلي بالصبر في التعامل مع ترامب. وكان هويسجن يتحدث في جلسة مغلقة أمام عدد من نواب الاتحاد المسيحي. كما تحدث فيها ستيفن ج هادلي، مستشار الأمن القومي في عهد جورج دبليو بوش، الذي أكد أن ترامب سوف يعيد النظر بمواقفه تجاه ألمانيا ويتوقف عن استفزاز قادتها، والتعاون مع ألمانيا لتفادي انهيار الاتحاد الأوروبي.

ويعتقد هويسجن أن هناك فرصة لتلطيف العلاقات الشخصية بين ميركل وترامب عندما تطير المستشارة الألمانية في القريب إلى واشنطن، للتحضير لقمة مجموعة العشرين، التي ستنعقد في مدينة هامبورج الألمانية في يوليو المقبل، وسيشعر ترامب أنه بحاجة لميركل لعدم خبرته في مجال السياسة الخارجية، ولا يستطيع التقرب من بوتين لأن هذا سيضر سمعته أمام الحزب الجمهوري وأمام الرأي العام الأمريكي، أما تعاونه مع ميركل، فسوف يسهم في تحسين سمعته في الداخل والخارج.