920842
920842
إشراقات

د. كهلان: المسلمون اليـوم بحاجة إلى اسـتعادة ثقتهــم بهـويتهـم التـي شـابها الكـثير من الخـلل

09 فبراير 2017
09 فبراير 2017

الإسلام ليس شعائر فقط.. وإنما حركة دافقة تبعث رسالة العدل والرحمة والمساواة -

القـــرآن الكريم يدعو إلى إرساء هوية المســـلمين على أسس ثابتة بعـــيدا عن التقــوقع والانعــزال والانكــفاء على الذات -

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

أوضح فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة أن المسلمين اليوم بحاجة إلى استعادة ثقتهم بهويتهم التي شابها الكثير من الخلل والغبش، مؤكدا أن تعاليم القرآن الكريم تدعو إلى إرساء هوية المسلمين على أسس متينة ثابتة يجمعها شعار «الإسلام» بجوهره، وليس كما هو حاصل اليوم نسخا مكررة مشوهة تدعو إلى الجمود وإلى التقوقع والانعزال والانكفاء على الذات وتقف عن حدود الطقوس والشعائر فقط، وإنما هي حركة دافقة تبعث هذا الإنسان إلى أن يتفاعل مع الموجودات من حوله وأن يبعث فيها رسالة العدل والرحمة التي أرادها الله تبارك وتعالى.

وأكد انه لا توجد هناك أمة تمكنت من الانبعاث الحضاري حينما تخلت عن هويتها، وأن الأمة التي تتخلى عن هويتها تذوب وتتماهى في غيرها حينما لا يكون له مكوّن. مشيرا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزكي في نفوس المسلمين القوة الدافقة والانبعاث الحضاري ومعالم الشخصية المستقلة وينفي عنهم الجمود والجهل، ويبعث فيهم معاني الحق والعدل والحضارة والرحمة والخلق والمعاني الكريمة والخصال الفاضلة التي تحقق لهم استقلالهم وترسم لهم معالم شخصيتهم وتجعلهم متعاونين فيما بينهم على بلوغ مقاصدهم التي ارتضاها لهم حتى لا يكونوا عالة على غيرهم.. جاء ذلك في استضافة برنامج: «سؤال أهل الذكر» لفضيلته في حلقة تحت عنوان: «المسلم واستقلال الشخصية.. مفاهيم وأحكام».. وهنا الجزء الأول من هذا اللقاء:

■ ■ وردت مجموعة من الروايات تشرح مبايعة بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، وورد من ضمن جملة المبايعة عبارة: «أن لا يسألوا الناس شيئا».. ما معنى هذه العبارة وما أهميتها في شخصية المسلم؟

ان الله سبحانه وتعالى أراد لهذه الأمة حينما أرسل إليها خاتم أنبيائه ورسله محمدا صلى الله عليه وسلم أن تكون متميزة في هويتها، مستقلة في ذاتها، مدركة لحقيقة وجودها في هذه الحياة الدنيا، واعية بما أراده لها ربها جل وعلا، ومن أجل ذلك فان هذه الهوية المتميزة التي اكرم الله تبارك وتعالى بها هذه الأمة إنما هي امتداد للرسالات التي بعث بها ربنا جل وعلا أنبياءه ورسله، وهي باختصار شديد عنوانها وشعارها «الإسلام»، فهويتها الإسلام وكفى، والذين ينتسبون إلى هذا الدين بقطع النظر عن ألوانهم وأعراقهم وأصولهم وثقافاتهم وعن كل ما يمكن أن يختلف فيه الناس أو تتنوع فيه البشرية إنما جامعهم الموحّد وهويتهم التي يعرفون بها هي الإسلام وهم يعرفون بأنهم مسلمون، والدليل على ذلك أن الله تبارك وتعالى في مواضع كثيرة من كتابه الكريم يعرفهم بذواتهم بأنهم مسلمون ويعرف غيرهم بهم بانهم مسلمون أفرادا أو مجتمعا أو أمة، ففي سورة الحج نجد أن الله تبارك وتعالى في آخر آية من هذه السورة يقول: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)، فالله تبارك وتعالى هو الذي سمانا «مسلمين» وجعل الحكمة من وراء هذه التسمية أن يكون الرسول علينا شهيدا وان نكون شهداء على الناس، ومعنى ذلك حينما يكون الرسول شهيدا علينا في التزامنا بهذه الهوية وفي إدراكنا لحقيقة ذواتنا ثم في تعريفنا لغيرنا بهذه الهوية التي ارتضاها لنا ربنا جل وعلا، ولذلك نكون شهداء على الناس ففي الوقت الذي عرّفنا فيه باستقلالنا وبشخصيتنا فانه دعانا في هذا السياق إلى أن نعرّف غيرنا بهذه الهوية وأن نبسط فيهم المعاني والمحاسن التي يشتمل عليها ولذلك نجد أن هذا المعنى يتكرر في كتاب الله عز وجل وبفهمه ووعيه الإدراك التام يمكن لنا أن نفهم هذه الحادثة التي تسألون عنها.

تزكية النفس

وأضاف: ونحن نجد أن الله تبارك وتعالى يؤكد هذا المعنى في قوله: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)، ويقول سبحانه تحدثا عن عموم من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا معرّفا إياهم بحقيقة الشعار الذي يرفعونه والهوية التي ينتسبون إليها: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، ومن اجل ذلك كله فانه لا غرابة في أن نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يزكي في نفوس أمة الإسلام من خلال ما يوصي به أصحابه رضوان الله تبارك وتعالى عليهم تلك القوة الدافقة والانبعاث الحضاري ومعالم الشخصية المستقلة وينفي عنهم الجمود والجهل، ويبعث فيهم معاني الحق والعدل والحضارة والرحمة والخلق والمعاني الكريمة الخصال الفاضلة، فحينما يدعوهم لمبايعتهم فانه لا يقتصر على ما يتصل بالجانب الإيماني وهو جوهر هذه الهوية فانه كان يدعوهم إلى المبايعة على الإيمان بالله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وكما ورد في بعض هذه الروايات انه كان يدعوهم في مبايعتهم له إلى أن لا يسألوا الناس شيئا، فهو يدعوهم إلى العفة وإلى الترفع والبعد عن الاعتماد على الآخرين وبذل ماء الوجه في بلوغ مآربهم وتحقيق مقاصدهم، يدفع فيهم قوة دافقة تحقق لهم استقلالهم وترسم لهم معالم شخصيتهم وتجعلهم متعاونين فيما بينهم على بلوغ مقاصدهم التي ارتضاها لهم، فان المسألة المقصودة هنا إنما هي سؤال الناس الحاجة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد لهم أن يترفعوا أو أن يتساموا أو أن يكونوا عالة على غيرهم، ولذلك نجد إلى أن هذه الروايات تدعو إلى أن يعمل هذا المسلم وان يسعى إلى أن يكدح ليكسب رزقه، وهذه الوصية أتت في سياق بيان معالم استقلال شخصية المسلم وسعيه إلى الجد والعمل وهذا هو الذي يحقق له معنى اسلامه لأنه انبعاث لحقيقة إيمانه بالله تبارك وتعالى واليوم الآخر وإدراك بحقيقة وجوده في هذه الحياة الدنيا ووعي تام بضرورة أن يترفع عن شهواتها وعن زخارفها وعما فيها لأنه منقول عنها إلى الحياة الآخرة. وأشار إلى أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بلغ حرصهم في امتثال أو ما وصّاهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث ثوبان وكما في حديث أبي ذر، وكما ورد عن طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، وكما في روايات أخرى عن جملة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انه حينما وصاهم بذلك بلغ حرصهم على الاستجابة التامة والانقياد الكامل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن سوط أحدهم كان يسقط ولو في المعركة ولا يطلب من آخر أن يناوله إياه، وإنما كانوا يعتمدون على انفسهم في ذلك.

أخلاق سامية

وأضاف: لما قلت بأن هذا ليس مجرد فضيلة من فضائل الأعمال فإننا نعلم في هذا الدين أن الله تبارك وتعالى دعا إلى مكارم الأخلاق، ففيما يتعلق بالسائل قال: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، وهكذا وصّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحسن المسلم معاملة السائل وأن لا يرده ولو جاء على فرس، ففي مقابل دعوة المجتمع إلى حسن معاملة السائل- أيا كان هذا السائل- فإنه وصى المسلمين بألا يعمدوا إلى المسألة لأنها مذلة، واليد العليا خير من اليد السفلى، ولأن فيها بذلا لماء الوجه ولذلك نجد إغلاظا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: «لا تصلح المسألة إلا لأحد ثلاثة: لذي فقر مدقع أو غرم مفظع أو دم موجع»، وقال صلى الله عليه وسلم في الصدقة في الزكاة: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مِرة سوي، ولا لمتأثل مالا» فانه وازن صلى الله عليه وسلم في أخلاق المجتمع التي ترسى على أساسها هوية هذا المجتمع واستقلال أفراده، فالمعنى أبعد من أن يكون مجرد التفاتة إلى عدم سؤال الناس شيئا لا سيما في سياق الروايات التي وردت فيها المبايعة فإننا نجد أنها وردت مع الإيمان ومع فرائض الإسلام من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلفت أنظارهم إلى هذا المعنى الخلقي السامي ليدل به على سائر منظومة القيم والأخلاق التي هي متزنة عدل وسط في هذا الدين الحنيف، ولذلك كانت هكذا استجابة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وشدة امتثالهم لما وصاهم به وهذا هو الذي حقق لهم ما أريد لهم من إرساء هويتهم واستقلال شخصياتهم من العز والتمكين ومن الانبعاث الحضاري ومن نشر رسالة هذا الدين وهي رسالة رحمة وعدل وإنصاف في الإنسانية وفي ربوع الأرض كلها.

شعار واحد

■ ■ ما علاقة التقدم الحضاري بالهوية والشخصية، فهناك أمم تنازلت عن هويتها الحضارية ومع ذلك تقدمت ماديا كأمم الشرق الاقصى؟

هذا الكلام غير صحيح، ليست هناك أمة تمكنت من الانبعاث الحضاري حينما تخلت عن هويتها، بل كبار المفكرين والفلاسفة الذين ينظّرون للإيديولوجيات المختلفة لابد لهم من رسم هوية لأممهم وشعوبهم حتى يتمكنوا من الانبعاث، فالأمة التي تتخلى عن هويتها تذوب وتتماهى في غيرها حينما لا يكون له مكوّن ولذلك نجد أن تعاليم كتاب العزيز تدعو إلى إرساء هوية المسلمين جميعا على أسس متينة ثابتة واضحة بينة المعالم، ولذلك يجمعها شعار واحد وهو: الإسلام، ليس فيه تعقيدات وليس فيها ما يستغلق على الأفهام، ولا نقصد به اليوم نسخا مكررة مشوهة تدعو إلى الجمود وتقف عن حدود الطقوس والشعائر، وإنما ذلك الإسلام الذي يجعل ضمائر المنتسبين إليه تصيغ لأحزان العالم وهمومه، لمشكلات الإنسان، وتستجيب لتلك المشكلات لتنقذ هذا الإنسان من أزماته ومشكلاته. كما قال ربعي بن عامر وهو يطأ انطاس فرش الروم ليقول لهم بثقة وثبات: نحن قوم بعثنا الله تبارك وتعالى لنخرج الناس من جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ولذلك فان المسلمين اليوم بحاجة إلى استعادة ثقتهم بهويتهم، نعم فهم يعرفون هويتهم لكن هذه المعرفة أيضا شابها الكثير من الخلل والغبش، ولابد لهم من أن يزيلوا لك الغبش عن انفسهم، فلا يقصد بمعالم الهوية نسخة شوهاء تدعو إلى التقوقع والانعزال أو تدعو إلى الانكفاء على الذات وإنما هي حركة دافقة تبعث هذا الإنسان إلى ان يتفاعل مع الموجودات من حوله وان يبعث فيها رسالة العدل والرحمة التي أرادها الله تبارك وتعالى، كما يقول سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فقد بدأ سبحانه بالدعوة لأنها مكون في تحصين هذه الهوية من الخلل. وأشار إلى انه في اليوم الذي يتوقف فيه المسلمون عن النشاط في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى أي في إرساء هويتهم وفي التعريف بها ودعوة الناس إليها فانه يصيبهم الجمود ولذلك بدأ بهذا فقال سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ) ولا يكون ذلك بالشعارات الجوفاء الفارغة لأنه قال: (وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، وعلم انهم سيواجهون أزمات ومشكلات فقال: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) وقد يقع الأفراد في الأخطاء والمعاصي ولذلك ذكّرهم بما يجب عليهم أن يبادروا إليه من أجل ألا تؤتى هذه الهوية وذلك الاستقلال في شخصياتهم من قبل أخطائهم ومعاصيهم فقال: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

مسؤولية كبرى

■ ■ ينظر البعض إلى الشرق على انه اقتبس كل أنماط الحياة الموجودة عن الغربيين سواء كان في اللباس أو في التعامل مع مفردات الحياة المختلفة أو في القوانين والأنظمة ومع ذلك وهم يقتبسون كل هذا من الغربيين لا يتحدثون عن حضاراتهم الماضية ولا عن تراثهم الديني ومع ذلك تقدموا.. هل الهوية يعني ردم الماضي أو إغلاق ملفات التراث وأخذ ما عند الآخرين؟ أم الهوية شيء آخر مختلف.. نريد توضيحا لذلك؟

الهوية هي الأساس الذي يعرّف تمييز أمة من الأمم دون غيرها، ونحن إذا أتينا إلى هوية المسلمين العرب منهم هل هويتهم: «قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل» أو أن هويتهم:

وما انا الا من غزية ان غوت

غويت وان ترشد غزية ارشد

وان المسلمين لو بحثوا عن مكوناتهم اليوم لما وجدوا إلا الإسلام وهو الذي جمع العرب مع الفرس ومع اليهود ومع الروم ومع الروس ومع كل من انتسب إلى هذا الدين ودخل فيه، والأمم والشعوب الأخرى حينما تتخلى عن مكونات هوياتهم فإنها تذوب في غيرها، ولا تمتلك هوية خاصة مميزة لها ولذلك تكون تابعة، واليوم إذا ما فحصنا أحوال العالم فإن غيرنا لا يكترث بمقدار ما ننجزه من تقدم علمي أو من رصيد صناعي أو تجاري أو من موارد طبيعية وإنما يكترث حينما نعود إلى هويتنا، إلى إسلامنا، إلى قرآننا لأنهم يعلمون أن فيها قوة كامنة هي التي ترسم – حينئذ - للمسلمين استقلالهم وتحدد لهم شخصيتهم أفرادا ومجتمعا وأمة وهذا لا ينفي انهم سيتعاونون مع غيرهم وانهم سيكونون رسل رحمة وعدل وحق وهداية للناس لأن دينهم كذلك ولذلك نجد وصف الأمة في قوله تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)، وحينما بوأ الله تبارك وتعالى هذه الأمة مبوأ التكريم فقال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) لم يكتف ويقول: «كنتم خير أمة» وإنما قال: «أخرجت للناس» فهذا يرتب على هذه الأمة أمانة عظيمة عليها أن تؤديها للناس لأن الناس سيُسألون عن أدائنا: هل كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت لكم؟ هل رأيتم الأخلاق التي يدعو إليها الله تبارك وتعالى؟ هل رأيتم فيهم العلم؟ هل رأيتم فيهم العمل؟ هل رأيتم فيهم الهمة والطموح؟ هل بينوا لكم حقيقة هذه الحياة الدنيا وحقيقة المآل الذي تنقلون إليه؟ هل رأيتم فيهم الصالحات؟ هل رأيتم فيهم صنائع المعروف؟ أو رأيتم فيهم صورة مشوهة منكم؟.

وأشار إلى انه لا يوجد هناك سياق في القرآن الكريم يتحدث فيه الله تبارك وتعالى عن هذه الأمة إلا ونجد فيه تحميلا لمسؤولية عظيمة وأمانة كبرى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) أي أننا نكون شهداء على الناس هل تمسكوا بالحق أو لم يتمسكوا؟ هل اهتدوا إلى النور والخلق والقيم والعدل أم لا؟