Untitled-1
Untitled-1
إشراقات

التربية الإسلامية.. ودورها في مواجهة قضايا الأمة

09 فبراير 2017
09 فبراير 2017

خـــــير أمــــة -

حمود بن عامر الصوافي -

إنَّ فقدان العلم وغياب الوعي يولّد الانهزامية والتراجع في الأمة يومًا بعد يوم فإن التضعضع معناه بداية التراجع في كل شيء فإذا كنا قد تراجعنا سنين طوالاً بعد تقدمنا ألا يجدر بنا أن نعيد تقدمنا إلى الواجهة كما أعاده غيرنا؟ وكما أعدناه سابقا في ظروف شبيهة وقريبة مما نحن فيه؟ فلماذا نبقى متخاذلين باكين على الأطلال نندب حظنا ونزيد عثرتنا؟ بما أننا خير أمة أخرجت للناس يجب علينا أن نكون على قدر هذا الإطراء فنوجه هذه الأمة المكلومة نحو طرق السعادة في الدنيا والآخرة.

لم يأت الإسلام ليلزم الإنسان بطقوس أو أعمال جوفاء لا قيمة لها في أرض الواقع بل عد الإنسان ليكون خليفة في الأرض ويسير وفق منهج فيها كل الخير والصلاح لذلك يجب أن تتساوق العبادات مع المعاملات والأخلاق وتتكامل في منظومة واحدة.

فلا يجوز في ديننا أن نهمل جانبا على حساب آخر، أو نهتم بقسم دون قسم، أو نفرط في قيمة دون أخرى، فالإسلام كل لا يتجزأ، وقد عاب من قبل على بني إسرائيل أخذهم ببعض الكتاب، وتركهم بعضه، قال تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

فحين نتوجه إلى الواحد الأحد في صلواتنا وصيامنا وحجنا فنحن نطلب المدد منه، والفيوض الربانية التي تعيننا على مواصلة الدرب، وتوثيق عرى الإيمان، لنستقيم في معاملاتنا وأخلاقنا وإلا فما قيمة العبادات إذا لم نسقطها على أرض الواقع؟ ولم نطبقها في حياتنا؟ أنكون بفهمنا السقيم قد حققنا مبدأ الخلاقة في الأرض واستعمرنا الأرض لصالح الإنسان؟

كلا، والله فلا بد من سعي حثيث لإسعاد أنفسنا وإنقاذ البشرية من لأوائها وتحقيق الخيرية لنضمن الراحة في الدنيا والآخرة لأن الإنسان لم يخلق للبؤس والفاقة والعوز وإنما خلق ليعمر الأرض ويقدم الأخيَر لمن خانته أقدار نفسه أو تعثر في مسيره نحو المجد، قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا).

لذلك يجب علينا سيما أننا خير أمة أخرجت للناس أن نكون على قدر هذا الإطراء فنوجه هذه الأمة المكلومة نحو طرق السعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ). وربما لا نقدر على انتشال أمتنا من الضياع والبؤس ما لم ندرك أن الجهل هو سبب الشقاء؟ وأنه أساس المحن والإحن؟ فلعينا أن نجز هذا الداء من عروقه ونجتثه من منبته حتى لا يستشري في الأمة فيذرها قاعا صفصفا.

ولو تمعنا في قرآننا لأدركنا هذه الحقيقة، وعرفنا أن الإسلام قد أعلن الحرب الضروس على الجهل من أول ميلاده في جزيرة العرب لذلك لا تستغرب إن علمت أنه لم يأت بالصلاة والصيام والعبادات أولا وإنما جاء بكلمة (اقرأ) كلمة الحضارة والتقدم، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).

فكيف نقدر على تطبيق تعاليم الإسلام دون قراءة؟ وكيف نحطّم الجهل دون قراءة؟ وكيف نتفوق على الآخرين دون قراءة؟ وكيف ننتشل أنفسنا وأمتنا دون قراءة؟ وكيف نحصل على المال، ونحقق اكتفاءنا الذاتي دون قراءة؟ وكيف نعمر الأرض ونقدم للبشرية السعادة دون قراءة؟

لقد ارتبط العلم والقراءة ارتباطًا وثيقًا منذ أول بداية الخلق، وربما قبيل ظهور آدم على وجه الأرض، فلم يكرم آدم حينما سجدت له الملائكة المقربون لحسب أو نسب أو فضيلة إلا فضيلة العلم التي علمها الله إياه، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ، وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).

لقد شرف آدم بالعلم وشرف محمد -صلى الله عليه وسلم- بالعلم تحت مسمى القراءة لذلك لو حاولنا أن نستخلص المشكل لعرفنا أن أكبر داء يلاحقنا هو الجهل، وأن أكثر مصيبة تدور حولنا، وتحاول أن تنهش ما تبقى فينا من قيم هو الجهل، ولو حاولنا أن نطرح بعض الأسئلة لعرفنا أن الجهل كان هو السبب؟ لماذا يقاتل بعضنا بعضا؟ ولماذا لا نتوجه إلى عدونا الظاهر؟ ولماذا نستمع إلى خصومنا ضد بعضنا أكثر من سماع وجهات نظرنا؟ ربما لن نجيب إلا كلمة واحدة إنه الجهل بأبجديات الإسلام كحسن الظن وعدم جواز الظلم، أو المجاوزة في أخذ الحق، وضياع المسؤولية، والجهل بالعدو، وتصديق الآخر دون معرفة أو دراية أو تأكد، وضعف الاستخبارات وتلوي العدو بمظهر الصديق.. فللجهل تعريفات كثيرة وتشعبات عديدة حسبنا فيها ما ذكرناه آنفا.

لذلك فالأمية لا تقتصر أو تختصر بمن لا يقرأ أو يكتب وإنما تتعدى ذلك إلى ضعف القراءة أو قلتها فماذا سينفعنا من يقرأ أو يكتب لكنه لا يمارس القراءة والكتابة؟ وماذا ينفعنا من يقرأ أو يكتب لكنه لا يحاول أن يفهم أو يتدبر ما يقرأه أو يكتبه؟ ألم ينع الله تعالى على أولئك الذين يقولون ما لا يفعلون؟ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)، ألم ينع الله تعالى على أولئك الذين لا يتدبرون القرآن؟ قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، ألم ينع الله تعالى على أولئك الذين لا يشغّلون عقولهم ولا يفتحون آذانهم ولا يبصرون؟ قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

فالأمية لا تختصر كذلك في علم دون علم بل يجب أن يعم العلم جميع التخصصات فآدم عُلم جميع الأسماء ألا يجدر بأمتنا وهي تربو على المليار ونصف المليار أن تتكامل وتتعاون وتتعلم جميع العلوم ليستفيد بعضها من بعضها؟ وتقدم للإنسانية هذه العلوم بدلا من استيرادها؟

ماذا ستقول شعوب الارض عنا إن لم نقدم لهم شيئا؟ ربما قالوا هؤلاء لم ينفعونا في دنيانا فيكف في آخرتنا؟ هؤلاء لم يقدموا شيئا في حياتهم فكيف فيما غاب عن عقولهم؟

لن نستطيع تسويق القيم إلى العالم ما لم تظهر من خلال تصرفاتنا وعلومنا وتقدمنا؟ لن نستطيع أن نجذب الآخرين إلينا ما لم تكن هناك عناصر جذب وحب إلى ما نطرحه من أفكار وإبداعات؟ فقد دأب الناس على الملل واستمرأوا على حب المعروف فقد قال الشاعر:

أحسن إلى الناس تستعبد عقولهما

فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ

نعم إنه الإحسان يفعل ما لا يفعله الجاه والحسب والنسب (إن أنت أكرمت الكريم ملكته) فحري بأمتنا أن تكون لها الريادة في صنع المعروف لنفسها ولغيرها ولتهيئ نفسها لذلك بدلاً من اعتمادها على غيرها في كل شأن من شؤونها.

إن فقدان العلم وغياب الوعي يولّد الانهزامية والتراجع في الأمة يومًا بعد يوم وربما من لعب كرة القدم أدرك أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع وأن التضعضع إلى الوراء معناه بداية التراجع في كل شيء فإذا كنا قد تراجعنا سنين طوالاً بعد تقدمنا ألا يجدر بنا أن نعيد تقدمنا إلى الواجهة كما أعاده غيرنا؟ وكما أعدناه سابقا في ظروف شبيهة وقريبة مما نحن فيه؟ فلماذا نبقى متخاذلين باكين على الأطلال نندب حظنا ونزيد عثرتنا؟

لا بد من مواجهة السلبيات، والوقوف ضدها، والصراخ بأعلى صوت وأنداه أننا قادرون على استخراج القيح من أنفسنا وعلى استكناه المستقبل، واسترجاع ماضينا مهما كلفنا الأمر، أو حاول المنهزمون أن يوقفوا طموحاتنا وقوتنا التي سنحفر أخاديدها من خلال القراءة والنظر والتجربة والتأمل في الكون فلتكن الانطلاقة آنية من قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

 

توجـــيه الأبنــاء ورعـــايتهم -

د. محمد محمد عبد الرحيم الزيني -

أستاذ الفلسفة  ــ كلية العلوم الشرعية -

الإسلام يحب الشخصية المستقلة المستقيمة التي ترتكز على المفاهيم النابعة من حضارتنا التي ساهم في بنائها الآباء والأجداد، وعلينا جميعا مهمة توجيه أبنائنا ورعاية جوانب شخصيتهم الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية، وتصحيح الأفكار المتعلقة بالجانب الديني، وتنمية جوانب المحبة ونشر وسائل الخير في نفوسهم وغرس المبادئ الإسلامية نقية واضحة، فهي سفينة النجاة من العواصف التي تحيط بنا من كل اتجاه.

من المصطلحات الحديثة التي دخلت قاموسنا المعاصر كلمة التربية، التي كانت تستعمل عند المسلمين بمعنى التعليم والتأديب والتهذيب، على أن أصلها اللغوي يرجع إلى ربا يربو، وكلها تعني النمو والتنشئة والزيادة، وربوة، المكان المرتفع والرب صاحب الشيء، وفي قوله تعالى: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)، فحوار فرعون مع موسى يحمل معنى التعجب؛ لأنه هو الذي قام على تربيته من الناحية الجسدية والعقلية والنفسية ولقنه الآداب العامة وسهر على إكماله بالتوجيه والتأديب وتهذيب سلوكه، فالتربية تعنى بالقيام على تربية الطفل وتنشئته وتوجيهه وإكسابه السلوكيات الحسنة وكرائم الأخلاق وغرس القيم المستمدة من مبادئ الإسلام حالا بعد حال. أي مرحلة بعد مرحلة وكلما حققنا نجاحا واصلنا الصعود في سلم التوجيه والتربية للوصول إلى الكمال الإنساني وهذا مطلب ليس بالعسير لتحقيقه نظرًا لوجود القدوة المتمثلة في شخصية الرسول الكريم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الذي يعبر عن المثال الأخلاقي والكمال الإنساني، وفي سيرة حياته أنموذجًا نهتدي بمعالمها وأحداثها وقصة كفاحه في مكة والمدينة.

ومن المسلمات التي لا تحتاج إلى برهان أمر الإسلام وحثه المسلمين على طلب العلم في جميع الميادين، ونحن نعلم فضل علماء المسلمين في مجال العلم الديني والعلوم التطبيقية وترجمتهم لعلوم الأوائل، ونحيط علما أيضًا بالدور البارز والريادي الذي قامت به الحضارة الإسلامية في إشعاع أنوارها على العالم بلا مبالغة أو تزيد، فحينما تمدد الفتح العربي حتى وصل إلى الأندلس يعترف مؤرخو الغرب ومنهم رينهارت دوزي - 1883 - وجوستاف لوبون - 1931 - وجرونباوم - 1972 -وغيرهم بالنقلة الحضارية التي عمت أوروبا بسب العلوم العربية في الفلسفة والمنطق والرياضيات والفلك ويكفي أن نعلم أنهم لم يكن يعرفون حتى الاستحمام والنظافة الشخصية ونقلوا من الحضارة الإسلامية الحمامات العامة وإنشاء «الكنيف» خارج بيوتهم.

على أن الإشكالية الحقيقية في هذه الوضعية المتردية التي نعيشها تتمثل في انتشار الأمية في وطننا العربي، ونحن أهل العلم والفضل والحضارة، وإذا كنا نعني بمفهوم الأمية من لا يقرأ ولا يكتب وليس له صلة بواقعه المعيش، أو تعني كما ولدته أمه ولم يأخذ ثقافة ولم يتعلم من أحد من البشر، أي لا يعلم شيئا كما في قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) إلا أن مفهوم الأمية قد اتسع نطاقه وانداح مجاله وأصبح يشمل كل من لا يساير مفاهيم عصره ويلم بالأساليب الحديثة المعاصرة ويواكب المخترعات المعاصرة ويحسن استخدامها في حياته اليومية، وفي إنجاز أعماله لأنها توفر الوقت والجهد علاوة على حسن الإخراج وجمال الشكل والصورة، فلو قارنا مستوى التحصيل الدراسي والمستوى العلمي عند التلميذ العربي ونظيره الياباني، نلاحظ الهوة العميقة والبون الشاسع بين الطرفين، ولا شك أن هذا لا يرجع إلى ضعف قدرات الطفل العربي أو نقص في ذكائه أو قلة ملكاته -فالحمد لله- إن رب العالمين جعل العقل أعدل الأشياء قسمة بين للجميع ــ ولكن يرجع إلى نقص الإمكانات وقلة الوسائل التقنية وعدم تنشئته من البداية على استخدام الحاسوب في العملية التعليمية والتعويل على الطريقة القديمة.

ولا جدال في أن هذه الوسائل المعاصرة عملت على زيادة الإنتاج والتمتع بجمال الحياة وتوفير سبلها المريحة وقدر لا بأس به من الرفاهية، وهذا أمر لا يتعارض مع التربية الإسلامية بل هو هدف من أهدافها أي توفير السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة ،والتمتع بطيبات الحياة التي وهبها الله لنا.

وهكذا نلاحظ أن الأمية منتشرة فيما بيننا ومتفشية في باقي المجالات الزراعية والصناعية والتجارية، بمعنى إذا كان الفلاح في وطننا العربي مازال يستخدم في بعض بلداننا المحراث الفرعوني ويسقي أرضه عن طريق الشادوف أو الساقية التي تجرها الأبقار، ونحن نشاهد الزراعة الحديثة تأخذ بأسلوب التنقيط، والميكنة الزراعة في جميع مراحل الزراعة سواء في البذر أو الحصاد فلا شك أن هذه أمية وتخلف كبير عن مواكبة العصر في تقدمه المذهل، وقل الأمر نفسه في مجال الصناعة حينما نستخدم النول البلدي أو الآلات البدائية في صناعة الملابس مثلا، في حين أن المصانع الكبرى تدار عن طريق الآلات الضخمة وأصبح إنتاجها بالأطنان علاوة على العمال المهرة الذين يديرونها.

وهناك ظاهرة أخرى تفشت في مجتمعاتنا العربية وهي تعاطي المخدرات والمواد الكحولية والإدمان عليها، وهي قضية مقلقة للسلطات ومزعجة للآباء، وتفضي إلى نتائج كارثية بالنسبة إلى مجتمعاتنا لأنها تنتشر بين شريحة واسعة من المراهقين والشباب، وهم يمثلون ثروة الأمة التي لا تعوض، والعمود الفقري للمجتمع واليد العاملة المنتجة الواعدة، ومن المعلوم النتائج الوخيمة التي تنتج عن مثل هذه الظاهرة، سواء فيما يتعلق بالأسرة التي تفقد ابنها من خلال تدمير صحته ويصبح عالة عليها ويخيب آمال أبويه في مستقبله، أو بالنسبة إلى المجتمع الذي يخسر عاملا منتجا وشابًا واعدًا ومستقبلا باهرًا. أضف إلى ذلك احتياج هذه الشريحة للعلاج وإجهاد ميزانية الدولة ناهيك عن المشكلات التي تنتج عن سلوكياتهم المنحرفة.

وإذا فتشنا عن أسباب هذا السلوكيات الشائنة والتصرفات السلبية، فسوف نلاحظ أننا افتقدنا التربية الإسلامية القويمة والتوجيه السديد لأبنائنا في مراحل عمرهم، ولم نمنحهم الجرعة الكافية من التربية الشاملة التي تعتني بالجانب الروحي والجانب الجسمي، وتقيه من الأخطار المستقبلية، ولم نؤسس لها القواعد المتينة التي تحمي هذا البنيان الشامخ، ولم نحسن زرع محكمة الضمير في أعماقه، فالضمير يصبح الحارس الداخلي الذي يلازم الإنسان في سلوكه اليومي، ويحميه من العثرات والسقطات والنكبات، ولم نقو داخله نوازع الخير الفطرية، فمعظم علماء التربية والفلاسفة يقرون بخيرية الإنسان وميله لعمل الخير وحبه له؛ هذا ما قرره سقراط «399 ق .م» والقديس أوغسطين «450م» والجاحظ «255 هـ» والإمام الغزالي «505 هـ» وجان جاك روسو «1789»، ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا فلاسفة التشاؤم مثل توماس هوبز «1679» وشوبنهاور «1860» في حين يقرر القرآن خيرية الإنسان وسريانه في أعماقه، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه ينصرانه أو يهودانه أو يمجسانه» ويعني بالفطرة أي الخيرية النقية التي تختار الإسلام بمعنى الانقياد والاستسلام لواجب الوجود.

ولا جرم أن نقرر أن وسائل العلاج تتعدد في أكثر من جهة التي تتحمل المسؤولية مباشرة أو غير مباشرة فالأسرة تأتي في مقدمة المؤسسات التي تنهض بالتربية الإسلامية، فهي الحاضنة الأولى التي تخط المفاهيم والأفكار والقيم الخلقية في عقل الطفل ووجدانه ومازال عجينة لينة قابلة للنقش والطباعة وكما يقول إخوان الصفا إن الطفل مثل الصفحة البيضاء التي نستطيع أن نخط فيها ما نشاء، وهذا ما أشار إليه علماء الإسلام مثل ابن سينا «428 هـ» والغزالي وابن خلدون «808 هـ»، ومن الضروري أن تكون التربية والتدريب والتوجيه وإعادة صياغة شخصيته مستمرة لا تقتصر على مرحلة دون أخرى، وفي الوقت نفسه تهتم بالبعد الجسمي والروحي.

فبعد أن يشب الطفل عن الطوق يذهب إلى المدرسة ويحتك بأقرانه ويتعرف على مشارب متعددة، وهنا يتجلى دور المدرسة في تكملة مهام الأسرة من الناحية التعليم وتلقينه مفاهيم احترام الوالدين وحبهم والعطف عليهم في حالة الكبر، والأخوة الإنسانية والتعاون وحب الحق والتفاني في خدمة الوطن وقواعد السلوك القويم المستمد من تعاليم القرآن الكريم وتعاليم السنة النبوية الشريفة: «حب لأخيك ما تحب لنفسك»، و«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» وكذلك مواقف عظماء التاريخ وأعمال المصلحين الاجتماعيين.

ولا نغفل الإشارة إلى دور وسائل الإعلام، فهي التي أصبحت تشكل الرأي العام في أي قضية تتحمس للدفاع عنها، وتستحوذ على عقولنا وتربي ضمائرنا فعليها أن تكف عن هذا الغثاء الذي نراه في بعض وسائل الإعلام العربية؛ من مناظر مخلة بالآداب أو الأحاديث التافهة الممجوجة التي تعمل على تغييب الوعي وتسطيح العقل وتنشر الخرافات، وتساعد على انحراف أبنائنا من الأطفال والشباب، لذلك عليها مسؤولية دينية وأخلاقية، إذ يجب شغل وقته فيما يفيد وذلك من خلال نشر أركان الإسلام والمفاهيم الصحيحة وتقديم سير الصحابة في ثوب عصري ولغة مبسطة مفهومة دون تكلف أو تزيد، كذلك إرساء القيم الأخلاقية التي حث عليها الإسلام حب الخير للجميع والعطف على الفقير واليتيم والتعاون مع الغير ونجدة الملهوف وتعميق فكرة الانتماء إلى الوطن وبذل الروح في سبيل الدفاع عنه، وفي الوقت نفسه محاربة العادات الطارئة على المجتمع، والتقاليد الغربية الوافدة علينا وإظهار خطورة هذا وذاك على حياتنا الدينية والاجتماعية.

موجز القول إن الإسلام يحب الشخصية المستقلة المستقيمة التي ترتكز على المفاهيم النابعة من حضارتنا التي ساهم في بنائها الآباء والأجداد، وعلينا جميعًا مهمة توجيه أبنائنا ورعاية جوانب شخصيتهم الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية، وتصحيح الأفكار المتعلقة بالجانب الديني، وتنمية جوانب المحبة ونشر وسائل الخير في نفوسهم وغرس المبادئ الإسلامية نقية واضحة، فهي سفينة النجاة من العواصف التي تحيط بنا من كل اتجاه. (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).