المنوعات

رحلة البحث عن آثار المكسيك الغارقة

09 فبراير 2017
09 فبراير 2017

مكسيكو سيتي - «د.ب.أ»: توجد صورة في أذهان الكثيرين تربط مهنة عالم الآثار بشخص يحفر الأرض الجافة أو ينفض التراب من على غرض قديم بأداة دقيقة تحت الشمس مرتديًا قبعةً مثل تلك التي تخص الشخصية السينمائية للمغامر «إنديانا جونز»، ولكن هذا الوصف لا ينطبق على الفريق الذي يعمل مع عالمة الآثار المكسيكية بيلار لونا.

تتعلق معدات فريق بيلار لونا بخزانات الأوكسجين وبدل الغطس المطاطية والزعانف وأجهزة قياس الضغط، وتعمل لونا نائبا لمدير قطاع الآثار الغارقة بالمعهد القومي لعلم الأنثربولوجيا والآثار بالمكسيك.

وتقود هذه الباحثة «72 عاما» فريقا يضم 20 عالما غواصا تتعلق مهمتهم بالغطس في البحر والكهوف الغارقة أو بعض البحيرات الموجودة في منطقة نيفادو دي تولوكا، البركان الخامد الذي يصل ارتفاعه إلى أكثر من 4000 آلاف متر فوق سطح البحر، وذلك لدراسة الآثار التي غطتها المياه. لم تعد لونا، أحد رواد هذا القطاع في المكسيك، تغطس في الأعماق بنفسها كما كانت تفعل طوال عقود، حيث كانت قد تعرفت على علم الآثار الغارقة عام 1970 عبر كتاب للأمريكي جورج إف باس وعملت بعدها معه في البحر المتوسط بتركيا.

وتتولى لونا في الوقت الحالي مسؤولية كل مشروعات المعهد للتنقيب عن الآثار الغارقة، وهو العمل الذي سمح لها بالعثور على هيكل عظمي كامل وسليم هو الأقدم من نوعه لامرأة في الأمريكتين (من 12 ألفا إلى 13 ألف عام) وحفريات لفيل تعود إلى 40 ألف عام وجماجم وقرابين من حقبة ما قبل العصر الكولونيالي الإسباني ومدافع تعود للقرن السادس عشر.

تقول لونا لـوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن «هناك مقولة مثيرة مفادها أنه من الأسهل أن تجعل من عالم آثار غواصا، على أن تجعل من الغواص عالما للآثار.. الغوص مبهر في حد ذاته. إنها رياضة رائعة، ولكنها مختلفة تماما حينما يكون الغرض من وراء نزولك للمياه هو البحث العلمي». وكأي غواص حاصل على شهادة يجب على علماء الآثار الالتزام بأوقات وتوقفات معينة ودقيقة وفقا للعمق الذي يعملون به. يجب عليهم تخطيط العمل وتحقيق الاكتشافات». تقول لونا «ذهبت للغطس في تركيا على عمق 40 مترا وكان لدينا صباحا 29 دقيقة من الغطس أمام 30 دقيقة من توقفات تخفيف الضغط. بعدها يجب عليك أن تقضي خمس ساعات على السطح. الغطس المسائي كان مدته 27 دقيقة مع 30 دقيقة من توقفات تخفيف الضغط». تضيف لونا: «في نهاية اليوم، فإنه لا يكون بوسعك التواجد في موقعك سوى لمدة ساعة في الأعماق فقط.

هذا هو الفارق الكبير مع عالم الآثار الذي يعمل على الأرض، حيث يمكنك أن تقضي طوال اليوم بل وربما الليل. إذا ما كنت ترغب في هذا ستضيء الأنوار وتواصل». وحقق فريق لونا في 2011 واحدًا من أعظم اكتشافاته. كان الأمر في هويو نيجرو وهو أحد الكهوف الغارقة بمنطقة في تولوم بشبه جزيرة يوكاتان، حيث أبلغ مجموعة من المستكشفين المعهد بوجود شيء ما سيتضح لاحقا مدى كونه استثنائيا وستنبثق منه اكتشافات جديدة. تقول لونا «دخلوا في سينوتي (بحيرة جوفية تحت الأرض) يدعى العذراء وبدأوا في استكشاف 100 متر ثم 200 وهم يرفعون الخرائط.

غاصوا ألفًا و200 متر أفقيًا وفجأة عثروا على فراغ لم تظهر فيه مصابيحهم وكشافتهم أسقف أو حوائط أو جوانب سواء لأسفل أو لأعلى»، وعثر في ذلك المكان الذي يبلغ قطره 60 مترًا على الهيكل العظمي السابق ذكره والخاص بالسيدة والتي يعتقد أنها توفيت وعمرها 16 عاما. وأطلق العلماء عليها اسم نايا، ووفقا للدراسات فإن أصولها آسيوية من جسر بيرنجيا، الذي نجا من آخر عصر جليدي شهده الكوكب.

وعثر هناك أيضا على بقايا 27 حيوانا ومن ضمنها إحدى سلالات الأفيال القديمة وجمجمتي دب وفك وحش الميجاتيرم أو الكسلان الأرضي العملاق وبقايا فهد البوما الأمريكي. تقول لونا «هذه الحيوانات ستقدم لنا الكثير من المعلومات. لدينا دراسة واقترب نشرها حول دببة لم تكن موجودة في أمريكا الوسطى أو الشمالية.

يبدو أنها أتت من الجنوب والكسلان العملاق ربما يكون الوحيد من نوعه في العالم»، وخلال مهمتهم لاكتشاف التراث والآثار، فإن العلماء الذين يعملون تحت الماء يواجهون تحديات متنوعة، حيث إن تغيير بيئة بعض القطع التي يتم انتشالها من أجل دراستها يصعب عملية الحفاظ عليها، لهذا يفضلون تركها في مكان العثور عليها.

تضيف لونا «الأشياء تحفظ تحت المياه بصورة أفضل مما يكون عليه الأمر برا. المشكلة الكبرى هي إخراجها من هذه البيئة وتغيير بيئتها؛ لأن الضرر في تلك الحالة قد يكون رهيبًا وربما يصل إلى حد التدهور إلى الدمار الكامل»، وبخلاف دراسة منطقة أويو نيجرو، فإن فريق لونا، الذي يضم مؤرخين وخبراء في مجالات أخرى، يعمل ضمن مشاريع أخرى على إعداد سجل رقمي للسينوتات الموجودة في يوكاتان والبحث في السجلات عن بيانات بخصوص سفينة إسبانية غرقت في 1631.

ويتعلق الأمر بسفينة «نويسترا سينيورا دي خونكال» التي كانت ضمن أسطول إسبانيا الجديدة وغرقت في ساحل المكسيك أمام ولاية كامبيتشي، وهي تحمل شحنة ثمينة. تقول لونا «كانت من أبرز السفن ونجا 30 شخصًا من أصل 300 كانوا على متنها.

هؤلاء هم الأشخاص الذين قصوا قصتها عبر الزمن.

إنها مجموعة من الألغاز الفظيعة؛ لأن المكان الدقيق لغرق السفينة ليس معروفًا»، وتشير عالمة الآثار إلى أن «من ضمن التحديات الكبرى مسألة حماية الآثار الغارقة وبالأخص من أسطول (إسبانيا الجديدة) من صائدي الكنوز المهتمين بالسفن الغارقة المحملة بالذهب والفضة وبالأحجار الكريمة».