أفكار وآراء

الزمان التنموي والفكر الاستراتيجي المعاصر

08 فبراير 2017
08 فبراير 2017

الســـيد يســــين -

[email protected] -

صدر لي في المعرض الدولي للكتاب المنعقد حاليا في القاهرة كتابان الأول عن «الزمان التنموي» والثاني عن «تحولات الفكر الاستراتيجي المعاصر» قد يشتركان في مناقشة نفس المشكلات في الدوائر العالمية والإقليمية والمصرية غير أنهما يختلفان اختلافات جوهرية ليس في رؤية العالم ولكن في مجال التعمق في الدراسة والاستفاضة في بحوثها المتعددة.

الكتاب الأول عنوانه «الزمان التنموي والتحديث الحضاري» وقام بنشره المجلس الأعلى للثقافة.

وهو عبارة عن تجميع منهجي للمقالات الفكرية المترابطة التي نشرتها في جريدة الأهرام وغيرها طوال عام 2015.

وقد تعودت منذ أن مارست الكتابة الأسبوعية المنتظمة منذ سنوات بعيدة على أن أجمع في نهاية العام كل ما نشرت بدون حذف مقالة منها بعد تصنيفها بصورة دقيقة.

وذلك لأن استراتيجيتي في الكتابة لا تقوم على كتابة شعارات متنوعة في موضوعات قد تكون متنافرة ولكن في وضع خطة متكاملة لمعالجة موضوع في سلسلة مقالات متتابعة حتى أستوفي بحث كل جوانب الموضوع. وهذا في حد ذاته يساعدني في نهاية العام على تصنيف المقالات في شكل أبواب أو فصول مستقلة لكل فصل عنوان يشير إلى المشكلة المبحوثة وإلى جوانبها المتعددة.

مثال ذلك حين عالجت موضوع الهوية Identity وهو موضوع مثار الآن بشدة في الفكر العالمى كتبت أكثر من عشر مقالات متتابعة في الموضوع حتى أستوفيه.

وجدير بالذكر أن أنشر عنوان الكتاب وهو كما ذكرنا «الزمان التنموي والتحديث الحضاري».

والزمان التنموي معناه بكل بساطة أن دول العالم جميعا لا فرق في ذلك بين الدول الرأسمالية الغنية والدول الفقيرة. في العالم الثالث أدركت منذ نهاية الحرب العالمية الكبرى عام 1945 أنه مادام عصر الحروب الكبرى قد انتهى فلا بد من تدشين عصر جديد شعاره الأساسي التنمية. والتنمية هنا نقصد بها تنمية المؤسسات القادرة على إشباع الحاجات الأساسية للمواطنين ورفع مستوى معيشة أعضاء الطبقات المختلفة وعلى الخصوص الطبقة الوسطى والطبقات الدنيا.

وحين اكتشفت الدول الرأسمالية خطورة جاذبية «الصراع الطبقي» وأهمية القضاء على استغلال الإنسان للإنسان في المجتمعات الرأسمالية وهي المبادئ التي ركزت عليها الماركسية خصوصا في تطبيقها اللينيني بعد الثورة البلشفية التي اندلعت في روسيا عام 1917، فإن هذه الدول حاولت بنجاح كبير تجديد أفكارها الرأسمالية وذلك بخلق نوع جديد من الدول أطلق عليه دولة الرعاية الاجتماعية بمعنى أن الدولة مسؤولة عن إيجاد عمل للقوى العاملة ولو سادت البطالة بظرف اقتصادي أو آخر فإن الدولة تدفع للمتعطلين إعانة شهرية لمدة ثلاث سنوات على أن يثبتوا كل فترة أنهم بحثوا عن عمل مناسب ولم يجدوا.

غير أنه يمكن القول إن عصر العولمة هو الذي نشر أفكار الزمان التنموي بحكم أنها قامت على فتح الأسواق الاقتصادية في العالم بلا قيود وسدود على أساس أن ثمار العولمة الاقتصادية ستتساقط على شعوب العالم جميعا! ومع أن هذه الفكرة ثبت يقينا وخصوصا بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008 أنها وهم من الأوهام، ومع ذلك أصبح موضوع التنمية المستدامة مسئولية أي دولة معاصرة ولا تستطيع أن تتنصل منها.

غير أن التنمية بغير التحديث الحضاري طريق مسدود ما لم يتم التحديث الحضاري لمؤسسات المجتمع الأساسية وأهمها النظام التعليمي حتى يتفق مع المعارف العلمية الجديدة والمستحدثات التكنولوجية.

غير أنه مما يلفت النظر حقا أن الدول العربية والإسلامية لم يستطع مسؤوليها، بوجه عام ، فهم عملية الحداثة التي قامت على أساسها النهضة الأوروبية وخلطوا خلطا شديدا بينها وبين التحديث.

والحداثة تقوم على الفردية والعقلانية والعلم والتكنولوجيا واعتماد نظرية «خطية» عن مقدم التاريخ الإنساني.

وهناك أنواع عدة من الحداثات أهمها ولا شك الحداثة السياسية التي تتمثل في الديمقراطية والحداثة الفكرية التي تقوم على مبدأ غاية في الأهمية وهو أن العقل وليس النص الديني هو محك الحكم على الأشياء وقد صيغ هذا المبدأ العلماني الأساسي للفصل بين الدين والدول وعدم تحكم رجال الدين بجهودهم الفكرية في المسار السياسي للشعوب كما فعلت الكنيسة.

غير أنه في المجتمع العربي والإسلامي أجمعت النخبة الحاكمة على رفض الديمقراطية للتمتع بثمار السلطوية والشعبية ووقفت الجماهير الأمية والفقيرة ضد مبدأ إبعاد الدين عن السياسة وذلك بتشجيع من الجماعات الإسلامية المتطرفة باعتبار ان الحداثة بدعة غربية!

ولا شك لدينا في أن هذا الموقف الرافض للديمقراطية من ناحية والذي ينعت الحداثة الغربية بأنها بدعة هو أحد أسباب تخلف المجتمعات العربية والإسلامية والفرق الجوهري بين كتابنا «الزمان التنموي والتحديث الحضاري» وكتابنا الثاني الذي نشرته الهيئة العامة للكتاب وعنوانه «تحولات الفكر الاستراتيجي المعاصر: من الاستقلال الوطني إلى الدولة التنموية» وهو أشبه بموسوعة متكاملة ويقع في 800 صفحة كاملة.

والكتاب في الواقع ثمرة تراكم معرفي طويل استمر أكثر من ثلاثين عاما حين أسست ورأست تحرير «التقرير الاستراتيجي العربي» عام 1976 والذي توالى بعدي على رئاسة تحريره مجموعة كبيرة من خبراء مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية المرموقين ليستقر منذ سنوات على رئاسة تحريره الدكتور «عمرو هاشم» ويدير تحريره الدكتور «محمد عز العرب».

والفرق الجوهري أن كتابنا الثاني لا يضم مقالات صحفية ولكنه يضم دراسات متعمقة تفتح آفاقا جديدة أمام الفكر العربي المعاصر.

والدليل على ذلك أن الدراسة الأولى عنوانها «نحو رؤية عربية للدراسات الاستراتيجية» والدراسة الأخيرة التي ستصدر هذا العام عنوانها «عصر الاضطراب العالمي».