yesra
yesra
أعمدة

ربما: في حضرةِ الحُب

08 فبراير 2017
08 فبراير 2017

د. يسرية آل جميل -

[email protected] -

قبل كثيرٍ من الأعوام وعدها بأن تكون له، رغم المسافة، الظروف، الحياة، رغم كل شيء. تذكرة سفرٍ قطعها نحو قلبها مُباشرة، في قاعة المغادرين ينتظر، حيثُ يممَ نحوها قلبه، إلى حيثُ ألفى سيدةَ قلبه، وعمره الماضي والآتي، حيث يحطُ رحال التعب، وحقائب عناءٍ طويل، أثقلت ذات يومٍ ظهره.

أخرجَ جوَّاله، كتبَ لها ذات رسالة صغيرة: « حبيبة عمري.. وأيامي القادمة: أخيرا سوف يتحقق حُلمنا الذي انتظرناه طويلا، جاء اليوم الذي ستُصبحين فيه زوجتي على سُنة الله ورسوله، وأمام الناس أجمعين، مهما وصفت لك سعادتي فما راح أقدر، الله يخليك لي، ولا يحرمني منك، يا أغلى بنوتة في الحياة ..»

في مثل هذه الليلة قبل عام كانت أسعد بنات الخليج، العالم، الكون كُله، فكتبتُ إليه: (..............)، لم أتمكن أن أكتب إليه، إذ كانت دموع العينْ الأصدق جواباً ذلك الوقت، وحتى الآن بعد مرور عام، وبعده أعوام العُمر كله -بإذن الله – حتى وأنا أكتب إليه هذه الكلمات، تخذلني حروفي، وتنتصر دمعة فرحٍ لهذا الحدث الجميل، ودمعة ألمْ أجمل، لأن أصدق عواطفنا المولودة من رحمِ الأحزان..»

اليوم، بعد مرور الأعوام، بتمامها دون نقصان، تفقدتُ حافظة نقودي، أخرجتُ هويتي الشخصية، وجدت اسم حبيبي في خانة الأب، والأم، والاسم الثالث، والعائلة، وجدته فصيلة دمي، والقريب الأقرب للاتصال في حال الطوارئ، وجدته أخي وصديقي ورفيق الدرب الطويل، وجدته ديني ودُنياي وآخرتي، وجدته في خانة الأبناء، ابني الذي حملته وهناً على وهنْ، وجئتُ به إلى الدُنيا، والتصقتُ به كما كان في ظُلمة بطني، فلم ير إلا أنا، ولم يسمع إلا أنا، ولم يشعر إلا بنبض قلبي أنا.

وهكذا الآن معه، أنا لا أرى، لا أسمع، لا أجد من أتكلم معه إلا هو، فهو وحده فوق هذه الأرض من يستحق كُل شيء، إنها الليلة الأولى الأميز في رحلة زواجنا، اليوم الذي طرقُ الحُب فيها بابي، وقد كُنت أنتظره بأزهى الثياب، و أزكى العطور، وبين يدي ألبوم صورٍ، لأجمل الليالي وأغلاها. هُنا يضع يده بيدي الشيخ ليعقد قراني عليه، وهُنا يُبارك له أهله، وهُنا إخواني، في هذه الصُورة ابتسامة كبيرة أنا الوحيدة التي أراها رغم شرود ذهنه، فأنا الوحيدة التي أشعر معه بحجمِ الهَّم الذي رحل عنه، وأنا فقط أدرك مثله تماماً حجم النِعمة التي سنظل نحمد الله عليها طول سنينْ. في هذه الصورة يستأذنهم ليأتيني، أمي وأخي يستقبلانه لدى البابْ، كُلهم من حولنا يزغردون، كُلهم يرددون مع الجسمي: « من فينا الليلة ينام، و الشوق صاحي ما ينام، كل منا ياحبيبي، شايل بقلبه كلام..»

آه يا سيدي، كم أحمل لك في قلبي كلامْ، أتاكَ بعضه، وبعضه سأرسله إليك حيثُ أنتَ الآن، تهمُّ بصعودِ طائرتك لتأتيني، تحمل لي بين قلبك مجموعة قلوب كُلها تحبني أنا، وأنا

يشهدُ علي الله، أن ما كان فارسي إلا أنت، قضيت عُمري أنتظرك، لا يهم، تجاوزت الثلاثين ولم أتزوج، غزا الشيب ضفائر شعري، كُل الذين من حولي أبناؤهم أطول مني! كُل هذا لم ينل مني يوماً أبدا، الأهم أنك لم تخذلني، أو تكسر بداخلي كبرياء الأنثى المغرورة بحبيبٍ لم تُنجب شبيهه نساء الدُنيا، الأهم يا سيدَ عُمري أني الآن مُلك يمينك، وقلبك، وكُل حواسك، أحمل اسمك، وقلبك، وذريتك.

أشهد الله أني في كُل مرة كنت أسعى فيها للفرح، أو أشعر فيها بالفرح، كُنت أتوتر.. أخاف، فأنا أخاف الفرح، كلما منحتني الحياة فُرصة للفرح، أضعُ يدي على قلبي وأقول: أللهم اجعله خيرا، لكنه بالفعلِ كان خيرا هذه المرة، فأي خير أريد من الدُنيا أكثر من أن أكون لحبيبِ أيامي، وابن عمري الذي جاء أخيراً، وها أنا اليوم حرمه، أي خير!

إليه حيثما كان:

يا سيد الرجال

كل عيد حُبٍ .. وأنت للمُحبينَ فخر

وكل مساء وأنت للعُشاق سهر

وكل السنوات السالفة والآتية وأنتَ لقلبي عطر

يا أجمل، بل يا أكمل الرجال

أحبك.