أفكار وآراء

التوعية .. من لوازم العمل الوطني

05 فبراير 2017
05 فبراير 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يأتي «ترسيخ وعي المواطنين بأهداف التنمية ومهامها وأولوياتها» أولوية قصوى، كما يفترض في أجندات الحكومات، ذلك أن (المواطن) قطاع عريض من التشكيلة السكانية في أي بلد، وهذا القطاع تتقاطع مصالحه؛ ومفاهيمه، ليس فقط في تقييمه لبرامج التنمية، ولكن حتى في ما يعنيه له شخصيا،

نستحضر هنا جزءا من رؤية سامية كريمة؛ أكد عليها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - قبل عشرين عاما من الآن، وذلك من خلال ما جاء في كلمته السامية بمناسبة افتتاح الفترة الأولى لمجلس عام في عام 1997م،حيث قال جلالته: «إن المشاركة في ترسيخ وعي المواطنين بأهداف التنمية ومهامها وأولوياتها والجهود التي تبذل لتنفيذها، وتعميق الترابط بين الحكومة والمواطنين، واجب وطني أساسي، ينبغي على كل فرد من أبناء هذا البلد الغالي القيام به فالمواطنون من حقهم أن يعرفوا ما تبذله الحكومة من جهود في سبيل رفع مستوى المعيشة، وتطوير الاقتصاد، وتنمية الثروات الوطنية، ورعاية المجتمع، وضمان أمنه واستقراره، والمحافظة على قيمه وثرواته ومنجزاته، كما أن من حقهم أن يعرفوا أن الساحة الدولية تشهد كل يوم من التطورات والمتغيرات ما يوجب على الحكومة إعادة النظر في خططها، وأولوياتها، وبرامجها التنفيذية، وأساليبها المنهجية بما يمكنها من تفادي السلبيات التي تتمخض عنها بعض تلك التطورات والمستجدات، وبما يجعل من الضروري أن يتفهم المواطن ظروف كل مرحلة من المراحل، ويتقبل الواقع الذي تفرضه بروح إيجابية، لذلك فإن التوعية ضرورية للمجتمع بكل فئاته وشرائحه، وهي من لوازم العمل الوطني التي بدونها لا يتأتى للكثيرين تقدير مدى تأثير بعض الأحداث العالمية على المسار التنموي. وإذا كنا ندعو الجميع إلى أداء واجبهم في مضمار التوعية فإننا نؤكد هذه الدعوة بوجه خاص لأعضاء مجلس الشورى، فمن واقع تمثيلهم للمواطنين، المجلس ولجانه، بالقيام في المرحلة القادمة بدور أكثر فاعلية في هذا المجال، يجعل الرؤية أوضح، والبحث أعمق، والنتائج أفضل وأجدى وأشمــل» - دور الانعقاد السنوي الأول لمجلس عمان ديسمبر 1997م -.

إذن هنا منهج عمل مشترك بين أطراف ثلاثة موكول إليها تعزيز مسارات التنمية المختلفة، وتفعيل دورها الساعي الى راحة المواطن والمقيم على حد سواء، وهذه الأطراف هي: الحكومة؛ بكل أجهزتها الإدارية والفنية، والمواطن؛ بكل فئاته ومكتسباته المعرفية والمهنية والخبرة العملية، وعضو مجلس الشورى؛ بكل الصلاحيات الممنوحة للمجلس - التشريعية والرقابية - وهو المعني أكثر بتجسير العلاقة بين المواطن والحكومة «من واقع تمثيلهم للمواطنين» فهذه الأطراف الثلاثة هي المعول عليها وفق هذه الرؤية السامية الكريمة، ووفق هذا المنهج المتكافئ بين أطرها ومنهجيات أعمالها المختلفة، فكل واحد يعضد جهد الآخر؛ حسب هذا التكليف المباشر من لدن المقام السامي الكريم، فلا تنازع في الاختصاصات، ولا اختلاف، وإن تباعد في الوسائل، سيظلون قريبين أبدا في تحقيق الأهداف العامة للوطن العزيز، وهذا في شموليته لا يضير شيئا في فحوى هذه العلاقة التكاملية بين هذه الأطراف مجتمعه فالغاية هي بناء الوطن، وفق مقومات، ومعززات حديثة، قادرة على مواجهة كل الظروف الحالية او المستجدة، انطلاقا من معززات كثيرة تأتي في مقدمتها الخبرات المعرفية والعملية المتراكمة، والتي تنجز اليوم فيما يقترب من نصف قرن من العمل المتواصل من قبل هذه الأطراف الثلاثة مجتمعة، او متفرقة، وما عاشته ولا تزال من أحداث دولية كبيرة تفرض أجندتها هي الأخرى على مسارات العمل الوطني لأي دولة تعيش على هذا الكوكب.

يأتي «ترسيخ وعي المواطنين بأهداف التنمية ومهامها وأولوياتها» أولوية قصوى، كما يفترض في أجندات الحكومات، ذلك أن (المواطن) قطاع عريض من التشكيلة السكانية في أي بلد، وهذا القطاع تتقاطع مصالحه؛ ومفاهيمه، ليس فقط في تقييمه لبرامج التنمية، ولكن حتى في ما يعنيه له شخصيا، حيث تتضاءل عنده الرؤية وتتموضع فقط عند مستوى الخبرة في الحياة، والعمر المنجز، ومستوى الحصيلة المعرفية، وهذه كلها تظل عوامل نسبية؛ إن ارتفع سقفها عند فرد من أبناء المجتمع، سيظل في المقابل أفراد كثيرون ينخفض مستوى هذا السقف الى درجة متدنية في التعامل مع مختلف التطورات التي تشهدها الحياة، ومن هنا تأتي أهمية «الوعي» في تعزيز معرفة هذه الفئة من أبناء الوطن لكي يأخذ الاستيعاب لمختلف التطورات طريقه نحو الفهم الشامل، وتقدير الظروف، وبالتالي المبادرة الى الإسهام أكثر، بدلا من حدوث ردات الفعل الـ «فجة» التي نراها ونسمعها هنا أو هناك انعكاسا لمواقف مختلفة تحدثها برامج التنمية بين كل فترة وأخرى، لأن الكم الأفقي في مفهوم الـ «مواطن» أكثر اتساعا وكما، من الكم النوعي، وحتى هذا الكم النوعي يحتاج الى تعزيز وعيه بحكم تفاوت التخصصات وتشعبها، إذا سلمنا جدلا على أن هذا «الكم النوعي» من المواطنين يندرج تحت الفئة المتعلمة تعليما عاليا في مختلف التخصصات، والذين يحملون الشهادات العليا فيها، فليس كل متخصص في مجال ما؛ معناه أنه يدرك كل شيء في الحياة، وخاصة إذا كان هذا الشيء هو من أعمال جهات معنية لها برامجها، وأولوياتها التي تعمل على تنفيذها وفق خطط مرحلية، ولذلك كانت هناك نماذج كثيرة لم تكن متوافقة في كيفية تنفيذ الحكومة لبرامجها، وكانت لها مواقف أدت بها الى الخروج نهائيا من أحد أضلاع المثلث هذه، وهي من المحسوبة من فئة الكم النوعي من المواطنين بحكم الشهادة، إن كانت المسألة تقاس على الشهادة عند تصنيف المواطن على حسب الكم النوعي. وبالتالي فهذا التوافق المأمول ما بين هذه الأطراف الثلاثة هو من شأنه أن يعمل على «تعميق الترابط بين الحكومة والمواطنين» كما جاء في نص الكلمة السامية، ويقينا هو ليس أمرا اختياريا، وإنما من صميم الواجبات الوطنية الأساسية المعني بها الأطراف الثلاثة، وهو ما يجب أن يعمل عليه الجميع بلا استثناء صغرت المهام والمسؤوليات على أي من هذه الأطراف مجتمعة، او كبرت، تعددت المهام التنفيذية لأي منهم أيضا أو قلت، كبرت أو صغرت، فالكل معني بهذا الأمر المهم، والكل يجب أن ينضوي تحت هذا اللواء الوطني المقدس. صحيح أن طرف المواطنين لن يكون على اطلاع كامل وشامل بما تقوم به الحكومة من برامج، وما تنفذه منها، وما تقف دون تنفيذه في مرحلة ما، وذلك لما تشهده «الساحة الدولية كل يوم من التطورات والمتغيرات ما يوجب على الحكومة إعادة النظر في خططها، وأولوياتها، وبرامجها التنفيذية، وأساليبها المنهجية بما يمكنها من تفادي السلبيات» ومن هنا يأتي التأكيد السامي لجلالته - أعزه الله - على ضرورة أن يعي المواطن هذه المسألة، وذلك من خلال مجالات التوعية الملزمة بها الحكومة «فالمواطنون من حقهم أن يعرفوا ما تبذله الحكومة من جهود في سبيل رفع مستوى المعيشة، وتطوير الاقتصاد، وتنمية الثروات الوطنية، ورعاية المجتمع، وضمان أمنه واستقراره» فهذا الحق هو الذي يجب أن تفعله الجهات المعنية، وهو ما سوف يشعر المواطن بدوره في التفاعل الإيجابي مع مختلف الظروف التي تمر بها أدوار الحكومة، ولا يكون في الموقف الرافض لأي أجراء يتم، فالوضوح الذي يدعو إليه جلالته - حفظه الله - سوف يعمل على تجفيف منابع المناكفة وأصوات الرفض التي نقرأها أحيانا في ردات الفعل من قبل البعض تجاه بعض الخطوات الحكومية، وما يصاحب ذلك من تصريحات من قبل بعض العاملين في الحكومة والتي قد تعمل على زيادة عدم الوضوح لتوقيتها غير المناسب، أو لظرفيتها الخاصة جدا.

يتعرض (عضو مجلس الشورى) ولعل ذلك قدره بحكم الدور الذي يلعبه بين طرفي المعادلة - المواطن والحكومة - الى كثير من الضغوط من قبل المواطنين؛ وذلك لتمثيل المواطن تحت قبة المجلس، وللدور التشريعي الذي يلزمه به النظام الأساسي «التشريع والرقابة» حيث يتابع الحكومة، وبالتالي فأي ملاحظة يسجلها المواطن ؛ يذهب به مباشرة الى عضو مجلس الشورى، وهو ذهاب؛ كثيرا ما يحمل نبرة عتاب عن تقصير في أداء الدور، ومن هنا تأتي الرسالة الموجهة اليهم من لدن المقام السامي أعزه الله «الدعوة بوجه خاص لأعضاء مجلس الشورى، فمن واقع تمثيلهم للمواطنين، المجلس ولجانه، بالقيام في المرحلة القادمة بدور أكثر فاعلية في هذا المجال» وهي دعوة تحمل بين طياتها دلالات عميقة لأهمية الدور الذي يلعبه عضو مجلس الشورى بحكم قربه الأكثر من صنع القرار في الحكومة، ومن هنا تأتي أهمية إعلاء سقف التوافق بين هذين الطرفين (الحكومة/‏‏‏ مجلس الشورى) على وجه الخصوص، وهو توافق يذهب اكثر وأكثر الى كل ما من شأنه أن ينتصر للمواطن، وما يؤدي الى كثير من الرضا، سعيا شموليا الى ما يعزز الأمن والاستقرار في ربوع الوطن الكبير، وهي الغاية السامية النبيلة، وهو أمر ممكن وضروري في ظل تكاتف الجهود، وإخلاص النية، والعمل بيد واحدة تحقيقا للمنجز، وحفاظا عليه.