المنوعات

بورما تعيد اكتشاف تاريخها الضائع

04 فبراير 2017
04 فبراير 2017

رانغون ـ (أ ف ب): بعد اكثر من 130 عاما على حكمه، حصل اخر ملوك بورما اخيرا على اقرار علني متأخر بأهمية دوره في وقت تعيد البلاد اكتشاف ماضيها بعد طمسه خلال عقود طويلة من الاستعمار وحكم المجلس العسكري السابق. وأقيمت مراسم ملكية في راتناغيري في غرب الهند حيث يدفن الملك.

وقد شكل هذا الحدث لحظة حاسمة لبورما الساعية الى اعطاء معنى للهوية الوطنية مجددا.

وخلال نصف قرن، أعاد المجلس العسكري السابق كتابة التاريخ في اطار حملات كبرى للدعاية السياسية مصورين انفسهم على انهم منقذو الأمة وخلفاء الملوك المحاربين القدماء.

فقد قامت السلطات على سبيل المثال بمحو اثر احداث مأساوية من المراجع التاريخية الرسمية، بينها مثلا الانتفاضة الطالبية في عام 1988 التي واجهها الجيش بقمع دام.

وقد اعتمد المجلس العسكري السابق ايضا الدعاية السياسية البريطانية التي تصور الملك ثيباو كطاغية مدمن كحول انتهى حكمه القصير في العام 1885، اذ لا يرد ذكره في المناهج الدراسية الا لماما.

ويوضح ثان هتيكي اونغ وهو استاذ محاضر في جامعة باثين أن «التاريخ في المدارس ليس سوى احد اوجه الدعاية السياسية الحكومية»، مضيفا «الكتب المدرسية ليست روايات تاريخية حقيقية...

فما من نصوص في شأن طريقة تسلم المجلس العسكري الحكم في العام 1962 او انتفاضة العام 1988 او ثورة سنة 2007».

لكن يسجل تغيير بطيء منذ تسلم اول حكومة مدنية في غضون عقود بزعامة الزعيمة المعارضة السابقة اونغ سان سو تشي، الحكم مطلع 2016.

وقد شارك نائب الرئيس البورمي وقائد الجيش في المراسم الملكية في الهند في ديسمبر، في اول مراسم للذكرى تنال موافقة العائلة المالكة، وهو دليل على التغيير المسجل في هذا المجال.

ويقول المؤرخ ثانت ميينت يو «لا ارى كيف يمكن ان تكون للناس نظرة مستقبلية مبتكرة، من دون ان تكون لديهم نظرة نقدية للماضي»، مضيفا «سيكون ذلك اشبه بمحاولة التفكير في مستقبل ألمانيا من دون معرفة اي شيء عن الحرب العالمية الاولى او الثانية». وبات التاريخ بحسب الرواية التي سوق لها المجلس العسكري السابق، متجذرا بقوة في النظام التعليمي والمجتمع البورمي. ولا يزال التلامذة البورميون يتلقون دروسا بالكتب المدرسية العائدة الى حقبة المجلس العسكري السابق والمتمحورة على تاريخ مجموعة اثنية مهيمنة هي البامار.

وقد أفقدت مادة التاريخ قيمتها لدرجة أنها لم تعد حمل اي جاذبية: فخلال السنوات الاخيرة، لم يتسجل احد في حصص التاريخ في جامعة رانغون العريقة.

ويوضح اليكس بيسكوبي وهو مخرج بريطاني للأعمال الوثائقية انجز فيلما بشأن العائلة المالكة البورمية أن «التاريخ تعرض للتسييس والتلاعب لدرجة دفعت الناس الى فقدان الاهتمام به». ويعتبر الخبراء ايضا ان الرواية الوطنية للتاريخ المتمحورة على اثنية البامار تزيد التوترات الاثنية في بورما.

وتعتبر مجموعات مثل كاشين او كارين ان تاريخ المجموعة الاتنية التي ينتمون اليها يدرس في المدارس العامة بشكل منقوص ومبسط وحتى مغلوط في بعض الاحيان.

وبالنسبة للأقلية الأكثر كرها في البلاد، وهم مسلمو روهينغا، تمثل اعادة كتابة التاريخ وتشويه الحقيقة تهديدا حقيقيا لمستقبلهم في بورما.

وخلال الشهر الماضي، اعلنت وزارة الشؤون الدينية والثقافية في بورما الإعداد لتقرير «حقيقي» في شأن هذه الاقلية المسلمة يتضمن ما تقول السلطات انه اثباتات على انهم مهاجرون غير قانونيين ولمحو اثرهم من تاريخ البلاد.

وتقول الاستاذة المساعدة في جامعة ميزوري الاميركية روزالي ميترو «عندما يعتقد التلامذة بالقصص البسيطة المتعلقة بالماضي، في امكانهم شيطنة بعض المجموعات بسهولة اكبر».

هذه المدرسة الامريكية السابقة امضت عقدا في الإعداد لكتاب مدرسي جديد يعتمد مقاربة نقدية اكثر خصوصا من خلال استخدام وثائق يصنفها النظام العسكري على انها شديدة الحساسية، بما يشمل خطب الملك السابق الجنرال ني وين ووثائق استعمارية. وتتعاون منظمات دولية بينها البنك الاسيوي للتنمية والوكالة اليابانية للتعاون الدولي، ايضا مع السلطات البورمية للمساعدة على اعادة النظر في أنظمة التعليم الدراسية.